12.23°القدس
11.99°رام الله
11.08°الخليل
15.26°غزة
12.23° القدس
رام الله11.99°
الخليل11.08°
غزة15.26°
الخميس 26 ديسمبر 2024
4.58جنيه إسترليني
5.15دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.81يورو
3.65دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.58
دينار أردني5.15
جنيه مصري0.07
يورو3.81
دولار أمريكي3.65

حول مقتل أبنائها..

عائلة حلاوة بنابلس ترفض تقرير لجنة التحقيق البرلمانية

عائلة
عائلة
نابلس - مراسلنا

رفضت عائلتا "حلاوة" و"الأغبر" ما جاء في التقرير النهائي للجنة تقصي الحقائق البرلمانية، في الأحداث المؤسفة التي وقعت في البلدة القديمة في نابلس في الفترة ما بين 18و26 آب 2016، وأسفرت عن مقتل خمسة مواطنين، من بينهم رجلا أمن.

وتشكلت اللجنة من النواب: محمد اللحام، وجمال أبو الرب، وجمال حويل، ومهيب عواد، ورضوان الأخرس.

وفي حديث خاص لـ"فلسطين الآن" مع المحامي محمد حلاوة، بصفته ممثل العائلة والمتابع للملف القضائي الخاص بالأحداث، أكد أن ما تبين من تقرير وتوصيات لجنة تقصي الحقائق -التي تضم عددا من نواب المجلس التشريعي- هدفه فقط إعطاء مبررات لعمل "عصاباتي" قام به ما يسمى بـ"رجال الأمن" بقتل الشابين خالد الأغبر وفارس حلاوة، وكذلك مقتل أحمد حلاوة "أبو العز".

وتابع "بعد ما يزيد عن ستة أشهر، تخرج علينا لجنة برلمانية بموقف مائع، وغير محايد، لتقول وتصرح أنه "بالنسبة للشابين خالد وفارس، فرواية "الأمن" تقول إنهما مشتبه بهما في الأحداث، وأن رواية الأهالي لم تتضح.. بل "لم تثبت"، ويعقب على ذلك بقوله "أي أن اللجنة تعطي الضوء الأخضر لقتل أي مواطن يتم اعتقاله، إذا أراد "الأمن" ذلك، وهذه هي "شريعة الغاب".

وكانت الروايات، قد أجمعت على أن عناصر أجهزة السلطة، وتحديدا القوة 101 الخاصة التي تتبع جهاز الأمن الوطني، قد أعدمت الشابين، بعد ساعة على اعتقالهما، فجر يوم الجمعة 19-8-2016، أي بعد ساعات قليلة فقط على مقتل الضابطين، شبلي إبراهيم بني شمسة (27 عاما) من جهاز الشرطة، ومحمود محمد ذيب الطرايرة (26 عاما) من مرتبات الأمن الوطني.

مقتل أبو العز

وفيما يخص أبو العز، يشير المحامي حلاوة إلى أن اللجنة تطالب بفتح تحقيق بخصوص هذا الموضوع، وهنا أتساءل "عن أي تحقيق تتحدثون!!؛ لقد كان لزاما على اللجنة أن تطلب باعتقال من تورط وأمر ونفذ، ولم يوفر الحماية لمعتقل داخل أماكن يفترض الحفاظ على حياة المواطن الأعزل.. لا أن يُعتدى عليه بوحشية وهمجية دون أدنى حد للإنسانية، ودون أي حساب أو عقاب".

وبخصوص توصية لجنة التحقيق بـ"ملاحقة المجرمين ممن تسببوا بقتل عناصر الأمن"، فالمحامي حلاوة يؤكد أن "الجميع على علم أن أجهزة الأمن والنيابة وكل جهات الاختصاص لم تقصر، ولم تتوانَ باعتقال أي مشتبه به من قريب أو من بعيد، أو حتى من قدم زجاجة ماء أو مر من أمام منزل عائلات المتهمين، ليصل عدد المعتقلين لنحو 300 شخص، ولا يكاد منزل داخل حارات البلدة القديمة إلا وقد اعتقل أحد أبنائه، الذين يتعرضون لوحشية وتعذيب بكافة الصور داخل مقرات الأمن، دون أي صون للحقوق".

