23.3°القدس
23.01°رام الله
22.66°الخليل
26.54°غزة
23.3° القدس
رام الله23.01°
الخليل22.66°
غزة26.54°
الإثنين 07 أكتوبر 2024
5جنيه إسترليني
5.38دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.19يورو
3.81دولار أمريكي
جنيه إسترليني5
دينار أردني5.38
جنيه مصري0.08
يورو4.19
دولار أمريكي3.81

لا تسامحوني

محمد رمضان الأغا
محمد رمضان الأغا
محمد رمضان الأغا

كتبت الطفلة تمارا أبو لبن من القدس على صفحتها "الفيسبوكية": "سامحوني"، خلال ساعات كانت تخضع للتحقيق أمام (شاباك) الصهيوني، وحبست ثم أفرج عنها بكفالة، إضافة إلى فرض الإقامة الجبرية عليها في بيتها مدة زمنية.

كان على الطفلة "تمارا" أن تكتب على الحائط "الفيسبوكي": "لا تسامحوني"، حتى لا يتابعها نشطاء (شاباك) الوهميون، المنتشرون في الفضاء الافتراضي، وذوو الأسماء العربية الأصيلة المنتحلة أو (المودرن) والصور العربية، من الذكور والإناث، والمتخصصون في نصب الشباك ثم اصطياد الأطفال كـ"تمارا" وغيرها، لمجرد الشك في كلمة أو كلمات؛ فقد تكون تمارا تلقت درسًا بمدرستها في التسامح، أو تكون خاصمت أهلها أو جيرانها أو أخواتها أو صاحباتها في الحارة أو في المدرسة أو صاحباتها الافتراضيات في العالم الأزرق فكتبت ذلك، لكنهم يخشون حرفًا من طفلة بريئة.

تؤكد التقارير الاستخبارية وتصريحات القادة السياسيين والعسكريين أن أحد أهم أسباب اشتعال انتفاضة القدس واستمرارها هو "الإعلام الجديد"، إلى درجة أن (شاباك) أنشأ أو طور وحدة مراقبة للناشطين الفلسطينيين من أجل معرفة توجهات ودواخل الشباب الفلسطينيين، خصوصًا أن عددًا من الشهداء كتبوا قبيل تنفيذ عملياتهم جملًا تدل على نيتهم، حسب زعم الصهاينة، يضاف إلى ذلك أن هناك تقديرات مختلفة تحدثت قبل سنوات عن دور الإعلام الجديد في إشعال واشتعال الثورات العربية، وهو الأمر الذي جعل استجابة الأجهزة الأمنية الصهيونية سريعة بعد اندلاع انتفاضة القدس منذ نحو عام، مع استمرار تطوير وتحسين هذه الوحدة للحصول على أفضل النتائج الممكنة.

كانت المعضلة الأكبر التي تواجه الاستخبارات الصهيونية في الانتفاضة هي "العمليات الفردية المتصاعدة"، التي لا يمكن اكتشافها قبل حدوثها، فلا يمكن لأي جهاز استخباري أن يدخل عقل كل فرد ليعرف فيم يفكر أو ماذا ينوي فعله بعد ساعات أو أيام. من هنا كانت فكرة مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي بطرق بشرية وتقنية متعددة، من أجل الوصول إلى معلومات قد تفيد في إحباط عملية هنا أو هناك، خصوصًا أن التنظيمات (...) تبدو بعيدة عن عمليات كهذه، ما أفقد العملاء دورهم المهم في توصيل المعلومات، ولم يعد لاختراق هذه التنظيمات بشريًّا من جدوى، فأصبحت هذه الأجهزة مصابة بالعمى المعلوماتي، وكما هو معروف إن المعلومات الواردة من العملاء هي روح العمل الأمني الصهيوني لدقتها وصدقها، فمهما بلغ التقدم التكنولوجي فهو لا يغني عن تلك المصادر.

تبع ذلك العديد من الحالات التي سجلت لاعتقال الأمن الصهيوني أفرادًا فلسطينيين بسبب كتاباتهم في وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصًا في الضفة الغربية والقدس، واستخدم في ذلك بعض الكلمات المفتاحية أو المصطلحات التي يبحث عنها صيادو (فيس بوك) الصهاينة وغيرهم، مثل: (الله أكبر، والشهادة، والجنة ... إلخ).

وكانت إحدى الخطوات التي اتخذها الصهاينة التواصل مع شركة (فيس بوك) وغيرها، وتهديدهم برفع قضايا عليهم أو حظر نشاطهم ضمن الحدود الجغرافية، بسبب ما يعتقدونه: أن بعضًا من أصحاب حسابات التواصل الاجتماعي يلعبون دورًا تحريضيًّا مهمًّا في رفع وتيرة انتفاضة القدس واستمرارها، وبلغ الأمر أن بعض هذه الشركات قد رضخت علنًا أو سرًّا للضغوط الصهيونية، وتعاونت مع الاحتلال في العديد من المجالات، منها توظيف خبراء صهاينة كانوا ذوي مناصب رفيعة سياسية أو أمنية أو ممن خدموا في الجيش سابقًا.

كل ما سبق كما يظهر كانت مهمته المراقبة وجمع المعلومات، وربطها وتحليلها وتركيزها، ومحاولة التنبؤ

بالمستقبل بناء عليها.

لكن في المدة الأخيرة قرر الجيش الصهيوني والأمن والاستخبارات إنشاء وحدة خاصة بالإعلام الجديد، مهمتها ليس فقط جمع المعلومات بل أيضًا نشر الأخبار (...) وإدارة النقاشات وتسريب الشائعات وصيد الشباب والإيقاع بهم وإغرائهم، وذلك بأسماء مختلفة ومتعددة، وبجنسيات من مختلف دول العالم، وبأسماء وهمية، لكن عربية، وأشخاص يجيدون العربية، وشركات، ومؤسسات، وغير ذلك، والهدف من ذلك كله تطوير منظومة الإعلام الجديد في محاولة لاختراق مجموعات شبابية عربية وفلسطينية، إضافة إلى أفراد مختلفي التوجهات ومختلفي أماكن الوجود والأعمار والجنس والتخصصات وغير ذلك، في وقت يشعر فيه بعض الشباب العرب بالضياع أو الفراغ نتيجة الأوضاع الراهنة؛ فيسهل أن يقعوا فرائس لهجمة كهذه تبدو ناعمة لكنها شرسة وقاتلة وتحتاج لمزيد من الوعي.

وقد خصصت الحكومة الصهيونية موازنات هامة وموارد مختلفة لإنجاز هذا المشروع، الذي رأى النور منذ مدة، وأصبح له دور في خدمة المشروع الصهيوني في بعدين إستراتيجيين: أولهما حماية الأمن الصهيوني وأمن الأفراد كونهما مرتكزين أساسيين، وثانيهما الاستجابة السريعة للتهديدات تكنولوجيًّا وإعلاميًّا، وهو الأمر الذي يتطلب تفكيرًا أكثر دقة وشمولية وعمقًا في الرد على هذه الهجمة بهجمة مضادة.