10.57°القدس
10.33°رام الله
9.42°الخليل
14.89°غزة
10.57° القدس
رام الله10.33°
الخليل9.42°
غزة14.89°
الثلاثاء 24 ديسمبر 2024
4.59جنيه إسترليني
5.17دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.81يورو
3.66دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.59
دينار أردني5.17
جنيه مصري0.07
يورو3.81
دولار أمريكي3.66

شيخ التجويد في فلسطين..

ملحس.. شيخوخة صالحة قضاها في عمل الخير

الشيخ محمد ملحس
الشيخ محمد ملحس
نابلس - مراسلنا

بعد عقود طويلة قضاها في خدمة القرآن الكريم، والعلم، فاضت روحه إلى بارئها، عن شيخوخة صالحة قضاها في عمل الخير، وتعلم وعلّم فيها فنون تجويد وترتيل القرآن الكريم، إنه الشيخ العالم الجليل "محمد سعيد ملحس" شيخ التجويد في فلسطين.

شيخ التجويد ومؤسس إذاعة القرآن

وأعلنت إذاعة القرآن الكريم وفاة الشيخ الجليل محمد سعيد ملحس (90 عاما)، ظهر الجمعة الماضية، وقالت إنه مؤسس الإذاعة التي تبث من نابلس منذ العام 1998، وعدّت وفاته خسارة لكل من تتلمذ على يديه وعلى كتبه.

وقال نجله نور الدين ملحس، إنه فخور بالتراث الذي خلفه والده للأجيال القادمة، كما أنه فخور عندما يلتقي بشاب ويبلغه أنه تتلمذ هو ووالده أيضا على يد والده الشيخ.

ويضيف أنه تعلم حب القرآن وعلوم التجويد والترتيل من والده منذ صغره، وكان يلمس مدى تمسك والده بنشر هذا العلم، رغم كبر سنه وهرمه.

أما جعفر الخياط مدير العلاقات العامة في إذاعة القرآن فيقول لمراسلنا، إن لشيخ التجويد في فلسطين فضلًا لا يتوقف عند حد إنشاء إذاعة القرآن التي تحظى بمتابعة في كل أنحاء فلسطين ودول الجوار، كما أنها تتابع عبر الانترنت من كافة أنحاء العالم.

العطاء الكبير

ونعى الشيخ أحمد شوباش مفتي محافظة نابلس، المرحومَ، ووصفه بأنه العالم الجليل بقراءة حفص ويستحق لقب شيخ فلسطين بعلم التجويد؛ كون عشرات آلاف المواطنين تتلمذوا على دروسه مباشرة، أو عبر من تتلمذ على يديه، وأصبح مدرسا للتجويد، وإن فضله سيبقى طالما تناقل المدرسون علمه وكتبه.

أما الشيخ أحمد شرف، المحاضر بكلية الشريعة في جامعة النجاح فيفتخر بأنه تتلمذ على يد الشيخ ملحس، مقدما كل معاني الشكر والتقدير لجهوده التي لم تتوقف إلا في الأسابيع الأخيرة خلال مرضه الشديد وعدم مقدرته على التحدث، مفنيًا كل حياته في خدمة علوم القرآن الكريم.

حياة الراحل

وقال الباحث سري سمور إن أسرة ملحس كانت قبل نكبة 1948 تتنقل ما بين مدينة حيفا الساحلية ومدينة نابلس بحكم عملها في التجارة، وفي حيفا (تحديدا في مدرسة السباعي) درس المرحلة الابتدائية، وبدأت تظهر عليه علامات النبوغ والذكاء، وما يزال يحتفظ بمصحف حصل عليه كهدية لتفوقه من تلك المدرسة.

وأضاف أنه خلال فترة النكبة تعرضت أسرة الشيخ محمد سعيد ملحس (أبو أسامة) للمصاب الجلل؛ فقد استشهد أحد إخوته، وخسرت الأسرة كثيرا من أموالها وممتلكاتها، وعادت للاستقرار في مدينة نابلس، فلم يكمل تعليمه المدرسي، ومع ذلك ظل جميل الخط، متين اللغة حتى وفاته.

وفي نابلس عمل الشيخ ملحس بأجر ضئيل في بقالة، وعرف عنه الأمانة والتدين والحياء، وتعلم العصامية، والاعتماد على الذات منذ نعومة أظفاره، وكانت البقالة ملاصقة للمسجد الصلاحي الكبير، فكان الشيخ لا يفوّت فرضا في المسجد، والتزم بحضور دروس التجويد في ذلك المسجد، كما روى سمور.

ولما عرف عنه من التزام وحياء وانضباط وجدية نادرة في شبابٍ في مثل سنه آنذاك، فقد قرَّبه أحد شيوخ نابلس الكبار (المعاني) إليه وخطب له شقيقة زوجته، وقد رضيت الفتاة وأهلها باقتراح الشيخ لما رأوا أن العريس العتيد يجمع ما بين حسن الخلق وجمال الخلقة.

وعدّ سمور أن التحول الكبير في علاقة الشيخ محمد بعلم التجويد كان إثر حدث غير متوقع؛ فالشيخ الراحل في حلقة الدرس في المسجد الصلاحي كان يدوّن كل صغيرة وكبيرة ويسأل كثيرا، وهو ما لم يعهد في ذلك الزمان وتلك الدروس، خاصة أنه التلميذ الأصغر، فبدأ شيخه يتضايق منه؛ لأنه يراه لا يلتزم بأصول الأخذ المألوفة.

ونقل سمور حادثة وقعت بين الشيخ ملحس وشيخه؛ حيث عارض الشيخ ملحس شيخه ومعلمه في المسجد في مسألة حكم تجويد آية بناء على قاعدة درّسها الشيخ للتلاميذ ومنهم محمد ملحس، فبين ملحس لشيخه أن الحكم لا ينطبق مع القاعدة، وهنا رفض شيخه التصحيح من التلميذ باستهزاء مع غضب شديد، ودون تثبت، فكان أن خرج الشيخ ملحس من مسجده ومن حيه، وذهب للصلاة في مسجد آخر ومشاعر الحزن الشديد تكتنفه جرّاء ذلك الموقف.

إمام مسجد

درّس الشيخ علم التجويد في المسجد الحنبلي بمدينة نابلس حيث عمل إماما، وكذلك ليلا في المعهد الديني الإسلامي في ذات المدينة بضع سنين، ثم توجه إلى باقة الغربية إحدى المدن العربية الفلسطينية داخل ما يعرف بـ(الخط الأخضر)؛ حيث خصص يوما في الأسبوع لتدريس أحكام التجويد في مكان أصبح لاحقا كلية علوم شرعية إسلامية قائمة بذاتها.

درّس الشيخ هناك ثلاثة أجيال على مدى عقدين (الجد-الابن-الحفيد)؛ لكن سياسة الإغلاقات والفصل بين المناطق التي انتهجتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي أجبرته على التوقف عن التدريس هناك.

استمر الشيخ في سعيه لخدمة دين الله والكتاب العزيز وفق تطور الزمن والعصر، فبعد قدوم السلطة الفلسطينية، واعتماده رسميا مديرا عاما لقراء شمال فلسطين من وكيل وزارة الأوقاف السابق، الشيخ يوسف جمعة سلامة، وصار بالإمكان تأسيس إذاعات بث محلية، أنشأ الشيخ بمجهود ذاتي، وبرفقة الشيخ محمد بانا، إذاعة القرآن الكريم في مدينة نابلس سنة 1998م.

وأعلن أول أمس، الجمعة، عن وفاة الشيخ الإمام محمد سعيد ملحس (90 عاما) في محافظة نابلس.