إلى وقت قريب كان الصراع بين النقابات العمالية ويمثلها اتحاد نقابات عمال فلسطين برئاسة شاهر سعد، والحكومة ووزارة العمل التي يمثلها الوزير مأمون أبو شهلا، كان يدور في الخفاء.
لكن التطورات المتلاحقة بدأت بعقد الاتحاد لمؤتمره السنوي في نابلس رغم أنف الوزارة وعضو مركزية فتح توفيق الطيراوي، وتجميد أموال الاتحاد لاحقا كرد على المؤتمر، ورفع الأخير قضية لمحكمة العدل العليا على الوزارة ضد قرار التجميد، وصولا إلى تحويل ملف اتحاد النقابات لمحكمة الفساد، وأخيرا وليس آخرا رفع النقابات قضية تشهير بحق وزير العمل.. كل تلك التحركات والتطورات جعلت الخلاف والحرب الدائرة بين الطرفين علنية، وعلى المنابر ووسائل الإعلام.
فبعد ثلاثة أشهر على عقد المؤتمر وإعادة انتخاب شاهر سعد أمينا عاما، وتجميد الوزارة بالتعاون مع سلطة النقد لأموال النقابات، اتخذ أبو شهلا خطوة قاتلة بإحالته ملف النقابات للنائب العام ولهيئة مكافحة الفساد للتحقيق في تجاوزات مالية، "لأن هناك مبالغ ضخمة تلقاها الاتحاد قبل أكثر من 20 سنة من اتحاد نقابات عمال إسرائيل "الهستدروت" ولم يعرف أحد عنها شيئا حتى الهيئة العامة للاتحاد"، كما صرح الوزير.
حاولنا لأيام التواصل مع شاهر سعد، غير أنه لم يتحدث إلى الإعلام إلا متأخرا، بعدما منح بعض الشخصيات فرصة لرأب الصدع مع الوزارة.
يقول لـ"فلسطين الآن" –عبر الهاتف- "إن تصريحات الوزير مغرضة ومنافية للحقيقة، لأنه وكما هو معروف للجميع بأن الموضوع المثار أمام المحاكم الفلسطينية هو شكوى مقدمة من الاتحاد العام للنقابات ضد وزارة العمل، بسبب تجميدها لحسابات الاتحاد البنكية ومعه العديد من النقابات الفاعلة، وليس محاكمة الاتحاد بالتهم التي عرضها الوزير "أبو شهلا".
وكشف سعد -الذي يقود النقابات منذ عقدين من الزمان تقريبا- أن النيابة العامة وهيئة مكافحة الفساد تفحصان للأوراق والمستندات الخاصة بالاتحاد منذ فترة طويلة، وكذا فعل ديوان الرقابة الإدارية والمالية في عام 2014م، وبالتالي ليس هناك أي جديد بخصوص إحالة الملف للهيئة والنيابة".
واعتبر سعد تصريحات الوزير "خروج عن كل ما هو قانوني ومألوف في التعامل الرشيد بين الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني والأهلي، وستؤسس للمس بقواعد التعامل الحكيم بين الأجسام النقابية والأهلية والحكومة، وستلحق ضرراً بالغاً بحيادية الحكومة، وإلقاء ظلال جديدة من الشك حول تدخلها في مسار عمل القضاء".
أحكام مستعجلة
"يعني ذلك بأن جهات الاختصاص القضائية ما زالت في طور عملية التدقيق ولم توجه للاتحاد أي تهم، يمكن لوزير العمل الاستناد عليها في اتهامه الإعلامي للاتحاد، وهذا يعني بأنه سلخ نفسه عن باقي الأجزاء السيادية المختصة واختط لنفسه خطأ جديداً في العمل قوامه إصدار الأحكام العرفية المستعجلة وتوجيه التهم بشكل عشوائي وعلى غير هدى".. بحسب أمين سر الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين حسين الفقهاء.