وأوضح أنه "كان حريا على اللجنة تحريك الساكن بخصوص الشهداء الثلاثة حلاوة والأغبر، كما سعت قدما تجاه الشهيدين شبلي بني شمسة ومحمود الطرايرة، فأرواح الناس سواء"، واستدرك "أما بخصوص اللجنة الحكومية المشكلة من وزير العدل وسعادة النائب العام المدني والعسكري التي لم تخرج علينا حتى اليوم بأية نتائج رغم مرور 200 يوم على الأحداث، فإن اللجنة قد اغفلت واهملت عملها دون أي اجراء يذكر، ما يستدعي حلها أو اتخاذ إجراء من شأنه إيصال الحقوق لأصحابها".

ملاحقة المجرمين!!

وكانت اللجنة قد نشرت بيانا يلخص توصياتها، وأبرزها الطلب من النيابة العامة المختصة ملاحقة المجرمين والمتسببين، وكل من له علاقة بمقتل رجال الأمن وتقديمهم للعدالة، وفتح تحقيق جنائي بمقتل أحمد أبو العز حلاوة، وتقديم الفاعلين للمحاكمة، وإحالة المسؤولين عن الفشل في حماية المعتقل إلى مجالس تأديبية.

وأوضحت اللجنة في تقريرها أنه ومن خلال دراسة ما جرى، فقد تبيّن أن "قتل أحمد أبو العز حلاوة فجر 23-8-2016 على أيدي أفراد من قوات الأمن بالضرب المبرح مخالفة واضحة للقانون تستدعي تقديم الفاعلين للمحاكمة". مشيرة إلى "عدم وجود سياسة رسمية تشجع على تعذيب المعتقلين أو قرار رسمي بالاعتداء عليه حتى الموت؛ لأن هناك عدداً من العسكريين المتواجدين مكان الحادث حاولوا حمايته، كما سبق اعتقلت الأجهزة الأمنية المشتبه بهم في قتل رجال الأمن "الطبوق والصيفي" بتاريخ 26/6/2016 ولم يمسهم أذى، .. (وهذا لا يعني بالتأكيد إعفاء الأجهزة الأمنية والقائمين عليها من تحمل المسؤولية عما جرى)، على حد تعبير اللجنة.

لكن اللجنة أيضا عابت على الجهات الأمنية المختصة عدم اتخاذ إجراءات انضباطية معلنة، أو ايقاف أيّ من العاملين في مكان الحادث "الجنيد" عن العمل لحين انتهاء أعمال لجنة التحقيق الحكومية.

روايات متداولة

وفيما يخص حادثة مقتل الشابين حلاوة والأغبر، فقد أوصت اللجنة بالتحقق من مدى صحة الروايات المتداولة حول مقتلهما، ومن عدم وجود مخالفات قانونية تتطلب فتح تحقيق رسمي حول ملابسات مقتلهم؛ لأن الرواية الرسمية تناقضت مع رواية الأهالي، إذ أشارت الرواية الرسمية أن المذكورين كانا مطلوبين لقوى الأمن، ومشتبه بهم بالمشاركة في قتل رجال الشرطة بتاريخ (18/8/2016) وقتلوا في اشتباك مسلح مع الأجهزة الأمنية، في حين أن العائلات حلاوة والأغبر تنفي هذه الرواية جملةً وتفصيلاً، ويبدو أن تعدّد الروايات وانتشار رواية الأهالي في وسائل الإعلام يرجع إلى عدم الثقة بالأجهزة الرسمية نتيجة لطريقة مقتل أحمد أبو العز.

وطالبت اللجنة من السلطة التنفيذية اتخاذ قرار سياسي واضح بتصفية بؤر الفوضى والفلتان الأمني والقيام بعمل أمني مستمر ودائم، ووضع خطة وطنية شاملة لإنهاء حالة الانفلات والفوضى، ومصادرة الأسلحة غير القانونية من المناطق الفلسطينية، وتفعيل المؤسسات الأمنية المتخصصة بالرقابة على القوى الأمنية، وملاحقة ومتابعة عناصر الأمن المشاركة بالفلتان والفوضى، واتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم.

لجان داخلية

كما طالبت اللجنة بإصدار قرار أو نظام يلزم قادة الأجهزة الأمنية بتشكيل لجان داخلية، لاستخلاص العبر، والدروس بعد كل حدث أو عملية تقوم بها، بغض النظر عن كون الحدث قد شكل نقطة نجاح أو إخفاق، وذلك لتحسين الأداء، ولضمان عدم تكرار الأخطاء، وتحسين الوضع الاقتصادي في الأماكن المهمّشة التي تعاني الفقر، وإصلاح الآلية المتبعة بالإفراج عن المعتقلين ومنع التدخلات، وذلك بالالتزام بقانون الإجراءات الجزائية والقوانين ذات الصّلة بالتوقيف، واحترام حقوق المواطن المنصوص عليها في القوانين والاتفاقات الدّوليّة والعمل على تطبيقها.

