يوافق اليوم الخامس والعشرين من يناير مرور أحد عشر عامًا على فوز حركة المقاومة الإسلامية حماس بالانتخابات التشريعية الفلسطينية التي أجريت عام 2006، عاشت خلالها الحركة تحديات صعبة ومعقّدة، ونجحت إلى حدّ بعيد في إدارة الأزمات التي تعرّضت لها والمواجهات التي أُجبرت على خوضها.
واكتسحت حركة حماس الانتخابات بفوزها بـ76 مقعدًا من أصل 132 معقدًا، في انتخابات شهدت مشاركة 77% ممن يحق لهم الانتخاب، ليُكلّف بعدها محمود عباس رئيس السلطة القيادي في حماس إسماعيل هنية بتشكيل الحكومة الفلسطينية العاشرة.
وشكّل هذا الفوز الكاسح لحماس مفاجأة سياسية كبيرة، كون الشعب الفلسطيني وضع ثقته المطلقة بالحركة لتقوده في هذه المرحلة الجديدة، عقب عشر سنوات من سيطرة حركة فتح وأحزاب منظمة التحرير الفلسطينية على المجلس التشريعي الفلسطيني الأوّل.
ورفض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية التسليم بنتائج الانتخابات وأعلنوا رفضهم التعامل مع حركة حماس وفرضوا الحصار عليها، بدعوى أنها "حركة إرهابية"، قبل صدور قرار مؤخرًا عن محكمة العدل الأوروبية في عام 2015م بإزالتها من قائمة "الإرهاب"، في حين ما زالت أمريكا تصنّفها "إرهابية".
كما رفضت حركة فتح التسليم بنتائج الانتخابات ومنح حركة حماس فرصتها في الحكم بعد العملية الديمقراطية التي أجمع العالم على نزاهتها، ولم تسهّل عملية الانتقال السلمي للسلطة؛ بل حرّضت عناصر أجهزتها الأمنية وموظفيها على عدم التسليم بالإدارة الجديدة، وبدأت مواجهات مسلّحة انتهت ببسط حماس سيطرتها على قطاع غزة منتصف عام 2007م.
تعزيز المقاومة
وعقب سيطرة حماس على غزة، تعزّزت قدرات فصائل المقاومة الفلسطينية بشكل ملحوظ.
ووفرت الحكومة الجديدة برئاسة إسماعيل هنية كافة الظروف والإمكانيات الملائمة للفصائل المسلحة لتطوير قدراتها العسكرية للتصدي لأي عدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
ومقارنة بما تفعله أجهزة الضفة من ملاحقة ومطاردة للمقاومين، وارتفاع مستوى التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي، برز دور الأجهزة الأمنية في قطاع غزة بدور مغاير تمامًا؛ إذ كانت حامية لظهر المقاومة ومساندة وحاضنة لعناصرها وقادتها وضربت بيد من حديد على ظاهرة العمالة والعملاء.
حصار وحروب
ومنذ الأيام الأولى لتشكيل الحكومة الفلسطينية العاشرة برئاسة إسماعيل هنية، التي رفضت حركة فتح المشاركة فيها، فرضت أمريكا وأوروبا حصارًا عليها وحجبت المساعدات وقيّدت التحويلات المالية لحسابها، كما فرضت حكومة الاحتلال الإسرائيلي حصارًا خانقًا على قطاع غزة برًا وبحرًا وجوًّا.
ولجأ أهالي القطاع إلى إيجاد طرق بديلة لتوفير المواد المعيشية والتموينية اللازمة للسكان، ما أدّى لانتشار ظاهرة الأنفاق مع مصر.
وبعد فشل الحصار في كسر إرادة حماس وترويضها باتجاه عملية التسوية السلمية وتضييع القضية الفلسطينية، لجأت "إسرائيل" لشن ثلاثة حروب إسرائيلية مدمّرة على قطاع غزة في أعوام 2008، و2012، و2014، أسفرت عن استشهاد أكثر من 3 آلاف فلسطيني وإصابة الآلاف، بالإضافة إلى تدمير عشرات آلاف الوحدات السكانية، وكان الهدف المعلن دائمًا في كل عدوان إسرائيلي هو إسقاط حكم حماس في غزة.
أسر جنود
ونجحت حركة حماس من خلال جناحها العسكري كتائب القسام في أسر عددٍ من الجنود الإسرائيليين، أبرزهم الجندي جلعاد شاليط الذي أسر عام 2006 وأفرج عنه عام 2011 في صفقة "وفاء الأحرار" التي أفرج بموجبها عن 1027 أسير فلسطيني مقابل الإفراج عن الجندي الإسرائيلي.
وفي العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014م، أعلنت كتائب القسام عن أسر الجندي الإسرائيلي "شاؤول آرون" في مواجهات شرق حي التفاح، كما أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي عن فقده الاتصال بالضابط "هدار جولدن" عقب اشتباك مع عناصر من كتائب القسام شرق رفح جنوب القطاع.
وفي عام 2016م، ظهر الناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة في مقطع فيديو قصير وبجواره صورة لأربعة جنود إسرائيليين أسرى.
حكومة التوافق
وفي إبريل 2014م توصلّت حركتا حماس وفتح إلى اتفاق مصالحة سُمي بـ"اتفاق الشاطئ"، شُكّلت على إثره في يونيو 2014م حكومة "التوافق الوطني" برئاسة رامي الحمد الله، والتي أدلت بقسمها الدستوري أمام رئيس السلطة محمود عباس، وكانت مهمّتها تولي الحكم في قطاع غزة والضفة الغربية.
لكن حكومة الحمد الله رفضت دمج موظفي الحكومة السابقة التي كان يرأسها إسماعيل هنية في سلّم الموظفين العموميين لديها، وتنكّرت لحقوقهم الوظيفية، ما أدى لاحتدام الصدام وعودته مجدّدًا، وتجاهل حكومة "التوافق" لمسؤولياتها تجاه القطاع المحاصر؛ بل المساهمة في مضاعفة أزماته، وخصوصًا أزمة الكهرباء، من خلال فرض ضريبة البلو على الوقود اللازم لتشغيل محطة توليد الكهرباء الوحيدة بغزة، والتي ترفع ثمن سعر الوقود لثلاثة أضعاف.
واليوم وبعد مرور أحد عشر عامًا على انتخاب حركة حماس، وبرغم ما تعرّضت له الحركة من حصار وتضييق ومؤامرات، ما تزال الحركة تتصدر استطلاعات الرأي حال مشاركتها في أي انتخابات المحلية أو التشريعية.