وشن الفقهاء –وهو من قيادات حركة فتح النقابية- هجوما على الوزير واصفا تصريحاته بأنها "مستهجنة ومدانة، لأنها تصدر عن مسؤول حكومي يعرف أو لا يعرف حدوده التي خولها له القانون الفلسطيني!!، التي تحظر عليه استباق المستوى القضائي في توجيه التهم وإصدار الأحكام، حتى لو كان لدية البينة والقرينة التي يرى بأنها دليله للحقيقة"، قائلا "لهذا فإننا ندين هذا التصرف غير المسئول، وسنلاحق الوزير المذكور قضائياً، حتى يكون عبرة لغيره ممن يستخفون بسمعة ومكانة الآخرين".
مقاضاة الوزير
وتابع الفقهاء حديثه قائلاً لـ"فلسطين الآن": "قرر الاتحاد العام ملاحقة وزير العمل قانونياً، وهذا قرار تم اتخاذه من قادة الاتحاد وأعضاء الأمانة العامة وممثلي فصائل م.ت.ف في الاتحاد، وسنمضي فيه إلى آخره، لأن وزير العمل ارتكب جرم (القدح والقذف والذم) بحق الاتحاد وبحق أمينه العام دون أن يكون له بذلك أي حق وأي صفة، ودون أن يمتلك القرينة أو البينة التي تثبت ادعاؤه، ويعد هذا التصرف مسعى استباقي متوتر استغل المناخ العام لتأليب الرأي العام على الاتحاد، باستخدام عناوين كاذبة ومضللة كأموال "الهستدروت" المحولة للاتحاد وغير ذلك من أكاذيب، وهذا مسعى مذموم لأنه يهدف إلى تشويه صورة الاتحاد وقادته".
في ضوء ذلك تابع "الفقهاء" حديثه قائلاً "ستتم مقاضاة وزير العمل أيضاً بسبب إصداره لقرار تجميد الحسابات البنكية الذي تسبب بتوقف العديد من البرامج والأنشطة ومشاريع التدريب والثقيف والتأهيل، وإلغاء بعض الدول المانحة لتعاونها مع الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، مثل الدنمرك والاتحاد الأوروبي، وهناك دول جمدت عملها مع الاتحاد، مثل النرويج والسويد، ما تسبب بفقدان عشرات الموظفين لوظائفهم المرتبطة بتلك المشاريع".
وأشار إلى أن "التصريح الاستباقي لوزير العمل يدل على النوايا المبيتة لديه لتدمير الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، وشطب نضاله من سفر الكفاح الوطني، وتشويه صورته على الصعيد الوطني والعربي والدولي، وهذا حلم بعيد المنال عنه وعن غيره ممن يشاطرونه المساعي التدميرية ذاتها، حيث أن اتحادنا يتمتع بقوه عمالية ونقابية واسعة النطاق على الأرض، وبالقدر نفسه له امتداد نقابي عربي ودولي، ليس أقلها تبوءه لموقع نائب رئيس الاتحاد الدولي لنقابات العمال في العالم (ITUC) وعضو المكتب التنفيذي لــ (ITUC)، ونائباً لرئيس اتحاد نقابات عمال جنوب شرق آسيا والباسفك، ونائباً لرئيس الاتحاد العربي للنقابات، ورئيساً للمكتب التنفيذي للاتحاد العربي للنقابات".
أموال "الهستدروت"
أما فيما يتعلق بأموال "الهستدروت" التي تحدث عنها وزير العمل، فالسلطات الإسرائيلية تقتطع تسعة أنواع من الخصومات على أجور العمال الفلسطينيين والعاملات، وهي (ضريبة الدخل، التأمين الصحي، الضمان الاجتماعي، التأمين الوطني، فروق المساواة، المواصلات، الصحة والسلامة المهنية، توفيرات نهاية الخدمة، بالإضافة إلى خصم التنظيم النقابي) وقدره )0.8%( من أجر العامل، وهو عبارة عن رسوم اشتراكات نقابية تجبى لصالح مؤسسة "الهستدروت" من جميع العمال الفلسطينيين القانونين العاملين في "إسرائيل"، يتم تحويله من وزارة المالية الإسرائيلية وفقاً للنظام والقانون الإسرائيلي لمؤسسة الهستدروت بصفتها التنظيم النقابي الأبرز في "إسرائيل".