واعتبرت أن "التدخلات والضغوطات التي تمارس من بعض الجهات والشخصيات للإفراج عن بعض المعتقلين مخالفات قانونية أو جرائم يحاسب عليها القانون"، وأوصت بتطوير ورفع قدرات الجهات المختصة بالتحليل وتقديم التقديرات والتصورات المستقبلية للتهديدات التي تواجه الأمن الفلسطيني، وربطها بالأقسام المختصة بالعمليات، لرفع القدرات وتحسين الاستعدادات.

وفيما يلي تقرير لجنة التقصي كاملا:

مقدمة (تشكيل وأهداف لجنة تقصي الحقائق)

بحثت هيئة الكتل والقوائم البرلمانية الأحداث المؤسفة التي شهدتها مدينة نابلس، في الفترة الواقعة ما بين (18-24/8/2016) وأدت إلى وقوع ضحايا بين رجال الأمن والمواطنين، وقررت تشكيل لجنة تقصي حقائق؛ للوقوف على حقيقة ما يجري، استنادًا لدور المجلس التشريعي والنواب، وعملاً بالقانون الأساسي والنظام الداخلي.

عملت اللجنة بكل مسؤولية لدراسة ما جرى، لاكتشاف المخالفات غير القانونية والإخفاقات العمليّاتيّة بهدف العمل على تلافيها وعدم تكرارها؛ لتعزيز سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان وتقوية المؤسسة الأمنية، ولدرء مخاوف المواطنين وطمأنتهم بأن المؤسسة الأمنية تعمل لخدمة الوطن والمواطن، وأن أعمالها محكومة بضوابط تحول دون استغلال السلطة ومخالفة القانون. مع التأكيد أن اللجنة لا تهدف إلى إجراء تحقيق جنائي؛ لأن ذلك يقع ضمن اختصاص ومسؤوليات النيابة العامة، مع عدم استبعاد تحويل أية قضية جرمية تكتشف إلى الجهات المختصة لاتخاذ المقتضى القانوني وفقاً للأصول.

المنهجية (إجراءات العمل التي قادت لإعداد هذا التقرير)

قامت لجنة تقصي الحقائق البرلمانية بإعداد هذا التقرير، استناداً إلى الاجتماعات وجلسات الاستماع التي عقدتها اللجنة مع عدد كبير من الشخصيات الاعتبارية والرسمية، والزيارات الميدانية التي قامت بها، بالإضافة لمراجعة ما صدر عن الجهات الرسمية، وما نشر في وسائل الإعلام حول الأحداث .

فقد عقدت اللجنة خمسة عشر اجتماعاً في نابلس مع شخصيات اعتبارية ورسمية وشعبية وعدد من الأهالي، وقامت بزيارة البلدة القديمة في نابلس -بالتحديد حارة عقبة الدرج- واطّلعت على ما جرى هناك، كما زارت مراكز التوقيف في مدينة أريحا، والتقت بالمعتقلين لدى اللجنة الأمنية المشتركة الموقوفين على خلفية أحداث نابلس، واستمعت لهم حول ظروف اعتقالهم، ثم انتقلت للعمل في رام الله، حيث عقدت ما يزيد عن عشرة اجتماعات، والتقت مع رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية وقادة الأجهزة الأمنية كل على حدة، وعليه تشكر اللجنة عاليًا كل من تعاون معها من شخصيات رسمية وشعبية وأهلية.

مدينة نابلس قبل الأحداث:

ثمّة أهمية كبيرة لاستعراض الأوضاع في مدينة نابلس قبل تاريخ 18/8/2016 (استشهاد رجال الأمن) بغية فهم ما جرى، والتّوصّل إلى استنتاجات واقعيّة تخدم الهدف من تشكيل لجنة تقصي الحقائق.

لقد عانت مدينة نابلس حالة من الفوضى والفلتان فترةً طويلة، تمثلت صورها: بحمل الأسلحة النارية بشكل علني يهدّد حياة المواطنين، وإطلاق النار العشوائي والمتكرر أحياناً، واستهداف الشركات بشكل مباشر في أحيان أخرى، ولم يكتشف الفاعلون في كثيرٍ من المرات، بسبب عدم الجدية في التعامل مع هذه المظاهر، ويضاف إلى ذلك فرار المطلوبين إلى مناطق السيطرة الإسرائيلية والأماكن المكتظة بالمواطنين التي تقع تحت السيطرة الأمنيّة الفلسطينيّة، التي تتخوف قوى الأمن من وقوع ضحايا إذا ما لاحقتهم فيها، وتسليم المطلوبين لأجهزة انفاذ القانون كان يتم عبر وساطات وصفقات تفتقد للأبعاد القانونية والأخلاقية.

