فقدت بصر العين ولم تفقد بصيرة القلب، ولم تر منذ ولادتها سعة الحياة ولكنّها أدركت نور الطريق بالقرآن، وعاشت عاجزة عن النظر ولكنها لم تعجز عن الإرادة والتحدي تتسلح بهما لتحقق ما لم يحققه كثيرٌ من المبصرين.
بهمة عالية وشغف متواصل، تجلس الكفيفة الحافظة لكتاب الله سناء الرنتيسي منذ ساعات الصباح الأولى لتسمع القرآن الكريم كاملًا غيبًا في جلسة واحدة في أحد أيام شهر رمضان المبارك، تحرص على كل دقيقة من وقتها لتصل إلى آذان المغرب وقد حققت هدفها مع تسعة حافظات أخريات في مدينة رفح جنوب قطاع غزة.
نور القرآن
"صحيح أنا كفيفة ولكن أشعر أن حياتي كلها نور والحمد لله"، بهذه الكلمات عبرت الكفيفة الحافظة لكتاب الله سناء طلال الرنتيسي 33 عامًا لـ"فلسطين الآن" عن نعمة القرآن التي حباها الله به رغم فقدانها لبصرها، خلال لقاء معها أثناء تسميع القرآن غيبًا في جلسة واحدة في مسجد عباد الرحمن شرق محافظة رفح.
حب قراءة القرآن وقيام الليل بآياته كان الدافع الكبير للرنتيسي أن تحفظ القرآن، وقالت:"أحببت أن أحفظ القرآن من أجل أن أقرأه باستمرار وأقيم فيه الليل".
وأوضحت الحافظة الكفيفة منذ ولادتها أنها بدأت حفظ القرآن الكريم عن طريق الاستماع للأشرطة المسجلة واستمرت في ذلك حتى ختمته، وأضافت:"قمت بحفظه عن طريق أشرطة المسجل في البيت لوحدي في البداية، وحفظت أولًا ثلاثة أجزاء وأصبحت أقرأ فيهن في الصلاة وأقيم بهن الليل".
أتمت الرنتيسي حفظ قرابة 15 جزءًا من القرآن لوحدها في البيت، وبعد أن حصلت على دورة تأهيلية في أحكام التلاوة والتجويد قررت أن تكمل الحفظ في المساجد في حلقات التحفيظ، والتحقت بمخيم "تاج الوقار2" عام 2009 وأتمت حفظ القرآن وراجعت ما تحفظه خلال شهر ونصف، كما أفادت.
وقالت: "اهتممت في دورات الأحكام حتى أتمكن من القراءة، ولما وصلت لسورة الكهف حصلت على دورة مبتدئة حتى أحسن القراءة وكانت أختي تساعدني في المواد النظرية وتلخص لي المعلومات حتى أحفظها بسهولة".
وتابعت: "عندما حصلت على الدورة المبتدأة قررت أن أحفظ القرآن وأكمل في المساجد وتوجهت لمخيمات "تاج الوقار2" عام 2009 في مسجد الأبرار ووقفوا معي كلهم وكنت وكملت مراجعة الباقي وكل ذلك في شهر ونصف، وبعد ما انتهيت حصلت على دورة عليا حتى أطور قراءتي، والحمد لله ربنا وفقني، وحاليًا انتهيت من السند وأنتظر الاختبار فيه".
وأشارت أنها التحقت بعد الحفظ في منتدى الحافظات الخاص بالمراجعة وتثبيت الحفظ، وقالت:"هذا المنتدى للمراجعة، وتعلمنا فيه المعاني والمتشابهات من الآيات".
وتابعت بقولها فيما يخص تسميع القرآن على جلسة واحدة:"قدمت الساعة الثامنة ونصف صباحًا لأسمع القرآن على جلسة واحدة، وهدفي أن أختبر مدى اتقاني للحفظ الذي حفظته".
وختمت بوصيتها: "أقول لكل المبصرين أن يقبلوا على القرآن، ولا يوجد علم أفضل من القرآن، وصحيح أنا كفيفة ولكن أشعر أن حياتي كلها نور والحمد لله، وأوصي الحفظة والحافظات بعدم ترك المراجعة".
همة عالية
وبدورها أوضحت مشرفة منتدى الحافظات في دار القرآن الكريم والسنة برفح تهاني أبو جزر لـ"فلسطين الآن" أن الحافظة الكفيفة سناء الرنتيسي حفظت القرآن في "تاج الوقار" عام 2009، ثم التحقت بمنتدى الحافظات.
وقالت: "كانت من صاحبات الهمة العالية ولا تثنيها إعاقتها عن إكمال مسيرة القرآن الكريم، توجهت معها كمشرفة إلى الجامعة الإسلامية لمساعدتها في حفظ القرآن استماعًا والحمد لله بدأت تحفظ بالسماع وتسمع لمحفظتها".
وأضافت: "كانت أحيانًا الظروف لا تسمح أن تأتي إلى دار القرآن الكريم في الأبرار إلى محفظتها، فكانت تسمع لها عبر الهاتف والجوال أو الواتس أب"، مشيرة أنها "بدأت بحفظ معاني القرآن الكريم، ثم بدأت بحفظ المتشابه من الآيات، وتدرجت في دورات التلاوة والتجويد من التأهيلية والعليا ورواية شعبة وانتهاءً بالسند المتصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم".
وعن طبيعة المشروع أفادت أبو جزر أن المشروع منذ العام الماضي، حيث قامت 10 حافظات للقرآن الكريم بتسميع القرآن الكريم كاملًا على جلسة واحدة من الساعة الثالثة عصرًا حتى صلاة الفجر،"أما في هذا العام بدأنا الساعة 7 صباحًا".
وقالت: "نحمد الله أننا ننتمي لهذا الصرح دار القرآن الكريم لأنها وضعت خطة محكمة للارتقاء بحافظات القرآن من خلال دورات تتعدد من حافظة ثم حافظة جيدة ثم حافظة متقنة ثم حافظة متميزة، وكل دورة من هذه الدورات لها كمية حفظ محدد، وترتقي الحافظة لدرجة أنها تسرد الحفظ سردًا كاملًا وليس مواضع، والحافظة المتميزة تختبر القرآن كل أسبوعين مرة، والمتقنة كل شهر".