ما تزال طوابير السكر -المنُضمة حديثا إلى سلسلة الطوابير بمصر- في تزايد، رغم تصريحات مسؤولين بانتهاء أزمة عدم توفر هذه السلعة الأساسية وارتفاع أسعارها في الأسواق.
وحسب محللين، فإن الأزمة تزداد عمقا لأسباب داخلية وخارجية، كما تزداد صعوبة السيطرة عليها وإيجاد حلول تخفف أثرها على المواطن والتاجر على حد سواء، بخلاف ما يعمل النظام على ترويجه من خلال وسائل إعلام داعمة له.
وأدى تضاعف سعر السكر عالميا إلى تفاقم الأزمة، كون مصر تنتج 2.3 مليون طن من السكر سنويا، في حين يستهلك سوقها المحلي ثلاثة ملايين طن تقريبا، وهو ما يدفع الدولة لاستيراد سبعمئة ألف طن سنويا لسد العجز.
وكشفت بيانات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) عن تسجيل سعر السكر في العقود المستقبلية بالبورصات العالمية زيادة بأكثر من 60% في عام.
وحسب الخبير في صناعات السكر عادل فهمي، فإن سماح الدولة باستيراد السكر للأفراد ورجال الأعمال ورفعها الجمارك عن السكر الخام العام الماضي، أدى إلى إغراق السوق بالسكر المستورد والأرخص من مثيله المحلي.
وأشار في حديثه للجزيرة نت إلى أن ذلك أدى إلى تكدس السكر المحلي في المخازن بكميات ضخمة، مما تسبب في أزمة كبيرة لدى شركات السكر، وخسارة مصنع تكرير السكر وحده مئة مليون جنيه (نحو عشرة ملايين دولار) إثر توقفه عشرة شهور كاملة.
وأوضح أن رخص السكر العالمي عن المحلي يرجع لاعتماد مصر على الري بالغمر وإصابة سلالة قصبها بالمرض منذ سنوات، مما تسبب في ضعف كمية السكر المستخرجة منه، بينما تعتمد الدول الكبرى المنتجة للقصب على الأمطار، وتستخدم ميكنة حديثة في الحصاد.
ولفت إلى أن ارتفاع سعر صرف الدولار بشكل كبير أمام الجنيه المصري جعل الأزمة مزدوجة (ارتفاع الأسعار عالميا وضعف الجنيه محليا)، وأدى هذا إلى عزوف المستوردين عن الاستيراد بينما لم تغط شركة السكر الحكومية النقص في الأسواق بدعوى حفاظها على المخزون الإستراتيجي من السكر.
سوء إدارة
بينما يرى الخبير الاقتصادي مصطفى عبد السلام أن "ما يحدث في سوق السلع الأساسية -ومنها السكر- يرجع في الأساس إلى سوء إدارة الملف الاقتصادي من قبل الحكومة، وسيطرة الاحتكارات على الأسواق، وضعف القطاع الخاص، إضافة إلى أزمة الدولار".
وأشار في حديثه للجزيرة نت عن أسباب أزمة السكر إلى "وجود حالات فساد صارخة جرت خلال فترة تولي خالد حنفي وزارة التموين، وفتحه الباب على مصراعيه أمام القطاعين الخاص والحكومي لاستيراد السكر من الخارج، خاصة العام الماضي، وهو ما أضر صناعة السكر المحلية".
ولفت كذلك إلى قيام القطاع الخاص مؤخرا بإعادة تصدير السكر لارتفاع سعره في الأسواق العالمية، كاشفا عن قيام أحد أكبر مصانع تكرير السكر بتصدير كامل إنتاجه بدلا من توجيهه للسوق المحلي.
ورأى الخبير الاقتصادي أن "ضرر أزمة السكر سيتجاوز تجار الجملة والتجزئة إلى صناعات مختلفة، خاصة تلك التي تستخدم السكر في عملية الإنتاج".
الأكثر تضررا
بدوره، يرى مدرس الاقتصاد بأكاديمية أوكلاند الأميركية مصطفى شاهين أن "أكثر المتضررين من هذه الأزمة هو المواطن المصري"، محملا النظام المسؤولية الأكبر عن تفاقم الأزمة "لعدم اهتمامه بالإنتاج المحلي واستسلامه لضغوط المستوردين".
ورأى في حديثه للجزيرة نت أن "الأثر المترتب على التجار جراء الأزمة يختلف باختلاف وضعهم؛ فالمستوردون مستفيدون بشدة، بينما تجار الجملة والتجزئة الوسطاء سيتضررون بشدة جراء حالة الركود الحاصلة بسبب ارتفاع الأسعار".
بينما يرى رئيس تحرير صحيفة "المشهد" مجدي شندي أن "ارتفاع سعر الدولار هو المسؤول الأول عن أزمة السكر، إضافة إلى زيادة سعره العالمي وعدم وجود رقابة كافية من وزارة التموين لمنع الاحتكار".
وقال للجزيرة نت إن "أزمة الدولار دفعت كبار المستوردين إلى إخفائه بمخازنهم لتعطيش السوق وتحقيق مكاسب أكبر عبر استغلال حاجة الناس"، محذرا من أن "نقص سلعة حيوية مثل السكر يترتب عليه انخفاض معدل الثقة في الحكومة، وزعزعة ثقة المواطن البسيط في تحسين ظروف حياته".