وتدور أحاديث عن مراكز وصراع للنفوذ وانتشار للخاوات لم تتحقق اللجنة من وجودها، رغم أن الكثيرين في لقاءاتهم مع اللجنة أشاروا إليها بتحفّظ، ويبدو أن هناك تخوفاً من قول الحقيقة، كما أنّ هناك تحريضاً دائماً ومستمراً على المؤسسة الأمنية.

وصف الأحداث

نشب خلاف في الأيام الأخيرة من العام 2015 بين عائلتي حلاوة وحمامة حول "بسطة"، استخدمت فيه الأسلحة النارية، ما أسفر عن مقتل الشاب أشرف محمد البيعة من مخيم العين المقرب لعائلة حمامة. حاولت الأجهزة الأمنية اعتقال المشتبه بهم بمقتل الشاب المذكور، وطالبتهم بتسليم أنفسهم، لكن دون جدوى. وبعد فترة من الحادث تم التوصل إلى اتفاق أو تفاهم أو تسوية مع قائد الأمن الوطني اللواء نضال أبو دخان يسلم بمقتضاه المشتبهون من أفراد عائلة حلاوة أنفسهم للأجهزة الأمنية بوساطة مساعد أحد الشخصيات السياسية، على أن تشكل لجنة وطنية لحل مشكلة مقتل أشرف البيعة.

وكان من بين أفراد عائلة حلاوة المعتقلين نصر أحمد أبو العز حلاوة المصاب بمرض في القلب، إذ وُعَدَت العائلة باعتقاله في ظروف صحية مناسبة، وإطلاق سراحه لاحقًا، إلا أن الإجراءات تأخرت، ما أثار حفيظة العائلة، التي حاولت الضغط على الأجهزة الرسمية بقيام عدد من الشبان والأطفال بإشعال الإطارات ورمي الحجارة يوم الخميس 18/8/2016، وهناك من يقول: أطلقت النار عشوائيَا، ما استدعى حضور قوة أمنية مشتركة للسيطرة على الموقف، وأثناء مطاردة القوة "للمشاغبين" في البلدة القديمة وقعت بكمين محكم، حيث أطلقت عليها النيران من أكثر من اتجاه بشكل مباشر، ما أدى إلى استشهاد اثنين هما: شبلي إبراهيم بني شمسة (27 عاما) من جهاز الشرطة، ومحمود محمد ذيب الطرايرة (26 عاما) من قوات الأمن الوطني، وإصابة آخرين، وتمت محاصرة اثنين من أفراد الشرطة ومساومتهم على سلاحهم مقابل خروجهم سالمين وبأمان من أحد أفراد الأمن المشاركين بالفلتان، إذ تم إطلاق النار عليه وإصابته بجروح واعتقاله.

قامت الأجهزة الأمنية إثر ذلك بحملة تفتيش واسعة في حارة عقبة الدرج بالبلدة القديمة، تضررت نتيجتها المنازل والمخابز والمؤسسات الأهلية ومقر حركة فتح، وعملت الحكومة الفلسطينية على إصلاح الأضرار.

وفي ليلة الجمعة 19/8/2016، أعلن رسمياً عن مقتل اثنين من المشتبه بهم بإطلاق النار على رجال الأمن وهما: فارس حلاوة وخالد الأغبر أثناء اشتباك مسلح مع أجهزة الأمن أصيب خلاله أحد أفراد المخابرات بقدمه وفقاً لمصادر رسمية، إلا أنّ أبناء عائلتي حلاوة والأغبر -أثناء لقائهما بلجنة تقصي الحقائق في نابلس- رفضوا الرواية الرسمية، وأكدوا أن أبناءهم لم يشتركوا بإطلاق النار على رجال الأمن، وتم اعتقالهم أحياء، وتصفيتهم، ولديهم شهود على ذلك.

استمرت ملاحقة المشتبهين في مقتل رجال الأمن، وتمكنت قوة أمنية مشتركة تضم (الأمن الوقائي والأمن الوطني) بتاريخ 23/8/2016 من اعتقال أحمد أبو العز حلاوة -الضابط في جهاز الشرطة-،أثناء دهم أحد البيوت في نابلس الجديدة، واقتياده إلى سجن الجنيد، وما إن وصل الساحة بدأ بالصراخ والتهجّم وشتم رجال الأمن، وإثْر ذلك تجمّع عليه أفراد الأمن المتواجدين هناك، وبدأوا بضربه، وحاول عدد من الضباط والجنود حمايته دون جدوى، إذ فارق الحياة وفقاً للرواية الرسمية، أما رواية أهل الضحية فقد أشاروا أن ما تمّ تعذيب وتصفية.

