27.79°القدس
27.55°رام الله
26.64°الخليل
26.98°غزة
27.79° القدس
رام الله27.55°
الخليل26.64°
غزة26.98°
الأحد 08 يونيو 2025
4.74جنيه إسترليني
4.94دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.99يورو
3.5دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.74
دينار أردني4.94
جنيه مصري0.07
يورو3.99
دولار أمريكي3.5

يعبد.. عاصمة الفحم النباتي تتجه نحو المجهول

يعبد.. عاصمة الفحم النباتي تتجه نحو المجهول
يعبد.. عاصمة الفحم النباتي تتجه نحو المجهول

لم يكن إقدام جيش الاحتلال على مصادرة المواد والمعدات المستخدمة في تصنيع الفحم النباتي في يعبد جنوب غرب جنين، الخميس الماضي، سوى خطوة جديدة نحو القضاء على هذه المهنة التي اشتهرت بها البلدة التي تعد "عاصمة الفحم في فلسطين"، تنفيذاً لمطالب المستوطنين ممن استوطنوا أراضي هذه البلدة المترامية وعدداً من القرى والتجمعات السكانية المحيطة بها.

واليوم الأربعاء، أعلن منسق أعمال حكومة الاحتلال الإسرائيلي "يواف مردخاي"، انتهاء ما أسماه "زمن المفاحم" في يعبد، بحجة تلويتها للبيئة، ما يعني أن الآلاف سيصبحون عاطلين عن العمل، أو ينتظرون دورهم في طوابير "التصاريح" للعمل في الداخل المحتل.

وقال مواطنون، إن جنود الاحتلال المتمركزين على حاجز "أم الريحان" العسكري، سلموا عدداً من المواطنين إخطارات بإخلاء منشآت تصنيع الفحم النباتي التي اصطلح على تسميتها بـ "المفاحم"، بعد مرور أقل من 48 ساعة من اقتحامها للمنطقة المقامة عليها تلك المنشآت ومصادرة جميع المعدات المستخدمة بالعمل فيها.

ومن وجهة نظر أصحاب "المفاحم"، فإن هذه الإخطارات جاءت تلبية للضغوط التي يمارسها المستوطنون على حكومة الاحتلال من أجل إزالة تلك المنشآت بذريعة تسببها بتلويث البيئة، وفي المقابل يغض فيه الاحتلال الطرف عن ممارسات المستوطنين التي تدمر البيئة من خلال المصانع القائمة في المستوطنات، ومياه الصرف الصحي التي تنساب منها إلى أراضي المزارعين، واقتلاع الأشجار.

وأصبح الشعور الذي يلازم العاملين في "المفاحم" والمنتشرة بالمئات على أطراف يعبد، أن هذه المهنة التي توارثوها عن آبائهم وأجدادهم منذ القدم، أصبحت مهددة بالانقراض، قبل نحو خمس سنوات، وتحديدا عندما بدأ جيش الاحتلال بتنفيذ قرار سلطة البيئة الإسرائيلية، والقاضي بمنع إدخال كميات الحطب اللازمة لتصنيع الفحم من داخل الخط الأخضر إلى محافظة جنين.

وأبلغ جيش الاحتلال حينها، أصحاب هذه المفاحم في يعبد التي تصنف على أنها "عاصمة الفحم النباتي في فلسطين"، وهو لقب اكتسبته بعد قرون طويلة من هذا العمل الذي تشتهر به، بقرار منع الشاحنات الإسرائيلية المحملة بكميات الحطب المجموعة من بيارات وحقول الحمضيات والسرو، من عبور معبر "الطيبة" العسكري قرب طولكرم، في طريقها إلى يعبد لتزويدهم بالحطب اللازم لصناعة الفحم النباتي.

وبحسب مصطفى أبو بكر، وهو صاحب أحد هذه "المفاحم"، فإن قرار جيش الاحتلال ذلك، لم يقتصر على منع الشاحنات من نقل الحطب عن طريق المعبر، وإنما امتد ليشمل ملاحقتها رغم سلوكها شوارع أخرى لتقطع مسافات أطول في محاولة منها لإيصال حمولتها إلى المكان المقصود، حيث تقوم آليات الاحتلال بملاحقتها ومصادرة حمولتها، وتحرير مخالفات بحق أصحابها.

وأكد أبو بكر، أن ذلك القرار، اتخذ بدون أية مقدمات، وشكل تهديدا جديا وخطيرا لقطاع صناعة الفحم النباتي والذي أصبح مهددا بالانقراض، بعد بدء جيش الاحتلال بتنفيذه، وسط معلومات تؤكد أن سلطة البيئة الإسرائيلية اتخذته في أعقاب تلقيها شكاوى من المستوطنين في المستوطنات المقامة على الأراضي المصادرة في منطقة يعبد، تطالب بإزالة "المفاحم"، بذريعة أنها تتسبب بتلويث البيئة.

إلا أن جميع العاملين في هذا القطاع، كما قال أبو بكر، يجمعون على نفي هذا الادعاء جملة وتفصيلا، ويؤكدون أن الطريقة التي يتبعونها في صناعة الفحم النباتي، لا تسبب أية أضرار تذكر للبيئة، مؤكدين أن لا أحد منهم يشتكي من أية أمراض، وأنهم جميعا يتمتعون بصحة ممتازة.

