26.66°القدس
25.9°رام الله
26.54°الخليل
27.21°غزة
26.66° القدس
رام الله25.9°
الخليل26.54°
غزة27.21°
الإثنين 07 أكتوبر 2024
5جنيه إسترليني
5.38دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.19يورو
3.81دولار أمريكي
جنيه إسترليني5
دينار أردني5.38
جنيه مصري0.08
يورو4.19
دولار أمريكي3.81

يسقط الانقلاب

جبريل عودة
جبريل عودة
جبريل عودة

تكشف المحاولة الفاشلة للإنقلاب على النظام الديمقراطي التركي , العديد من الحقائق التي برزت في المشهد التركي العام , في مقدمتها رسوخ المبادئ الديمقراطية والإيمان الشعبي العارم بأهميتها في إدارة شؤون البلاد , وما تنتجه من حالة إستقرار وتطور في كثير من المجالات والجوانب التي تلامس الإنسان التركي في أدق حاجاته , وتحيط الشعب التركي بسياج من الحماية المجتمعية , عبر توفير مستوى من المعيشة والرعاية الصحية والتعليمية , بعيداً عن الإستبداد والقمع والفقر والخوف, الذي كان يلازم الجمهورية التركية لسنوات طوال تحت حكم العسكر التركي , وهذا ما يفسر إنتفاضة الشعب التركي العارمة ضد المحاولة الإنقلابية ونجاحه في إخمادها .

من الحقائق أيضا والتي أصبحت واضحة وضوح الشمس بعد الحركة الإنقلابية الفاشلة , أن تركيا الديمقراطية في مرمى الإستهدافات الآثمة متعدد المصادر والتوجهات والتمويلات , الا أنها تلتقي في الهدف المشترك , الذي يتمثل في السعي لتدمير تركيا الحديثة وتفكيكها , ولعل من الأدوات التي ظهرت مؤخراً تلك التفجيرات الإنتحارية التي ضربت المدن التركية , وأوقعت العشرات من القتلى الأتراك , لضرب عوامل الإستقرار وإضعاف الدولة التركية وإسقاط هيبتها, من أجل تعطيل وإنهاء دورها المحوري في المنطقة , والذي برز بشكل واضح في العصر الأردوغاني , الذي ينطلق من رؤية شاملة للمنطقة وشعوبها , وفي طليعتها التأكيد على حق الشعوب المقدس, في تقرير مصيرها وإختيار حكامها , ومناداته بضرورة إعتماد الطرق الديمقراطية للوصول إلى الحكم وتداول السلطة , ومنها ينطلق الطيب أردوغان في معارضته الشديدة , لحركة الإنقلاب العسكري على النظم الديمقراطية الوليدة في المنطقة , أو إستخدام الدبابات والطائرات في مواجهة الحراك الجماهيري المطلبي الذي ينادي بالحريات والإنعتاق من النظم الديكتاتورية , وهذه السياسة التي رفع رايتها الزعيم التركي الطيب أردوغان , أوجدت له الخصوم والمعارضين في المنطقة العربية ممن يخشون على كراسيهم , خاصة في ظل تأثر المنطقة بموجات التغيير السياسي عبر ثورات الربيع العربي , التي نجح بعضها وتم الإنقضاض على البعض الأخر, فأنظمة الإستبداد ترى في الخطاب السياسي للزعيم التركي الطيب أردوغان خطراً على أنظمتها القمعية , فسعت تلك الأنظمة إلى التحريض والتشكيك عبر دوائرها الإعلامية بالديمقراطيات وخاصة النموذج التركي, وعملت مخابراتها على حبك الإشاعات حول تحركات وخطابات الطيب أردوغان لإفراغها من مضمونها , لتحطيم صورته لذا الإنسان العربي الذي يطمح بنموذج أردوغاني في بلاده , حيث الحرية السياسية والتنمية الإقتصادية والتطور العلمي والتكنولوجي والرعاية الصحية , أضف إلى ذلك ما يتمتع به من شخصية رئاسية شجاعة وفذة , ملتصقة بهموم الشعب وقريب منه , بل أن الوصول إلى شخص الرئيس ومخاطبته سهلاً وميسوراً , وجميعها متوفر في شخصية الرئيس التركي ويتناقلها الفضاء الإعلامي المفتوح إلى كافة الأصقاع .

