في الجزء الخامس والأخير من حواره مع "التلفزيون العربي"، حرص الدكتور محمد البرادعي، نائب رئيس الجمهورية الأسبق، على توجيه رسالة تحذير مشددة للأنظمة الحاكمة في العالم العربي، مفادها أن "الثورات العنيفة" قادمة لو استمرت عمليات إجهاض التغيير السلمي والإصلاح بالقوة والقهر.
البرادعي لم يكتفِ بهذا، لكنه دعا الشباب للاستعداد لهذه المرحلة، قائلاً إن "إسقاط النظام ليس كافياً، وعليكم تنظيم أنفسكم سياسياً"، وأن يختاروا قيادة حتى يحكموا ويحققوا أهداف الثورة التي قال إنها "لم تتحقق"؛ لأن "رغيف العيش مرتبط بالحرية ولا يمكن فصلهما عن بعضهما".
ووجّه الدكتور البرادعي رسالة للحكام العرب قائلاً: "من يجعل الثورة السلمية مستحيلة فهو يفتح الطريق للثورة العنيفة، الثورة السلمية تأتي إذا لم يكن هناك إصلاح، وإذا لم تفتح الطريق للثورة السلمية فسيعقبها ثورة عنيفة".
وقال البرادعي، في حواره الخامس والأخير، مع برنامج "وفي رواية أخرى"، على "التلفزيون العربي"، مساء السبت 4 فبراير/شباط، إن "الثورة لم تفشل، وعادة ما تأخذ الثورات وقتاً طويلاً لتحقيق أهدافها"، مشيراً إلى أن "الثورة الفرنسية جاء بعدها عصر القمع، ثم رجع الملك مرة أخرى، ثم جاء نابليون وابن أخته، وفي النهاية استقرت الأمور، لذلك فإنه بعد الثورات لا عودة للوراء".
استعدوا يا شباب
ودعا نائب رئيس الجمهورية الأسبق الشبابَ لإعادة تنظيم صفوفهم وإنشاء "تنظيم سياسي قوي" يعبر عن أفكارهم، يكون له برنامج ويختارون لهم قيادة، تحسباً لذلك، قائلاً: "خطأنا الجوهري هو أننا لم نستعد للحكم بعد الثورة".
لكنه دعا مع هذا إلى "مصالحة وطنية شاملة"، وقال: "يجب أن تجد القوى الإسلامية والمدنية والعسكرية وسيلة للتعايش"، مؤكداً أن "أكثر ما يزعجني هو حالة الاستقطاب في مجتمعنا"، واتهم "المختلفين حول مفاهيم الإسلامية والعلمانية والليبرالية" بأنهم "لا يعرفون معانيها".
وشدد على أن الحال في مصر الآن هو أننا "لسنا في الوضع الذي كنا نحلم به ونتمناه، وهذا نتيجة الحكم غير الرشيد خلال الفترة الماضية"، مشيراً إلى أن "مصر الآن قائمة على الخوف وليس الحُلم، فالثورة بدأت بحُلم، واليوم الشعب يعيش على الخوف من عدم توافر الغذاء، والدواء، مطالباً بـ"وقفة" كي "يراجع الجميع أين نقف الآن؟".
هذا حالنا بسبب فشل الثورة
البرادعي الذي حرص على التأكيد بأن الثورة فشلت بسبب القمع والخلافات بين قوى الثورة والشباب، سعي لرصد وتوصيف حال الأمة العربية والإسلامية بسبب استمرار هذه الأوضاع وسيطرة الأنظمة القديمة والدولة العميقة واستمرار القمع والفساد وغياب الحريات.
وشرح قائلاً إنه "لا توجد دولة عربية ضمن أكثر 25 دولة تصديراً للتكنولوجيا، وما يحدث بالمنطقة تكرار للحروب الدينية الأوروبية بالقرن السابع، والقضايا العربية في الأمم المتحدة مهمشة لأننا لا نملك القوة".
وأشار إلى أن "العالم العربي يعاني من غياب المعرفة والحرية والمساواة، فأجدادنا في العصر الذهبي للإسلام كانوا منارة العالم، وبإمكاننا أن نعود مثلهم".
وأكد "لم نقم بإصلاح ديني وهمّشنا تاريخياً دور العقل في مذاهب المعتزلة والأشعرية".