الموقف الرسمي من الأحداث

استنكرت الجهات الرسمية مقتل رجال الأمن بتاريخ (18/8/2016)، وأكدت إصرارها على ملاحقة المجرمين وتقديمهم للقضاء، وشاركت وفود رسمية في تشييع الشهداء رجال الأمن. وبعد مقتل أحمد أبو العز حلاوة أعلن محافظ نابلس اللواء أكرم الرجوب النبأ واصفاً إياه (أحمد أبو حلاوة) بالرأس المدبر لأحداث نابلس التي وقعت يوم الخميس، وأسفرت عن استشهاد رجال الأمن، كونه مَنْ وزّع السلاح والتعليمات على مطلقي النار، مؤكداً عدم وجود تخطيط مسبق لقتله أو الاعتداء عليه بهذه الطريقة، وسوف تقوم قوات الأمن بدراسة ما حصل واستخلاص العبر.

وأكد رئيس الوزراء الدكتور رامي الحمد الله وزير الداخلية أن مقتل خالد الأغبر وفارس حلاوة كان خلال اشتباك مع قوى الأمن، وما حصل في حارة "درج العقبة" بنابلس من تكسير للبيوت خلل، تمت معالجته بإصلاح الأضرار على نفقة الحكومة. واصفاً مقتل أحمد أبوالعز بالحادث الشاذ، الذي لا يعبّر عن مسلكية وسياسة الأجهزة الأمنية، حيث قرر مجلس الوزراء تشكيل لجنة تحقيق رسمية برئاسة وزير العدل الاستاذ علي أبو دياك ونواب النائب العام في كل من النيابة المدنية والعسكرية للتحقيق في كل أحداث نابلس، وأكد أنه لن يتدخل في عمل اللجنة، وأشار إلى أن العمل الأمني المستدام والاعتقالات والتحقيقات مستمرة للوقوف على حقيقة ما جرى، والافراجات عن المعتقلين لا تتم إلا بتوصية من قادة الأجهزة الأمنية ترفع إلى رئيس الوزراء والرئيس، وذلك للحدّ من الواسطة، والتأكد من عدم وجود تدخّلات، وأكد حرص قوات الأمن الفلسطيني على عدم إراقة الدماء أثناء العمليات، وتم اتخاذ إجراءات بحق عدد من العاملين في الأجهزة الأمنية المشاركين بالفلتان بالطرد من الخدمة.

وفي السياق ذاته وصف قادة ورؤساء الأجهزة الأمنية -أثناء اجتماعهم باللجنة- حادث مقتل رجال الأمن بالخطير الذي لا يمكن السكوت عليه، وأكدوا جميعاً أن مقتل أحمد أبو العز حلاوة حادثاً غير مقبول لم يحدث نتيجة قرار أو سياسة رسمية، والدليل هناك من سبق وقتل أفراد من الأجهزة الأمنية وتم اعتقاله وتحويله للقضاء لاتخاذ المقتضى القانوني، ولم يمس بأي أذى، وأضافوا أن المتضرر الرئيس من مقتل أحمد أبو العز بهذه الطريقة هو الأمن الفلسطيني، وتعمل الأجهزة الأمنية للحيلولة دون تكرار وقوع هكذا أحداث من خلال إصدار تعليمات تشدد على الانضباط والالتزام، وهم بانتظار إنهاء لجنة التحقيق الرسمية أعمالها لاتخاذ الإجراءات اللازمة، واستخلاص العبر.

