شارف المهندسان الشابان إسلام أبو زنط ونور جردانة على وضع اللمسات الأخيرة على عملهما في بناء مجسم ضخم يجسّد البلدة القديمة في مدينة نابلس، بحاراتها وأحيائها وأزقتها ومعالمها الحيوية والتراثية.
واستغرق العمل نحو سبعة أشهر، بمعدل يزيد على 1500 ساعة، حتى استطاعا الخروج بتصميم يسر الزائرين ويعرفهم على البلدة القديمة بأدق تفاصيلها، ويسهم في الترويج السياحي للمنطقة التي تضم في ثناياها كثيرا من المعالم التاريخية والأثرية.
المشروع يندرج ضمن برنامج "التطوير الحضري والموروث التراثي والثقافي"، ويجري تنفيذه في مركز تنمية موارد المجتمع في نابلس القديمة، بالاشتراك بين بلدتي نابلس ومدينة ليل الفرنسية بعد إعلان التوأمة بينهما.
أبو زنط وجردانة بدءا عملها بزيارات متعددة للبلدة القديمة وحاراتها وأزقتها، ودخلوا إلى كثير من المناطق الأثرية والأبنية القديمة للإطلاع على تفصيل بنائها، ثم عملا على رسم مخطط هندسي بقياسات متناسقة ودقيقة لكل معالمها، وتضمن الرسم الهندسي كافة مكونات البلدة، مستفيدين من خريطة مفصلة للبلدة القديمة تحوي كل المعلومات ذات الصلة.
يقول أبو زنط -الذي يحمل شهادة في "تصميم التراث"، من المملكة المغربية- "إنه جرى وفق تقسيم الحارات الست الموجودة داخل البلدة القديمة، وهي (الياسمينة، الغربي، القريون، العقبة، القيسارية، والحبلة).. بهدف تسهيل المهمة.. إذ تم تصميم مجسم كرتوني يحاكي الواقع تظهر به المعالم الرئيسية كالمساجد، والكنائس، والأزقة، وكافة المعالم الأثرية والتاريخية.. ومن ثم لصق الحصى على المجسم بطريقة فنية قمة في الدقة، حتى أنها تبدو للرائي وكأنها حقيقية، عبر إعادة تدوير المخلفات مثل الحصى، والرمل، والأخشاب، وثمار الشجر، وغيرها".
ويوضح في حديثه لمراسل "فلسطين الآن" -الذي زارهم في مكان تواجدهم- أن العمل دقيق للغاية، "إذ يجب أن تراعي الفن العمراني في البلدة القديمة التي شهدت عدة تحولات في مبانيها، وطرازها المعماري، منذ أن بنى الكنعانيون "شكيم" قبل 4 آلاف عام، مروراً بالرومان الذين هدموها، وأعادوا بناءها على النمط الروماني، وصولا للحكم الإسلامي للمدينة، الذين غيروا في معالمها، بما تتناسب مع تعاليم الإسلام".
وأشار إلى أن انهيار بعض المباني الأثرية في البلدة القديمة نتيجة عوامل عدة، منها الزلازل التي ضربت المدينة في القرن الماضي، أو نتيجة ما تعرضت له من قصف إسرائيلي خاصة إبان اجتياح الاحتلال للضفة الغربية في عملية "السور الواقي" عام 2002، كان حافزاً لهما لإعداد هذا المجسم كي يبقى شاهدا على آثار البلدة القديمة.
عمل فني دقيق
أما شريكته في العمل نورا جردانه -وهي خريجة كلية الفنون بجامعة النجاح بنابلس- فتشير إلى أن حارات نابلس تمتاز بأبنيتها، وأزقتها، وبقالاتها القديمة، ونمط العمارة، وتصميم الشوارع والبيوت التي تعود أعمارها إلى آلاف السنين.. وبها كثير من المعالم وأبرزها الصبانات "مكان صناعة الصابون النابلسي" والدواوين والحمامات التركية التي تعد أحد أهم معالم الحكم العثماني.
ولفتت إلى أن هناك مناطق لم يتم إظهارها، وهي البيوت المتكررة، لأن التركيز كان على المعالم التاريخية، في محاولة للوصول للحقيقة في البلدة القديمة؛ كي يدرك الأطفال ما يوجد في المجسم، فالمشروع "طفولي سياحي".
وسيلة إرشادية
ومن أجل ذلك، فالمرحلة المتبقية من المشروع تتضمن عمل منشورات تعريفية بكل المعالم، والمواقع التاريخية، والأثرية داخل البلدة القديمة، التي يشعر الزائر عند الدخول إليها كأنه في متحف مفتوح.
وفي الوقت ذاته، يؤكد المصممان أبو زنط وجردانة، أن الهدف الرئيس من وراء تصميم هذا المجسم، هو أن يكون وسيلة إرشادية وتعليمية للطلبة، وكذلك كدليل سياحي يسهل على السائحين والزوّار التعرف على نابلس وتاريخ بلدتها القديمة.
وبيّنا أن هناك عدة رؤى حول كيفية التعامل مع المجسم بعد الانتهاء من العمل به، ومن بينها أن يوضع في مكان عام بعد الاحتفاظ به في بيت زجاجي، حتى يتمكن جميع الناس وزوّار المدينة من رؤيته عن قرب، والتعرف على تاريخ المدينة وحارات بلدتها القديمة.
ويسعى القائمون على الفكرة لتعميمها على المدارس، والجامعات، إضافة لتنظيم عروضات للمجسم في مناطق مختلفة في الوطن وخارجه.
ونابلس هي إحدى أكبر المدن الفلسطينية سكانًا وأهمها موقعًا، كما تعتبر عاصمة فلسطين الاقتصادية، ومقر أكبر الجامعات الفلسطينية، إضافةً إلى كونها مركزاً لمحافظة نابلس التي تضم 56 قرية، ويُقدر عدد سكانها بقرابة 350 ألف نسمة.
ومشهود لنابلس أدوارها الريادية في المجالات الحياتية الفلسطينية. فقد كانت نابلس رائدة القرار الوطني والسياسي قبل عام 1948، وكانت رائدة النشاط السياسي إبان العهد الأردني. كما وتعتبر نابلس مدينة المفكرين والشعراء والأدباء، وهي كانت دائما في مقدمة النشاط الثقافي والفكري في البلاد.