لَقِيتُ بِها شَـبابي بعدَ تِيْهٍ *** وَمَرَّ ولَسْتُ أدري كيفَ مَرَّا !!

غَـرِيبًا فَـوق أَرْصِـفةِ الأماني *** بِروحٍ بَعْثَرَتْها الرِّيْحُ... حَسْرَى

أُقاسِي وَحْدَتِي وَكُؤُوسَ حُزْنٍ *** تُعَبِّئُها ليالي الفَقْدِ جَمْرا

أنا وَطَنٌ مِنَ الأوْجاعِ.... عُمْرِي يُضَيِّعُنِي؛ لأنّي لستُ عُمْرَا وجودي قبلَ كوني، ليسَ قَبْلِي ولا بَعْدِي... ودَهْرِي ليسَ دَهْرَا

يَقُولُونَ: اسْتَفِقْ !! ويَرَوْنَ أنّي *** إذا زادُوا عليَّ ازْدَدْتُ سُكْرَا

فلا أنا قَدْ صَحَوْتُ، ولا فُؤادي *** تَسَلَّى عَنْكِ، أو هُوَ قَدْ تَسَرَّى

سأشْرَبُ لَوْ ملأْتِ الكأسَ سُمّاً *** ولو أَتْرَعْتِهِ صابًا ومُرَّا

جَرَرْتُ فؤادَ مَذْبوحٍ بَئِيْسٍ *** فَلَمَّا أنْ وَصَلْتُ إليكِ خَرَّا

وبي عَطَشُ السّنين فَكُلُّ عِرْقٍ *** أُقاســيهِ نَــزِيْفًا مُسـْتَمِرَّا

سألتُ عُيونَها إنْ كان حُزْنِي *** سَيُعْتِقُنِي !! فقالَتْ: أنتَ أدْرَى

أنا وَطَنٌ مِنَ الأوْجاعِ.... عُمْرِي *** يُضَيِّعُنِي؛ لأنّي لستُ عُمْرَا

وجودي قبلَ كوني، ليسَ قَبْلِي *** ولا بَعْدِي... ودَهْرِي ليسَ دَهْرَا

كأنّي لَمْ أجِئْ ... وكأنَّ شِعْرِي *** سِوايَ، وأنّني ما قُلْتُ شِعْرَا

وبِي سِرٌّ أُحاوِرُهُ دَفِيْنٌ *** ولا أدري إلامَ يَظَلُّ سِرَّا

أفِرُّ ! لِمَنْ ! وَمِمَّن؟! لسْتُ أدري *** وكيفَ... ولم أجِدْ عَنِّي مَفَرًّا !!

أنا سِجْنِي ... وسِجْنِي يَحْتَويني *** فكيفَ أصِيْرُ عَنِّي.. فِيَّ.. حُرَّا!

أحاوِلُ أنْ أكونَ أنا فأعْيَى *** وأطْعَنُنِي إذا ما كنتُ غَيْرَا

ولي نَفْسٌ وإنْ سَكَنَتْ ضُلُوعي *** فإنّ لها بِقَلْبِ الشُّهْبِ مَسْرَى

أنا مِنْ طِيْنَةٍ فيما تَراني *** وَمِنْ طَيْفٍ إذا أمْعَنْتَ فِكْرًا

تُصَافِحُنِي فتَعْرِفُنِي ... وَلَمَّا *** تُغادِرُني يَصِيْرُ العُرْفُ نُكْرَا

يَظَلُّ الماءُ إنْ لَمْ يَجْرِ نَزْرًا وحينَ يسيْلُ يَغْدُو الماءُ نَهْرَا فلا تَجْعَلْ مُناكَ مُقَيَّداتٍ ولا تَجْعَلْ فؤادَكَ مُسْتَقِرَّا إذا لَمْ تَجْنِ مِنْ دُنْياكَ إلاّ طُمُوحًا قاتِلاً فَكَفَاكَ فَخْرَا

لأنّي لَسْتُني ... أنداحُ بَحْرًا.. *** وبَحْرًا أرتَقِي ... وأَمُورُ بَحْرَا

رأيتُ النّاسَ: أتعَسُهُم صَحِيحٌ *** بلا هَدَفٍ يَغُذُّ إليهِ سَيْرَا

إذا ما عِشْتَ مِنْ غَيْرِ احْتِراقٍ *** فأوْلَى أنْ تَعِيْشَ العُمْرَ قَبْرَا

فَكُنْ يا أوْحَدَ الدُّنْيا غَرِيْبًا *** وَخَلِّدْ في رَحِيْلِكَ عَنْكَ ذِكْرَا

ولا تَرْكَنْ إلى الدّنيا فإنّي *** وَجَدْتُ شَرَابَها -لو ساغَ - مُرَّا

لَقَدْ كَفَرَ الّذينَ تَعَشَّقُوها *** وآمَنَ مَنْ يَرى الإيْمانَ كُفْرَا

يَظَلُّ الماءُ إنْ لَمْ يَجْرِ نَزْرًا *** وحينَ يسيْلُ يَغْدُو الماءُ نَهْرَا

فلا تَجْعَلْ مُناكَ مُقَيَّداتٍ *** ولا تَجْعَلْ فؤادَكَ مُسْتَقِرَّا

إذا لَمْ تَجْنِ مِنْ دُنْياكَ إلاّ *** طُمُوحًا قاتِلاً فَكَفَاكَ فَخْرَا