الموقف الشعبي من الأحداث

طالبت مؤسسات وشخصيات نابلس الرسمية والشعبية بشكل مستمر ومتواصل بضرورة العمل على فرض القانون والنظام العام، والقضاء على حالة الفوضى والفلتان، واستنكرت واستهجنت حادثة مقتل رجال الأمن بتاريخ (18/8/2016) والتفّت حول المؤسسة الرسمية، ونظرت بارتياح إلى الإجراءات الأمنية المتخذة حتى بعد مقتل خالد الأغبر وفارس حلاوة، وكانت غالبية الأصوات تدعو إلى وأد الفتنة وحقن الدماء، إلا أنّ مقتل أحمد أبو العز حلاوة في الجنيد خلق حالة من الذهول والاستياء العام، وعلت ردود فعل مطالبة بتشكيل لجنة تحقيق ومحاسبة المسؤولين عن مقتله، وخرج في جنازته الآلاف نظرًا لتجاوز القانون من رجال القانون، ويمكن القول: إن مقتل أحمد أبوالعز حلاوة شكّل نقطة تحول في الموقف الشعبي من النشاط الأمني والخروقات غير القانونية التي حدثت أثناءه، وظهرت أصوات تطالب بسحب العسكر من المدينة واستبدالهم برجال الشرطة المدنية، وأخرى تؤكد ضرورة بقائهم، وهذا لا يعني بكل تأكيد تراجعاً شعبياً عن مطلب توفير الأمن وإنفاذ القانون بل أصبح مطلبًا مقرونًا بضرورة احترام القانون، وتنفيذه بعدالة من أجهزة الأمن. كما عبّر عدد من أهالي المطلوبين عن خوفهم على حياة أبنائهم، وطالبوا بضمانات على حياتهم إذا ما سلم المطلوبون أنفسهم، وعبر الكثير من الأهالي وفعاليات نابلس عن استيائهم من تحويل المعتقلين إلى مدينة أريحا للتحقيق، معتبرين ذلك شكلاً من أشكال العقاب والتعذيب.

الاستخلاصات:

1- استشهاد رجال الأمن: يشكل نصب كمين لقوات الأمن الفلسطينية، وإطلاق النار عليها بشكل مباشر تحدياً لسلطة القانون، وتطوراً خطيراً غير مقبول، يجب العمل لمنع تكراره، وملاحقة المجرمين وتقديمهم للمحاكمة.

2- تناقض الروايات حول مقتل كل من خالد الأغبر وفارس حلاوة.

3- مقتل أحمد أبوالعز حلاوة على أيدي أفراد من قوات الأمن بالضرب المبرح مخالفة واضحة للقانون تستدعي تقديم الفاعلين للمحاكمة.

4- الإفراجات: دّد قانون الإجراءات الجزائية رقم (3) لسنة 2001 إجراءات التوقيف وتمديد الاعتقال، إلا أن الآلية المتبعة في الإفراج عن المعتقلين التي تتطلب توصية اللجنة الأمنية ومصادقة رئيس الوزراء والرئيس، لوقف التدخلات والضغوطات التي تمارسها بعض الجهات للإفراج عن بعض المعتقلين، مخالفة واضحة للقانون، وخاصة قانون الإجراءات الجزائية وقانون الخدمة في قوى الأمن الذي يحظر على الضبابط أن يوسط أحداً أو يقبل الواسطة في أي شأن من شأن وظيفته.

5- محاولات الابتزاز والضغط على المؤسسة: كفل القانون للمواطن الحق بالتعبير عن الرأي والتظاهر والاحتجاج بالاساليب والوسائل السلمية، إلا أن اللجنة -بالاطلاع عما جرى في نابلس- وجدت أن هناك وسائل وأساليب غير قانونية يستخدمها البعض للضغط على المؤسسة الرسمية لحملها على الاستجابة لطلباتهم غير القانونية، ومنها: القاء الحجارة على أجهزة انفاذ القانون، وحمل الأسلحة وإطلاق النار أثناء التجمعات والتظاهرات، وعادة ما تستجيب السلطة للمحتجين أو تتراجع أمامهم بشكل يهدد ويمس بهيبة المؤسسة، ويشجع المنفلتين على التمادي بأعمالهم.

6- انتشار أسلحة الفوضى: تنتشر الأسلحة غير القانونية في مدينة نابلس وأماكن أخرى في الأراضي الفلسطينية، ما يشكل مصدراً للعنفِ والجريمة، يقوّض شرعية المؤسسة الفلسطينية، ويحطّم احتكارها لاستخدام العنف المشرّع قانوناً، ويهدّد أمن وتماسك المجتمع، ويؤدي إلى سيادة شريعة الغاب وقوانين القوة، ويشجع على تكوين العصابات والقوى العائلية التي تتحدى الأجهزة الرسمية وسيادة القانون، ويلحق أضراراً اقتصادية كبيرة، ويعطل المشاريع التنموية، ويبعث على عدم الطمأنينة والخوف لدى المستثمرين، ويصبّ كل ذلك في مصلحة دولة الاحتلال التي تحاول دائماً التأكيد أنّ الفلسطينيين غير قادرين على ضبط الأوضاع الأمنية، لتبرير استمرار الاقتحامات للمدن الفلسطينية والاعتداء على المواطنين.