وبعد تأسيس السلطة فتح اتحاد عمال فلسطين نقاشا مع "الهستدروت" بتكليف من الرئيس الراحل ياسر عرفات، من خلال جهات دولية وبعض أعضاء الكنيست العرب، بهدف معرفة مصير هذا الخصم بالتحديد ودون غيره من المقتطعات، وانتهت هذه النقاشات إلى نتيجة مفادها بأن يتم تحويل نصف المبلغ المقتطع أي (0.4%) لصالح الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، بصفته التنظيم النقابي الأبرز الذي يرعى مصالح العمال في فلسطين.
أما النصف الآخر فيبقى لدى "الهستدروت" مقابل توفير خدمات نقابية للعمال الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، حيث حددت اتفاقية استرداد نصف رسم التنظيم النقابي الأولى الموقعة بتاريخ 5 آذار 1995م وتم تجديدها بتاريخ 24 حزيران 2008م، طبيعة الخدمات المقدمة للعمال الفلسطينيين من "الهستدروت"، وذلك حسب ما جاء في المادة رقم (2/ب) وهي كما يلي: "يستعمل الهستدروت النصف المتبقي على أنشطة نقابية تخص العمال الفلسطينيين في إسرائيل ومنها الدفاع عن حقوقهم أمام المحاكم الإسرائيلية"، وهذا يعني متابعة قضايا العمال في المحاكم الإسرائيلية بكل ما يرافقها من رسوم أتعاب محامين وكفالات.
أين ذهبت تلك الأموال
ويعتبر عضو الأمانة العامة للاتحاد القانوني إبراهيم ذويب انتزاع نصف رسم التنظيم النقابي من "الهستدروت"، انجازا نقابيا ووطنيا غير مسبوق، ينطوي على ترسيخ الندية النقابية الفلسطينية أمام نظيرتها الإسرائيلية، التي كانت تنكر وجودها وتحرم وتحظر التعامل معها أو الاتصال بها.
ويقدم ذويب ردا على السؤال حول مصير تلك الأموال التي تقدر بالملايين من الشواكل. وهي: "متابعة قضايا العمال الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، وداخل حدود الوطن. وتحصيل حقوقهم ثم تحويلها جميعاً إلى حساباتهم الخاصة.. إضافة لدفع رواتب المتفرغين النقابيين العاملين في الاتحاد، وأعضاء الدائرة القانونية على مستوى فروع الاتحاد العام في كافة محافظات الوطن لمتابعة قضايا العمال الحقوقية".
وأضاف "تم شراء قطعة أرض مساحتها 300 دونم تقريباً في محافظة نابلس لبناء قرية عمالية عليها".. لكن المعلومات التي حصل عليها مراسل "فلسطين الآن" تؤكد أن هذا المشروع ما يزال هلاميا ويتم الحديث عنه منذ سنوات طويلة دون أي تحرك فعلي على الأرض.
كما صرف الاتحاد تلك الأموال في شراء مقرات جديدة له، منها مقراً مركزياً في مدينة رام الله، وشراء مقرات جديدة في مدن جنين وطوباس وطولكرم وقلقيلية وبيت لحم، وجميعها مسجلة باسم الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين. وكذلك تغطية رواتب أعضاء الهيئات القيادية المتفرغة في الاتحاد العام.. وهنا أيضا علم مراسل "فلسطين الآن" أن الأرقام التي تصرف للقيادات التي تعمل أو تلك المفرغة تفوق المنطق والمقبول، إذ تصل لنحو 10 آلاف شيكل شهريا لكل مسئول، وهو رقم كبير مقارنة بدورهم في الدفاع عن الطبقة الكادحة.
ويدعي ذويب أن الاتحاد حوّل نصف أموال -نصف رسم التنظيم النقابي- المستردة من "الهستدروت" منذ عام 1996م إلى عام 2000م لفرع الاتحاد العام في قطاع غزة، لتغطية مصاريف بناء الحركة النقابية هناك، كما قام الاتحاد بإغلاق ملفات ذمم مالية لموظفي الكتل النقابية بالكامل وصرف لأصحابها كامل مستحقاتهم المالية.