لم يكن فجر يوم الأحد الموافق 20/07 من صيف عام 2014م يومًا عاديًا في ذاكرة التاريخ؛ بل خلّدته أجندة الأيام بوصفه يومًا ملحميًا في تاريخ مقاومة الشعب الفلسطيني بعدما استطاعت مقاومته الباسلة ممثلة في كتائب القسام، الجناح المسلّح لحركة حماس، من قتل 14 جنديًا إسرائيليًا واعتقال الجندي "شاؤول آرون"، بعد عملية عسكرية نوعية ومحكمة.
بداية الملحمة كانت بعدما بدأت آليات ودبابات العدو الإسرائيلي بالتوغل شرق مدينة غزة، وتحديدًا في منطقة شرق حي التفاح، ظنًا منهم أنها الخاصرة الأضعف التي من خلالها يمكن أن يفاجئوا المقاومة ويربكوا حساباتها، لكنهم ما علموا أنهم يُستدرجون إلى فخ محكم أعده مقاتلو القسام لهم، ويساقون إلى حتفهم.
تفاصيل العملية
كتائب القسام، وبعد انقضاء المعركة، كشفت تفاصيل العملية النوعية، موضحة أن وحدة من مقاتليها استدرجت قوة خاصة من جيش الاحتلال في تمام الساعة الـ00:40 من فجر يوم 20/07/2014م، إلى حقل ألغام أعدته مسبقًا، وبدأت المواجهة بتفجير العبوات في الآليات العسكرية، ثم خرجت وحدة من مقاتلي النخبة القسامية من أحد الأنفاق صوب الآليات المدمّرة وأجهزت على 14 جندي إسرائيلي من "مسافة صفر"، وأسرت الجندي "شاؤول آرون".
في بادئ الأمر، رفض جيش الاحتلال الاعتراف بالعملية النوعية التي نفذها جنود القسام، لكنها أعلن في وقت لاحق أن 11 من جنوده قتلوا خلال مواجهة شرق حي التفاح، دون أن يشير بأي كلمة إلى فقده الاتصال بالجندي "شاؤول آرون".
إعلان الأسر
انتظرت كتائب القسام حتى الساعة الـ10:00 مساءً تقريبًا من نفس اليوم، قبل أن يخرج الناطق باسمها "أبو عبيدة" في شريط مصوّر ليزفّ البشرى ويفجّر المفاجأة قائلًا في خطابه الشهير "لكن الذي لم يعترف به العدو اليوم هو فقده لأحد جنوده في هذه العملية. فكيف له أن يخفى اختفاء الجندي شاؤول آرون، صاحب الرقم 6092065 ، إنّ هذا الجندي هو أسيرٌ لدى كتائب القسام".
وما أن نطق "أبو عبيدة" بهذه الكلمات حتى ضجّت شوارع غزة بأصوات التكبير وإطلاق النار في الهواء، وخرج الناس إلى الشوارع يوزعون الحلوى فرحًا بهذا الخبر الذي أثلج صدورهم وضمّد جزءًا من جراحهم، كما امتدت الفرحة إلى جميع محافظات الضفة الغربية المحتلّة، وخرج الأحرار في الوطن العربي الكبير يحتفلون بإنجاز المقاومة.
صدمة إسرائيلية
في المعسكر الإسرائيلي، نزل الخبر كالصاعقة على رؤوس الجميع هناك، فرفض سفير الاحتلال لدى الأمم المتحدة "رون فروشاور" الاعتراف بالأمر، زاعمًا أن الإعلان القسامي مجرد "شائعة"، بينما رفض الناطق باسم الجيش الإسرائيلي التعقيب على بيان القسام، واكتفت وسائل الإعلام الإسرائيلية –تحت مقص الرقيب العسكري- بنقل تصريح "أبو عبيدة" والإشارة إلى أن جيش الاحتلال "يفحص هذه المزاعم".
وخرجت كتائب القسام في تصريح قالت فيه "إن استطاعت قيادة العدو أن تكذب في أعداد القتلى والجرحى، فعليها أن تجيب جمهورها عن مصير هذا الجندي الآن"، في تحدّ واضح وصريح لقيادة جيش الاحتلال.
وفي يوم الثلاثاء 22 يوليو/تموز 2014، أي بعد مرور يومين على العملية القسامية، اعترف الناطق باسم جيش الاحتلال رسميًا بوجود جندي "مجهول المصير" بعد الاشتباك العنيف الذي دار مع مقاتلي كتائب القسام في شرق حي التفاح، زاعمًا أن الجندي "شاؤون آرون" قد قتل، وأن جثته قد اختفت.
المصير المجهول
وبعد مرور عامين على أسر الجندي "شاؤول آرون"، لم تفصح كتائب القسام عن أي معلومة تشير إلى مصير الجندي الإسرائيلي، سواء كان حيًا أم جثة هامدة، رغم إعلان رئيس وزراء الاحتلال "بنيامين نتنياهو" في أواخر شهر مارس الماضي عن وجود تحركات وجهود تتعلق بقضية الجنود الأسرى في قطاع غزة، دون أن يكشف أي تفاصيل أخرى.
ويبقى الأمل للأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، أن تنجح كتائب القسام في إعادة إنتاج صفقة "وفاء أحرار" جديدة، مماثلة لتلك التي حققتها عام 2011م والتي أسفرت عن الإفراج عن 1029 أسيرًا مقابل إفراجها عن الجندي الإسرائيلي "جلعاد شاليط" الذي أسرته لمدة خمس سنوات.