7- أسباب تدهور الأوضاع والانزلاق إلى منحدر الفوضى والفلتان

بحثت اللجنة عن الأسباب التي أدت إلى تدهور الأوضاع وانتشار مظاهر الفوضى والفلتان، وتبين ما يلي:

أ‌- عدم معالجة المشاكل التي تحدث أولاً بأول وملاحقة "المشبوهين" بشكل دائم ومستمر، ما أدى إلى تراكم الأزمات والمشاكل الأمنية وتفاقم الأوضاع وتدهورها.

ب‌- حل المشاكل والمخالفات القانونية بالتسويات و"الطبطبه" والصفقات بعيداً عن الحلول الجذرية والقانونية.

ت‌- عدم القيام بعمل أمني متواصل ودائم، شجّع الجماعات المسلحة على التمادي والتطاول على سلطة القانون، خاصة في ظل فقدان الأجهزة الأمنية الفلسطينية حصريّة استخدام الأسلحة والوسائل القتالية.

ث‌- الحملات الأمنية الموسمية التي كانت تقوم بها المؤسسة الأمنية أعطت انطباعاً خاطئاً للبعض أن أجهزة إنفاذ القانون تستبعد بشكل دائم ومستمر نظرية التصادم الاختياري بالمطلوبين للعداله والمشبوهين، وهذا خلق حالة من الارتياح لدى المطلوبين؛ لأنهم لا يتخوفون من إمكانية مفاجأتهم واعتقالهم وتشويش مخططاتهم ونواياهم، ما ألحق أضرار اً فادحة بالأمن والنظام العام.

ج‌- السبب الرئيس لتعميق أزمة الفلتان في نابلس التأخر في إتخاذ قرار لانهاء الأزمة، نتيجة التردد والضعف الناشىء عن الحرص على أرواح المواطنين والالتزام بالقانون، حيث تعتبر محاولة غرس الخوف من وقوع ضحايا بين المدنيين العّزل على أيدي قوى الأمن الفلسطينية- إذا ما دخلت ولاحقت الفارين في الأماكن المكتظة والضيقة- إحدى الوسائل التي يستخدمها البعض لإطالة أمد الفلتان وإفشال العمليات الأمنية، وهذه ليست دعوة لدخول المناطق المكتظة بأي ثمن، وإنما دعوة لتبني وسائل استخباراتية أخرى بشكل مبدع وخلّاق.

ح‌- عدم قدرة قوى الأمن على العمل بحرية خارج المنطقة المصنفة "أ" حسب الإتفاقيات الأمر الذي يوفر ملجأ للخارجين عن القانون.

8- عدم توقع استعداد المسلحين لإطلاق النار على رجال الأمن

توفّرت لدى الأجهزة الأمنية معلومات مسبقة حول ما يجري في البلدة القديمة بنابلس، من تواجد فارين من وجه العدالة، وانتشار للأسلحة النارية الأتوماتيكية، ورغم ذلك دخلت القوة الأمنية البلدة القديمة دون استعدادات كافية أو تعزيزات أو احتياطات، ويبدو أن حيازة المعلومات شيء والعمل بموجبها أمراً آخر، إذ لم يتم اتخاذ الاحتياطات المناسبة للحيلولة دون وقوع ضحايا بين رجال الأمن، لذا يجب إعادة النظر ودراسة القدرات التي تزيد من امكانية الاستفادة من المعلومات ومعالجتها، واطلاع المختصين عليها، لإتاحة الفرص لتحسين الأداء.

9- ضعف الانضباط والقدرة على التحكم

بيّنت الأحداث في مدينة نابلس وجود ضعف في الانضباط والقدرة على التحكم في الأجهزة الأمنية، لأن ردة فعل قوى الأمن على الأحداث كانت ردة ثأرية واتضح ذلك من حادثة مقتل أحمد أبو العز حلاوة، وأعمال العنف التي مارسها أفراد من الأجهزة الأمنية في حارة عقبة الدرج في البلدة القديمة بنابلس بعد استشهاد زملائهم، حيث تم تدمير الأثاث وإلحاق الضرر بالمنازل والمؤسسات المختلفة.

