هل يستطيع مرور الوقتِ أن يمحُوَ آثار العدوان، أو يوقف شلالَ الدّموع المنهمر، أو أنين الذكريات الأليمة، أو يخفف عذابات المهجّرين المُبعدين، عن بيوتهم وقراهم، بفعل آلة الحرب الإسرائيلية الهمجيّة.
الأول من آب/أغسطس لعام 2014، صواريخُ الموتِ، وقذائف الهلاك، تتلقفها رؤوس الفلسطينيين العزل، شرق مدينة رفح جنوب قطاع غزة، الذين ذهبوا لتفقد بيوتهم مع سريان التهدئة الإنسانية.
تستمر حمم الموتِ، في تفتيت أجساد المعذبّين، وحرقها على مرأى ومسمع من العالم أجمع، الذي وقف يتفرجُ إما ساخرًا أو صامتًا أو متألمًا وما باليد من حيلة، صمتوا أمام 140 شهيدًا من الأطفال والنساء والشيوخ، إضافة إلى 200 مصاب، فرّوا من إعصار دوّى دون رحمةٍ.
قذائف مدفعية، وصواريخ الطائرات التي سادت سماءَ رفح، مستهدفة كل شيءٍ ينبضُ بالحياةِ، حتى الذين قدموا لانتشال الجثث وإخلاء المصابين، نالهم نصيبٌ من الحقدِ والكراهيةِ والغل الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين.
عامان مرّت كالبرقِ، على الفلسطينيين، ما زالت الذكرى تؤلمهم توجعهم، تذيب أجسادهم وعظامهم، ما زالت بيوتهم مهدّمة، وآثار الدّماء باقية، وآهات القلوب ما زالت تصدح في أزقّة رفح وشرقها وجنوبها وغربها وشمالها.
صرخاتُ الأطفال التي انطلقت من أفواههم، إبان هروبهم من الصاليات الإسرائيلية، كانت تلعنُ المتخاذلين قبل قاتلهم، والمنبطحين قبل مُهلكهم، والمتآمرين قبل الاحتلال، كانوا يستنجدون، يستغيثون، وصلت نداءاتهم كل الدنا، لكنها لم تلامس نخوة الشرفاء!
مر عامان، وما زالت رفح، صامدة، رغم حصارها وجوعِها، إلا أنها أشعبت العالم أجمع كرامةَ وعزة وشموخًا وكبرياء، لم تخنع ولم تخضع للاحتلال، رغم قلة الإمكانيات، نقلت جرحاها بطرقٍ عديدةٍ في ظل نقصِ الخدمات الطبية، ومطالبتها فيما بعد، بحاجتها لمستشفى، دون الاستجابة حتى اللحظة.
وها هي اليوم رفح، تفخرُ برجالِها الأبطال، الذين ضحوا من أجل الدّفاع عن تربها، وأرضها، فقدموا الغالي والنفيس قبل عامين، وصنعوا من عظامهم صروحًا للمجدِ، بذلوا أرواحهم، قدّموا أشلاءهم، ومن خلفهم آلاف مؤلفة باقية على العهد، متأهبة جاهزة لأن يقدموا المزيد، من أجل أن تبقى رافعة رأسها، أبية، شامخة، على مر الزّمان.