على نحو مفاجئ، أعلن أمين سر إقليم حركة فتح بمحافظة نابلس جهاد رمضان استقالته من منصبه، بعد أيام قليلة على انتهاء مؤتمر حركة فتح السابع الذي انعقد في مدينة رام الله.
وحاول مراسل "فلسطين الآن" البحث في أسباب الاستقالة، التي قال عنها رمضان إنها خاصة وشخصية، لكن مصادر مطلعة كشفت لنا عن بعض تفاصيل ما جرى من "كولسات" واتفاقيات جرت تحت الطاولة خلال المؤتمر، أفضت إلى تقديم رمضان (الذي يعود أصله لبلدة "تل" غربي نابلس)، استقالته من منصبه.
في هذا الوقت، أكد غسان دغلس عضو أقليم فتح بنابلس والمرشح الأبرز لخلافة أمين السر المستقيل، أن جهاد رمضان الذي فاز في آخر انتخابات لفتح قبل عامين، كان قد أبدى رغبته بالاستقالة من منصبه قبل شهرين، لكن أعضاء الإقليم ضغطوا عليه لتأخير استقالته إلى ما بعد انتهاء المؤتمر السابع للحركة.
وأوضح أن الاستقالة تأتي بالتزامن مع انتهاء مدة ولاية الإقليم الذي انتخب قبل سنتين، مبينًا أن لجنة الإقليم ستجتمع قريبًا لاختيار خليفة له بهذا المنصب.
مروان البرغوثي!!
ورجحت المصادر أن أمرين لا ثالث لهما قد يقفان خلف استقالة رمضان، أولهما أن اتفاقا سرياً جرى خلال المؤتمر بين قيادات حركة فتح بمن فيهم الرجل المذكور، وبعلم رئيس السلطة محمود عباس على إعلان مروان البرغوثي الأسير في سجون الاحتلال منذ عام 2002، نائبا لقائد حركة فتح وهو محمود عباس، في أول اجتماع للجنة المركزية الجديدة المنتخبة..
وعلى هذا الأساس، تم دعم ترشيح البرغوثي بقوة خلال المؤتمر، ليحصل على 930 صوتا من أصل 970 صوتا أدلى بها المشاركون، وهي نسبة مرتفعة جدا..
لكن عباس فاجئ أعضاء المركزية الجدد الذين التقى بهم بمقر المقاطعة (أول أمس الاثنين)، أنه لا يستطيع تنفيذ الاتفاق بتعيين البرغوثي نائبا له في فتح، "لأن إسرائيل غاضبة جدا من فوز الرجل بأعلى الأصوات وهو في السجن، إذ أنه معتقل كونه "إرهابيا"، ومسئول عن قتل عشرات الإسرائيليين، وأن هذا الفوز يدلل على أن فتح ما تزال تدعم الإرهابيين".. وقد أوصلت له (لعباس)، هذه الرسالة الغاضبة، وتريد منه أن يثبت مجددا نبذه للعنف.. وأن لا يُقدم على خطوة تعيين البرغوثي نائبا له.
موقف نتنياهو
بالفعل، فقد كتبت صحيفة "معاريف" العبرية أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو علق على فوز الأسير مروان البرغوثي بأغلبية ساحقة في اللجنة المركزية لحركة فتح قائلاً: "الحديث يدور عن انتخاب قائد منظمة إرهابية دعم وقاد عمليات إرهابية أدت لمقتل عشرات الإسرائيليين الأبرياء".
وتابع نتنياهو: "البرغوثي حوكم على جرائمه في محكمة إسرائيلية، وحكم عليه بالسجن المؤيد خمس مرات، وانتخابه لمركزية فتح دليل على تزايد ثقافة الإرهاب والتطرف، وأعطت الدعم لإرهابي مدان، ولم تكتفي فتح بالتحريض في المدارس، ولا بتسمية شوارع على أسم منفذي عمليات، لا بل هي الآن تضعهم على القمة، حركة فتح تُبعد السلام".
وتابعت "معاريف": "يحتل البرغوثي الآن المرتبة الثانية من حيث الأهمية في حركة فتح، المقربون منه يأملون بأن تشكل الأهمية السياسية له أداة في يد السلطة الفلسطينية للضغط على "إسرائيل" من أجل إطلاق سراحه من السجون الإسرائيلية".
وأضافت "في السابق كانت محاولات عدة من أجل إطلاق سراح مروان البرغوثي، إحداها كانت ترشيحه لجائزة نوبل للسلام، ولكن من الواضح إنه في اليوم التالي لانتهاء حكم أبو مازن ستزداد الضغوطات علينا لإطلاق سراحه".