10- مشاركة بعض العاملين في الأجهزة الأمنية أو محسوبين عليها في حوادث الفلتان الأمني

تبين مشاركة بعض منتسبي الأجهزة الأمنية بشكل أو بآخر بالفوضى والفلتان ، فمن ضمن 300 مطلوب في الضفة الغربية على قضايا جنائية لأجهزة تنفيذ القانون، هناك 14 عنصر أمن مطلوب، وفقاً لما أشار إليه دولة رئيس الوزراء الدكتور رامي الحمد الله في اجتماعه مع اللجنة بتاريخ 3/10/2016 أي ما نسبته 4.5% تقريبًا من المطلوبين الجنائيين، وهذا عدد كبير يستدعي التوقف عنده، والبحث في أسباب هذه الظاهرة، والعمل على تعزيز الانضباط في المؤسسة الأمنية.

11- استخلاص العبر والتنبؤ بالأحداث مهمة المؤسسات السياسية والأمنية

تحسين الأداء وتحقيق النتائج المرجوة يمر عادة في الأجهزة المؤسسية عبر تقصي الحقائق واستخلاص الدروس والعبر والتنبؤ بالأحداث، ويبدو أن الجهات المختصة لا تقوم بذلك بصورة ناجعة، فقد وقعت في الأراضي الفلسطينية بشكل عام عدد من الحوادث الخطيرة التي كان يجب أن تكون مؤشراً على خطورة ما يجري، ودافعاً لاتخاذ قرار حاسم لإنهاء الفوضى والفلتان، ومنها: سرقة سيارة رسمية للشرطة الفلسطينية، وإنزال وزير من سيارته، واطلاق النار على رجال الشرطة في الرام، ومقتل اثنين من رجال الأمن في نابلس بتاريخ 26/6/2016، إلا أنها (المؤسسات السياسية والأمنية) تأخرت في التعرف على مكامن الخطر واتخاذ القرار المطلوب، ما أدى إلى التدهور الذي حصل.

12- فشل السياسة الأمنية السابقة

يُسلّط الوضع الأمني السيء في نابلس الضوء على نموذج عام للوضع الأمني الهشّ في الأراضي الفلسطينية، ويدق جرس الإنذار، ويبين أن الاضطرابات الكثيرة التي تعيشها نابلس هي صنيعة السياسات المتخذة على مر السنوات السابقة، وغياب دور القيادات المحلية المسؤول، حيث أظهرت الأحداث الأخيرة استمرار ظاهرة المسلحين، وفشل سياسة احتواء المطلوبين وسحب الأسلحة، فهناك عددٌ من الخارجين على القانون يتلقون رواتبهم من السلطة الوطنية، ما يعني أن الأجهزة الأمنية ما زالت بحاجة لإصلاحات وتوفير الإمكانات اللازمة لتقوى على ضبط الأمن ومحاربة ظواهر الفلتان.

13- الآثار النفسية لحادثة الجنيد ورواية أهالي الأغبر وحلاوة حول مقتل أبنائهم

كان لحادثة الجنيد (مقتل أحمد أبو العز حلاوة) ولانتشار الرواية غير الرسمية حول مقتل كل من خالد الأغبر وفارس حلاوة آثار نفسية سلبية على المطلوبين وأهاليهم، فقد أصبح الفارون من وجه العدالة وأهاليهم أكثر تخوفًا على سلامتهم في حال تم اعتقالهم، أو استعدادهم لتسليم أنفسهم، استناداً إلى ما أشار إليه أهالي الفارين وبعض ممثلي المؤسسات الشعبية والحزبية أثناء لقاء لجنة تقصي الحقائق البرلمانية.

لذا لا بد أن تقوم الأجهزة الأمنية بإرسال رسائل تطمئن للفارين وأهاليهم على سلامتهم وحسن معاملتهم، إذا ما بادروا بتسليم أنفسهم للعدالة. إن رسائل من هذا النوع ستساعد على كسب تأييد وتعاون المواطنين كافة، وأهالي الفارين خاصة مع الأمن، على أن يكون ذلك بالتوازي مع تعزيز القناعة للمطلوبين وأهاليهم وكل من يقف خلفهم، بأنّ العمل الأمني متواصل لن يتوقف إلا بإنهاء الفلتان والقبض عليهم.

14- أثر الفلتان على المؤسسات والشعب الفلسطيني

مظاهر الفلتان التي تشهدها الأراضي الفلسطينية ومدينة نابلس يصبّ في خدمة التوجهات والسياسات الهادفة لخدمة دولة الاحتلال ومشاريع تصفية القضية الوطنية الفلسطينية؛ لأنها تؤثر سلبًا على الوحدة الجغرافية والسياسية للشعب الفلسطيني، وتضعف وتضرب هيبة ومكانة المؤسسات الشرعية الفلسطينية على الصعد الداخلية والخارجية والإقليمية والعربية والدولية.

 

عائلة