استفزت أرقام وكالات التصنيف الائتماني الدولية تركيا بعدما خفضت درجتها الائتمانية، وأطلقت العنان لكثير من الجدل بشأن مصداقية أداء هذه الوكالات ومدى تأثره بعوامل السياسة والاقتصاد، وتبعاته المتوقعة على أداء الاقتصاد التركي.
ووجهت الحكومة والرئاسة التركيتان على مدار أيام الأسبوع الجاري نقدا حادا لتوقعات الوكالات المالية الدولية عقب إفصاح وكالة "موديز" يوم الجمعة الماضي عن تخفيض تصنيف تركيا الائتماني من درجة "Baa3" إلى درجة "Ba1"، ولا سيما أن ذلك جاء بعد توقعات مماثلة قدمتها وكالتا التصنيف الائتماني الكبريان "فيتش" و"ستاندرد آند بورز".
ومن شأن تخفيض درجة الائتمان أن تزعزع ثقة المستثمرين الأجانب بأداء الاقتصاد التركي، فيما تسابق أنقرة الزمن لإثبات تعافيه من تبعات المحاولة الانقلابية الفاشلة في 15 يوليو/تموز الماضي.
ويأخذ بعض الخبراء الاقتصاديين على أداء الوكالات إعلانها درجات التقييم الائتماني لتركيا من دون الإفصاح عن المؤشرات التي تستند إليها في هذا التقييم، فيما يرى آخرون أن على الحكومة التركية أن تتعامل بجدية مع هذه القراءات، محذرين من مغبة غض الطرف عنها.
نتائج متعارضة
وقال الخبير الاقتصادي التركي أردال كاراغول إن "المشكلة تكمن في أن وكالات الائتمان تعلن نتائج متعارضة مع ما تتوصل إليه في قراءاتها الفعلية"، مستغربا تخفيض الدرجة الائتمانية للبلاد التي تواصل تحقيق نمو اقتصادي سنوي منذ 2009 والتي حققت نموا اقتصاديا بواقع 3.9% منذ بداية العام، وفق قوله.
وأوضح كاراغول للجزيرة نت أن تماسك أداء الاقتصاد التركي عقب محاولة الانقلاب الفاشلة عزز ثقة المستثمرين الأجانب باقتصاد تركيا، وحسن توقعاتهم تجاهه، "الأمر الذي يجعل التوقعات المنخفضة للتصنيف الائتماني غير واقعية وتحمل طابعا سياسيا"، حسب تأكيده.
وكانت هيئة الإحصاء التركية أعلنت أن اقتصاد البلاد حقق خلال الربع الثاني من العام الحالي نموا بنسبة 3.1%، وأن نسبة النمو بلغت خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري 4.8% مقابل 4% من النمو الذي حققته العام الماضي.
وتحول تخفيض التصنيف الائتماني لتركيا إلى مسألة قومية بعدما تجاوزت ردود الفعل عليها حدود المستويات الاقتصادية إلى صانعي القرار السياسي في البلاد، فقد انتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس وزرائه بن علي يلدرم توقعات الوكالات الائتمانية التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرات لها، ووصفاها بأنها في أغلبها ذات طابع سياسي.
إجحاف
وأرجع كاراغول حدة الجدل الذي أثارته إفصاحات الوكالات الدولية في الأوساط السياسية التركية إلى حجم "الإجحاف" الذي شعر به المسؤولون الأتراك من جهة، وضعف ردة الفعل التي أبدتها المستويات الاقتصادية في البلاد تجاه القضية من جانب آخر.
وكان وزير الاقتصاد نهاد زيبكجي أكد أن الاقتصاد التركي لا يعاني من أي مشاكل تحول دون مواصلته النمو، في حين رأى محمد شيمشك نائب رئيس الوزراء التركي أن التصنيف الائتماني لا يعكس حقيقة الاقتصاد ومتانته.
واحتل تخفيض التصنيف الائتماني مكانة بارزة في الصفحات الاقتصادية للصحف ووسائل الإعلام التركية، وذهب الكاتب في صحيفة حرييت محمد حقان إلى وصفه بأنه محاولة الانقلاب الثالثة بعد أحداث حديقة غيزي 2013 ومحاولة الانقلاب في 15 يوليو/تموز الماضي.
تداعيات
وبشأن التداعيات المحتملة لتوقعات الوكالات الدولية، قالت الباحثة في الشؤون الاقتصادية بمركز ستا التركي صالحة كايا إن تخفيض التصنيف الائتماني لتركيا سيؤثر على المدى القصير في المستثمرين والشركات الأجنبية العاملة بالبلاد، مرجحة ألا يمتد تأثيره إلى المدى المتوسط زمنيا.
وفي حديثها للجزيرة نت لفتت كايا النظر إلى أن اللوائح الداخلية المعمول بها لدى الكثير من الشركات الأجنبية العاملة في تركيا تنص على وقف الاستثمارات في أي بلد تصدر وكالتان ائتمانيتان أو أكثر تخفيضات لتصنيفه الائتماني.
وتوقعت أن يعزز استقرار الاقتصاد التركي وتماسكه عقب المحاولة الانقلابية نموه في الشهور القادمة، وأن يدفع شركات الائتمان إلى إعادة رفع درجة تصنيف تركيا بيئة حاضنة للاستثمارات الخارجية.
وأوضحت كايا أنه على الحكومة التركية أن "تصغي إلى الملاحظات التي تقدمها وكالات الائتمان، وأن تقوم بإصلاحات في بنية الاقتصاد وهيكليته من دون الركون إلى مجرد وصفها بالتصنيفات السياسية حتى وإن كان ذلك صحيحا".