ودعا البرادعي إلى "مؤتمر إقليمي لحل مشاكلنا مثل مؤتمر (ويستفاليا) التاريخي".
هل يعود البرادعي؟
وألمح البرادعي ضمناً إلى دور جديد له بعد عودته للحديث وتخليه عن دور "تويترمان"، قائلاً: "من الممكن أن أعود إلى مصر إذا تغيّر مُناخ الاستقطاب والعنف، ولن أتأخر عن أي دور لمساعدة بلدي خارج إطار العمل الوظيفي".
بيد أنه عاد ليثير الجدل مرة أخرى حول طبيعة دوره قائلاً: "لن أرشح نفسي لأي منصب رسمي تحت أي ظرف"، مؤكداً أن دوره خلال الفترة المقبلة سيكون قاصراً على النصح كرجل لديه تجربة سابقة.
وشرح فكرته قائلاً إن "هناك مسؤولية فردية، وعلى كل شخص أن يسعى للمشاركة في إدارة الدولة".
وأضاف: "أنا ممكن أرجع مصر بكره، بلدي وستظل بلدي، لكن أنا طلعت من مصر ليه؟ لأني وجدت جواً قائماً على الاستقطاب، كنت أسبح فيه ضد التيار، مكنتش أقدر أعيش فيه، هل الجو تغير لدرجة ضميري هيكون مستريح أعيش فيه؟ هنشوف".
وذكّر البرادعي من يستمعون له بأن "الثورة بعد 6 أعوام لم تحقق أهدافها"، مضيفاً: "الثورة لم تحكم ولا أهدافها تحققت، حتى لما قلنا مش مهم نحكم ونسيب المجلس العسكري يحكم ويبدأ تحقيق أهداف الثورة لم يحدث، ولا مع الرئيس مرسي اتحققت الأهداف".
وأضاف في حواره: "مازلنا في مرحلة استقطاب، ومازلنا نشهد غياب الحرية عندما نجد الشباب في السجون نتيجة قوانين قمعية، وأشخاص أعرفهم شخصياً يختفون قسرياً".
خطر صبغ الصراعات الإقليمية بالدين
وحذر الدكتور البرادعي من إعطاء خلافات النفوذ الإقليمية الحالية في اليمن وسوريا وليبيا وغيرها، صبغة دينية، مشيراً إلى أن الثورة السورية تم اختطافها من قوى إقليمية وعالمية.
وتابع: "اليوم الجميع خاسر في ليبيا وسوريا واليمن"، وشدد على أن "من أسباب التطرف التعامل المهين كما حدث في فلسطين وأفغانستان".
وفي الحلقة الأولى له مع التلفزيون العربي هاجم البرادعي النخبة المصرية ورفض تولي العسكر الإدارة المدنية، وتزامن حواره مع تسريب المذيع المقرّب من السلطة أحمد موسى مكالمات هاتفية له يتهم فيها ثوار يناير وسياسيين بأنهم "زبالة".
وفي الحلقة الثانية روى البرادعي كواليس عمله بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتعامله مع الملف العراقي والإيراني والليبي، وسرد شهادته حول لقاءات متعددة بزعماء العالم في تلك الفترة.
وفي الحلقة الثالثة تحدث عن دوره في ثورة يناير وأكد أنه "لم يكن لديّ برنامج للتغيير ودوري كان كرسي في الكلوب"، وأصبحنا "لايصين كومبليتلي يا علي".. وعقّب على إذاعة أحمد موسى مكالماته الهاتفية قائلاً: "الواد بليه سجّل مكالماتي الخاصة بعلم الدولة".
وفي الحلقة الرابعة تحدث عن خداعه في 3 يوليو/حزيران 2013، مؤكداً عدم علمه باحتجاز الرئيس السابق مرسي من قبل الجيش، ولا فضّ رابعة وروى قصة مقترح إرسال مرسي إلى دولة أخرى خارج مصر، وإجهاض "مؤسسة" لم يذكرها للمفاوضات مع الإخوان.
وكان البرادعي، الحائز على جائزة نوبل للسلام، قد استقال من منصبه كنائب للرئيس للعلاقات الدولية يوم 14 أغسطس/آب 2013 عقب فضّ قوات الأمن اعتصامي رابعة والنهضة لأنصار الرئيس الأسبق محمد مرسي، ما أثار حملة هجوم عليه من أطراف سياسية متباينة.