وكأن قلبه كان يحدثه بما سيجري له، بـأنه سيغيب عن عائلته من جديد، لذا فقد أودع نطفة منه في مركز طبي، وجاء اليوم الذي تحولت فيه النطفة المجمدة إلى طفل في أحضان أمه.

هذه قصة الأسير سامر المحروم من جنين، الذي رزق بمولوده آدم، وهو في سجون الاحتلال الذي أعاد اعتقاله أسوة بالعشرات من محرري صفقة وفاء الأحرار.

في المستشفى عيونُ الأم على وليدِها "آدم"، لكن عقلَها وقلبَها معَ زوجِها سامر القابع في سَجنِ جلبوع منذُ عامين ونصف.

تقول فلسطين استيتي إنها ارتبطت بسامر قبل خمس سنوات، وخلالها قمنا بعملية زراعة في مركزِ رزان لعلاجِ العقمِ وأطفالِ الأنابيبِ بنابلس حتى ننجب أطفالا، ولا أعرف كيف فكّر أن يحتفظ بنطف إضافية مجمدة في المركز.

وتشير في حديثها لـ"فلسطين الآن" إلى أنها حملت بتوأم، لكنه أجهضت بعد أيام من إعادة قوات الاحتلال الإسرائيلي اعتقاله منتصفَ حزيران عامَ الفينِ واربعة عشر، وكانت حينها في شهرها الخامس.

تتابع -بعد أن وضعت أدم في حضنها- "لم نفكر باللجوء للنطف المجمدة، إلا بعد أن طال غياب زوجي.. كنا نتوقع أن يفرج عنه خلال وقت قصير، لكن الاحتلال على ما يبدو يربط قضية محرري الصفقة بحدوث تطورات على ملف الجنود المأسورين في غزة.

وبالفعل، لجأت الأسرة بالتنسيق مع نجلها الأسير إلى مركز رزان من جديد، الذي تكلف بعملية الزراعة والاهتمام بالأم والجنين، وصولا لمرحلة الولادة، دون أن يتقاضى أجرا على ذلك، كجزء من مسئوليته المجتمعية، ودعمه لقضية الأسرى الفلسطينيين وعائلاتهم.

ويعد المحروم الذي أمضى في اعتقاله الأول فترة ناهزت ربعَ قرن، من قيادات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وكان قد اعتقل عام 1986 عقب قتله والشهيد عمر النايف مستوطنا في مدينة القدس.

حفيدي المميز

أجواءُ الفرحِ بدَت جليةً على الأقاربِ الذين التقطُوا الصورَ للمولودِ الجديد، ووزعُوا الحلوى على الزوار.

وقالت والدة المحروم التي كانت الأكثر فرحا بالطفل القادم للعائلة إن "الله مّن عليها بحفيدها آدم الذي كان يعتبر حلمًا بالنسبة لها"، مشيرة في حديثها لـ"فلسطين الآن" إلى معاناتها الطويلة بين كافة السجون لنحو 30 عاما ومعاناتها بعد إعادة اعتقال نجلها.

وتابعت "لدي 25 حفيدا، لكن أدم له مكانة خاصة.. فأنا أشتم به رائحة أبوه، صحيح أن الفرحة منقوصة، لكن الأمل بالله أن يخرج سامر قريبا ويلتم شمل العائلة من جديد".

حالات كثيرة

عملية تهريب النطف وما يليها من فحص وحفظ للعينة ضمن شروط بالغة الدقة تراعي النواحي الشرعية والاجتماعية، أهمها وجود شهود بأن الحيوانات المنوية تعود للأب الأسير وستستقر في رحم زوجته.

القائمون على مركز رزان لا يتقاضون على ذلك أجرا، معتبرينه جزءا من دورهم في دعم صمود الأسرى وعوائلهم.

يذكر أن عديد أسرى تمكنوا من الإنجاب من خلال النطف المهربة من داخل السجون وهو ما فتح آفاقا جديدة للأسرى ذوي الأحكام المرتفعة لبناء أسر وهم داخل السجون.

ويطلقُ الفلسطينيونَ على أبناءِ الأسرى الذين ولدوا من خلالَ النطفِ المهربة، "سفراءَ الحرية".

ولا يكفُّ الأسرى عن تسجيلِ اسطورةٍ تلوَ الأخرى لقهرِ السجانِ وللتأكيدِ أن الفلسطينيَ لا يستسلمُ بسهولةٍ لممارساتِ الاحتلال.