الطيراوي والزعارير
هذا الأمر لاقى ردود أفعال من عدد من قيادات فتح، لكن تلك الردود تفاوتت.. فقد أصدر توفيق الطيراوي، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح بيانا مكتوبا، قال فيه إن "مروان البرغوثي قائد وطني تختطفه حكومة الاحتلال، وليس زعيماً إرهابياً".
وتابع "نفتخر بمروان البرغوثي قائداً ومناضلاً عنيداً، وهو أمين ومؤتمن منا وفينا وعلينا، وإن تصريحات نتنياهو حول القائد مروان البرغوثي تعدّ تدخلاً سافراً في شئون حركة فتح التي رفعت شعاراً كبيراً في مؤتمرهاً حول القرار الوطني الفلسطيني المستقل، وإن الحركة لا تلتفت لتصريحات نتنياهو إلا من جانب الرفض والتحدّي".
وحول استحقاق نائب رئيس الحركة، أكد الطيراوي أن "القائد مروان البرغوثي يستحق هذا الموقع والمكان والمقام في اللجنة المركزية، لما له من تاريخ نضالي، ويشكل حالة نضالية متقدمة علينا الانحياز لها إيجابياً. وعلى اللجنة المركزية أن تنتصر له وللموقف الوطني الفتحاوي، في مواجهة موقف النقيض الاحتلالي الذي يحاول أن يصبغنا أمام شعبنا وحركتنا بصبغته ويجعلنا من بطانته، ولكننا نقف إلى جانب أهلنا وشعبنا ومناضلينا وحركتنا، ولا نقبل اشتراطات من أحد".
الموقف ذاته تبناه، القيادي في حركة فتح فهمي الزعارير. الذي قال إن "تعيين مروان البرغوثي نائبا لرئيس حركة فتح حق وليس منّة".
وأضاف الزعارير على صفحته عبر "فيس بوك "بين مهمين اخترت الأهم بكثير..حتى بان لي أن الثاني غير مهم وأن أي عضو في اللجنة المركزية يتنافس لهذا الموقع كمن يمتلك نسخة أخرى لمفتاح زنزانة مروان الذي لم تسقطه رغبة أو مؤامرة أدخلته السجن أو طوقت زنزانته".
وتابع قائلا: "كما أن أي عضو في اللجنة المركزية يتجاوز هذا، فإنه يعطينا الإشارة لتجاوزه شخصيا..مهما اعتلى... مروان يستحق أكثر من رفاهيتكم.. يكفي أن أبا عمار عرف قيمته فرفعه".
ضغط على الرئيس
وفي وقت بقيت هذه المواقف مجرد بيانات ورقية، خطى جهاد رمضان خطوة عملية بتقديم استقالته، رفضا لخضوع الرئيس للضغوطات الإسرائيلية.. إذ تلمح المصادر المطلعة إلى أن ما قام له رمضان، لم يكن أمرا عفويا، بل نزولا عند رغبة بعض أعضاء مركزية فتح، الذين يريدون إرسال رسالة للرئيس أنهم غير راضون عن تراجعه عن الاتفاق المسبق بشأن البرغوثي، وأن استقالة رمضان قد تكون البداية ويتبعه كثر من قيادات الحركة المؤثرة.
ثانيهما.. مرشح للثوري
لكن مصادر أخرى، استبعدت ذلك السيناريو كليا.. مرجحة أن الرجل ومعه نظيره في إقليم فتح برام الله موفق سحويل، على موعد مع التعيين في المجلس الثوري، ضمن الكوتة التي يتم تعينها بعد انتهاء المؤتمر.
وأوضحت أن رمضان أنهى مدته الرسمية في قيادة إقليم فتح بنابلس ومدتها سنتين، ولا يرغب بالعودة لمنصبه نظرا للظروف الصعبة التي يمر بها الإقليم والحركة والمدينة بل والمحافظة برمتها مؤخرا.. إذ أنه رجل بعيد عن المناكفات ولا يقوى على الصمود في وجه قيادات أخرى تعد "نارية"، بالنسبة إليه.
لذا فقد حصل الرجل على وعودات من 4 من أعضاء المركزية أن يكون اسمه من بين الأسماء التي ستُعين في المجلس الثوري (الثوري: 80 بالانتخاب + 25 بالتعيين).
ومن المعروف أن عضو المجلس الثوري يجب أن لا يشغل أي منصب حركي آخر، وبالتالي عليه الاستقالة من منصبه كأمين للسر في نابلس، وهو ما فعله جهاد رمضان كما هو مخطط له بالتمام والكمال.