سلسلة مضايقات

ويعتقد العاملون في هذه المهنة بجزم، أن القرار الإسرائيلي الأخير، يشكل امتدادا لسلسلة المضايقات التي يتعرضون لها، منذ سنوات طويلة، من قبل سلطات الاحتلال، بدأت بإقامة جدار الفصل العنصري، والبوابات الحديدية على مقاطع الجدار، في وضع أصبح فيه هؤلاء يواجهون صعوبات كبيرة في استيراد الحطب، وتسويق الفحم داخل الخط الأخضر بعد تصنيعه، ومحاولات الاحتلال فرض ضريبة مرتفعة عليهم، عدا عن عمليات التفتيش والاقتحام التي تتعرض لها "المفاحم" من قبل قوات الاحتلال، انتهاء بما أقدمت عليه تلك القوات، الخميس الماضي، بمصادرة كميات كبيرة من الحطب والمواد والمعدات المستخدمة في إنتاج ونقل كميات الفحم بعد تصنيعها.

مصدر دخل

وتشكل "المفاحم" التي تنتشر بالمئات على امتداد الشارع الرئيس لبلدة يعبد، مصدر دخل رئيسياً ووحيداً لمئات العائلات التي تعتاش من هذا النوع من العمل الذي لا يقتصر العمل فيه على غير المتعلمين من المواطنين، وإنما يمتد ليشمل المئات من طلبة وخريجي الجامعات وحملة الشهادات العليا ممن عجزوا عن الحصول على فرص عمل سواء ضمن تخصصاتهم أو غيرها.

وقال أحد هؤلاء، إنه تخرج من جامعة القدس المفتوحة، قبل سنوات، ويحمل شهادة بكالوريوس في تخصص الخدمة الاجتماعية، وقرر الانخراط في العمل في قطاع صناعة الفحم النباتي، بعد أن عجز عن الحصول على فرصة عمل في أي من المؤسسات.

وأضاف، إنه يشعر بحالة من "العشق" لهذا النوع من العمل الذي ورثه عن آبائه وأجداده، ولا يفارق المكان الذي يعمل فيه على مدار الساعة، حتى عند ساعات النوم، وذلك بالرغم من كون هذه المهنة من أصعب المهن، وتضطر العامل فيها، لقضاء ساعات طويلة في العمل دون انقطاع.

وأكد، أن تهديدات الاحتلال بإزالة هذه "المفاحم" من على وجه الأرض، لن يمس فقط العاملين في صناعة الفحم النباتي وعائلاتهم، وإنما سيطال العديد من قطاعات الحياة، بما فيها المقاهي والمطاعم التي تعتمد على الفحم النباتي في كثير من أشكال عملها، عدا عن نتائج هذا القرار الكارثية بالنسبة لآلاف العمال ممن يجهلون العمل في أية مهنة أخرى باستثناء تصنيع الفحم النباتي.

وشرح هذا العامل الذي غطى اللون الأسود جميع معالمه، نظرا لطول ساعات عمله في تصنيع الفحم، طبيعة العمل في هذا المجال، فقال، إن صناعة الفحم النباتي تمر بثلاث مراحل؛ أولها تجميع كميات الحطب وتقطيعها لأحجام مختلفة، ومن ثم يتم نقلها إلى المفحمة، حيث يصار إلى ترتيبها بطريقة هندسية على شكل الهرم، يوضع عليه سلم من الحطب المقطع يستخدمه العاملون للتسلق إلى رأس الهرم.

وتابع، بعد ذلك، يتم وضع كمية من القش والتراب فوق الهرم، ومن ثم يلقي أحد العمال بداخله جمرة من نار لغرض الاشتعال، وبعدها يغلق فوهة الهرم بشكل محكم وتوضع فوقها كمية من التراب، في وضع يستمر لنحو 18 يوماً يستخرج العاملون بعد انتهائها الفحم النباتي.

وأكد، أن أصحاب منشآت تصنيع الفحم النباتي، يواجهون الكثير من الصعوبات أبرزها صعوبة تسويق الكميات التي ينتجونها في الأسواق الإسرائيلية التي تعتبر المستهلك الرئيس لهذه المنتجات، عدا عن ارتفاع رسوم عمليات النقل التي أصبحت تقتصر على الشاحنات الإسرائيلية، بعد إقامة الجدار، وما تتعرض له من عمليات اقتحام وتهديدات بإزالتها من على وجه الأرض.

ووفقا لما أكده أبو بكر، فإن تكلفة إحضار كميات الحطب اللازمة لعمل المفاحم، ارتفعت خلال السنوات الأخيرة بشكل خيالي، في وقت واجه فيه هذا النوع من الإنتاج، الكثير من الصعوبات على مدار عقود من الزمن، ولكن نجح الأهالي في التغلب عليها، حرصا منهم على الحفاظ على هذا النوع من الصناعة العريقة.

وقال، إنه عندما انخرط في هذا النوع من العمل، لم يكن يتجاوز من العمر 17 عاما، وأصبح عمره الآن نحو 43 عاما، ما يعني أنه أمضى أكثر من نصف حياته في هذه المهنة التي لا يعرف غيرها، شأنه في ذلك شأن مئات العاملين في صناعة الفحم النباتي.

ورأى أبو بكر، أن هناك ضرورة ملحة تحتم على السلطة الوطنية، التدخل لدى الجانب الإسرائيلي في سبيل إلغاء إخطارات وقف العمل في "المفاحم"، بما يمكن العاملين من البقاء في هذه المهنة التي تتوارثها أجيال البلدة، ولها أهمية كبرى في تطوير الاقتصاد الوطني، وتوفير فرص العمل لآلاف العمال.