لقد ظهرت شخصية الرئيس أردوغان القوية في مواجهته للمحاولة الإنقلابية الفاشلة , وتجلت بشكل واضح ثقته العالية في شعبه ورهانه عليه , ولم يخيب الشعب التركي رئيسه أبدا, فخرج مسرعا تلبية لندائه في مواجهة أدوات الإنقلاب في الشوارع والميادين , ونجح في حصارها وإفشال مسعاها الإنقلابي, ومن هذه الإستجابة الشعبية الفورية إستمد أردوغان مزيداً من القوة والإقدام حيث توجه إلى أسطنبول , من أجل الإلتحام بشعبه الذي يرابط في الشوارع لمواجهة الإنقلاب وإفشاله.

لقد أضفى التصدي الشعبي العارم للمحاولة الفاشلة للإنقلاب على الرئيس التركي , حالة من الإعجاب والإحترام الإنساني العام للتجربة الديمقراطية التركية , وأعطت درساً تاريخياً للشعوب على مر العصور والأزمان , بأهمية الدفاع عن الشرعية الإنتخابية , وعدم التفريط بنتائج الصناديق وخيار الشعب , تنفيذاً لرغبات من يقود ويوجه الدبابات في الشوارع والميادين , فالجيش وجنرالاته لا قدسية ولا حصانة لهم , إذا تحركت جنازير دباباتهم لتدوس على صوت الشعب وخياره الديمقراطي , والمكان الوحيد لأي جيش وطني وبه ينال التبجيل , هو حماية الحدود من العدوان الخارجي , ولا يحق له دستوريا أن يتدخل في شؤون السياسة الداخلية في البلاد.

ويتكامل الأداء الواعي والمسؤول للمعارضة التركية والرافض للإنقلاب , ليزداد المشهد العام في تركيا مزيداً من التألق , ويؤكد الشعب التركي بكافة مكوناته وأيدلوجياته ثبات مبادئ الديمقراطية وتجذرها في الحياة التركية , وأن الوطن التركي وسلامة نظامه ووحدة شعبه , أهم بكثير من نزوات وطموحات السياسيين بالوصول إلى كرسي الرئاسة أو مقاليد الحكم , وبذاك إنتصرت المعارضة التركية في معركة الأخلاق والمبادئ , لتنجو الأمة التركية مجتمعة بسفينة الوطن, وتضرب بقوة على يد العابثين الذين أرادوا خرقها , من أجل شهوة في نفوسهم أو تنفيذاً لأوامر أعداء الوطن التركي .

لقد منحنا الشعب التركي دروساً وعبر مستفادة , من خلال تصديه وإفشاله للمحاولة الإنقلابية ,وكأنه يقول لكافة الشعوب أن الحفاظ على الخيار الديمقراطي ونتائج الصندوق معركة جماعية, يشترك فيها الموالي والمعارض هدفها حماية الخيار جمعي للشعب , الذي إرتضى الإحتكام لصناديق الإقتراع ونتائجها , فهل نعي هذا الدرس ؟ ويسقط السياسيين من حساباتهم ثقافة الإنقلاب على نتائج الإنتخابات ! , لقد عانينا في فلسطين من التنصل لنتائج التجرية الإنتخابية , ووضعت العراقيل الأمنية والإدارية أمام التجربة الوليدة , وتم تحريض الخارج على مقاطعة ما أنتجته من حكومة منتخبة , قد منحها المجلس التشريعي ثقته بأغلبيه ساحقة, ولعل من الثمار المرة لذلك الإنقلاب على الإرادة الشعبية ما نعيشه اليوم من حالة الإنقسام البغيض الذي أضر بلا شك بقضيتنا الوطنية , نحن اليوم نعيش أوجه الحديث عن الإنتخابات الفلسطينية سواء برلمانية أو بلدية , هل نملك الشجاعة للإعتراف بنتائجها ؟ والدفاع عن إختيار الشعب مهما كانت صورته , لعل المأمول هو أن نبني معا تجربتنا الديمقراطية , وندافع عنها مجتمعين في مواجهة كل من يحاول الإنتقاص منها أو التقليل من قدرة شعبنا على إختيار ممثليه .