يتسابقان إلى العلياءِ حُبًا في لقاءِ الله، عاهدا اللهَ على المضيِ في دروبٍ وعرةٍ، مليئةٍ بالأشواكِ والتضحياتِ، فصمما على اجتيازِ العثرات، واقتحامِ الصعابِ، وخوض الأهوالِ، لتنزف دماؤهما على أرض فلسطينِ، وتطير أرواحهما صوب العلياءِ فرحًا بالشهادةِ على تُرب غزة الطاهرة.
تشابكتْ أيديهما في الدّنيا، صداقةً وأخوةً ودينًا والتزامًا في الصلواتِ، والتسابق إلى الطاعات في ميداني الدعوة والجهادِ في سبيلِ الله، قررا التنافس في كلِ شيءٍ، ولكن تنافس نحو الآخرةِ.
الشهيدان القسّاميان، محمد الكحلوت ومحمد صالح، حكاية شهيدين صديقين، خُطت بدماءِ الطهر، في ميدانِ العصف المأكول، لتنير صفحات التاريخ الجهادي للمقاومة الفلسطينية التي أبدعت في حربها ضد الاحتلال الإسرائيلي المجرم.
جنود الدّعوة والجهاد
شهيدان أعدّا جيلًا قرآنيًا عتيدًا، يصول ويجول في ميدانِ الدعوةِ، في تلاوةِ القرآن الكريم، وفي حفظ وشرح الأحاديث النبوية الشريفة، قبل أن يكونوا جنودًا ميدانيين يوجعون المحتل في ساحاتِ الوغى.
ابنا الاثنين والعشرين عامًا، لم تكن رسالتهم، محض مصادفة أو لهو أو مجرد توقع، بل كانت نتاج عملٍ لسنواتٍ طويلة، قدما فيها الكثير لأشبال المسجد، من تعليم للتلاوة ونقاش كتب الدعوة إلى الله، فكان يلقيان حروفَ الثقة بالله لبعضهما البعض، فقد كتبوها وكأنهم ينظرون إلى الفردوس، كما كان أكثر دعائهما، اللهم ارزقنا الشهادة مقبلين غير مدبرين بعد إثخانٍ في العدو.
رسالة خُطت بالدّم
يبادر محمد الكحلوت برسالة إلى محمد صالح، فيقول له، أن قائد عملية الكوماندوز البحري، التي اقتحمت زكيم بحرًا، درس معه في المدرسة، وتمنّى أن يكون مثله، موجهًا سؤالًا بنوعٍ من المرحِ إلى صديقه، من يستشهد قبل، أنا أو أنت؟
يتنافسان على الاستشهاد، ويتفقان أخيرًا، على الاستشهاد معًا، لكن الله أراد لهما الشهادة، في نفس الحربِ، فارتقى الكحلوت في العاشر من يوليو، أثناء عودته من كمينٍ شرق جباليا، وارتقى صالح في الحادي عشر من آب من عام 2014، عندما كان يحاول زراعة عبوة ناسفة، للآليات الإسرائيلية، وفي أيام معركة العصف المأكول.
ولدا في العام نفسه "1992"، واستشهدا في العام نفسه " 2014"، تعانقت أجسادهما في المساجدِ في حلقات الذكر وتلاوة القرآن الكريم، ودروس الوعظ والإرشاد، وحلقات الإيمان، وفي ساحات العزة والكرامة، وميادين الجهاد والاستشهاد، وحملا البندقية معًا، وأطلقا الرصاص معًا، وحلقت أرواحهما في السّماء، لتمرحا في جنانِ رب العالمين، نحسبهما كذلك، ولا نزكيهما على الله.
رحل الحبيبان، وما زالت دماؤهما عنوانًا للصبر والثبات والتضحية، وقد سار على دربهما، آلاف المجاهدين، والدعاة إلى الله، وستبقى ذكراهما في أزقة أشبال وشباب وشيوخ المساجد وجنود القسام في الميدان.