ضج موقع التواصل الاجتماعي الشهير "الفيسبوك" بآلاف التعليقات والردود على جريمة اغتيال القائد القسامي مازن فقها في غزة.
غالبية تلك التعليقات أشادت بالشهيد وجهاده ومقاومته، من خلال إعادة بث صوره وهو في جولة تدريبية مع كتائب القسام، أو نقلا عن الذين عايشوه في المقاومة والأسر والإبعاد، وطرف ثالث استعان ما نُقل عن زوجته السيدة ناهد عصيدة وتحديدا في حفل تخرجها من الجامعة الإسلامية قبل عدة أيام الذي حضره الشهيد.
لكن آخرين انشغلوا بتحليل ما جرى، ومحاولة توقع طريقة تنفيذ الاحتلال -الذي أجمعت الغالبية العظمى على أنه المتورط بالجريمة- لعملية الاغتيال، وموقف الكتائب وحركة حماس، ورصد وتحليل كل كلمة أو جملة أو صورة قيلت أو التقطت في وداعه.
وتجند ناشطون للرد على بعض النفوس الضعيفة التي عملت على حرف البوصلة، والحديث عن "خلافات داخلية" ومحاولة تبرئة الاحتلال من فعلته..
الصحفي رضوان قطناني من مخيم عسكر بنابلس، كتب يرثي الشهيد "ليس فقيها واحدا.. إنه "فقهاء" مجتمعون في شخص واحد، فقيه القلب المتصل بالآخرة دون الدنيا، وفقيه العزيمة التي لا تكسرها المحن ومرور الزمان، وفقيه الجهاد المتصل عبر الأمكنة التي لا تغيّر الرجال .. قد يهزم الناس .. قد يموت الناس .. ولكن الفقهاء منتصرون باقون".
ضعف الحماية
أما طارق الشمالي من غزة، فرد على من يتهمون غزة والقسام بالتقصير بحماية الشهيد، قائلا "حكموا على منظومة الأمن في غزة بالفشل.. قرروا أن هيبة المقاومة قد ضاعت.. ولم يمر على اغتيال الشهيد 24 ساعة، ولم تُعرف ملابسات الحادث بعد".
وتابع "نعم هناك خرق أمني، هناك خطأ فادح، هناك ثغرة مر عبرها المحتل ونفذ جريمته، لكن هذا وغيره يحتاج إلى بعض الوقت لكشفه وتوضيحه"..
وختم برسالة للمتربصين قائلا "غزة بخير، أمنها بخير، مقاومتها بخير، والأيام القادمة حبلى بكل جديد، فرفقا بأصحاب الهم يا كرام!".
أما مصطفى السخل من نابلس -وهو شقيق أسير محرر مبعد إلى غزة-، فقال "عندما اغتالت إسرائيل الشهيد مازن فقها، اغتالته بكاتم صوت .. وتركت كلابها يعلون صوتهم ويدافعون عنها بأنه قتل في خلافات داخلية..يا عيب الشوم ع هيك شعب حتى بالشهدا صاروا يشمتوا ويحللوا".
يوافقهم محمد هندي بقوله "الذين أرادوا لريشة ناجي العلي أن تسقط.. هم أنفسهم من أرادوا لبندقية مازن فقها أن تسقط".
وشاركه ناشط أخر بقول "لا غزة ولا أهلها قصرت في احتضان هؤلاء النشامى المجاهدين الأبطال الأسرى المحررين ... وبالرغم من ذلك أشعر أن الغدر اللي تعرض له مازن ينم عن تقصير في حمايته.. كان الأجدر أن تتم بمرافقين، خاصة أن تهديد الاحتلال باغتياله كان علنيا".
لا تمييز
الناشط اسلام أبو عون من جنين، فكتب بلغة عامية محكية، معيبا على من يميزون بين الشهداء "والله يا جماعة تعالوا نتفق ونحكي بصراحة: إذا مقام الشهادة مقدس وخط أحمر، فلا يخضع للمناكفات والمزايدات الهابطة.. أما إذا بدكم الثانية اوعك تقلي شهيد ولا رمز ولا قائد ولا طلقة أولى ولا عاشرة".
وتابع "اتقوا الله وعندكم مليون موضوع للنقاش والحقد والغثاء اللي معبيكم بعيدا عن سمو الشهادة في أي اتجاه".
مواصلة المشوار
في منحى آخر، حاول الكاتب عز الدين ياسين أن يوضح حقيقة المواجهة الدائرة مع الاحتلال الإسرائيلي، فأكد أن "الحرب مع الاحتلال طويلة وصعبة، ومن اختار درب الجهاد يدرك أن يد الغدر الصهيوني قد تطوله قتلًا أو اعتقالًا أو مصادرة أموال أو غير ذلك".
وأضاف "المجاهد ليس بحاجة لمن يبكيه أو يرثيه، وليس بحاجة لحصانة تحميه، المجاهد بحاجة لمن يقاتل إلى جنبه، وبحاجة لمن يواصل المشوار".
حماية المستهدفين
الكاتب سري سمور من جنين، فقد حاول وضع بصمته من خلال شرح مواقف المحبين الغاضبين مما جرى. فكتب: "ما دام هناك صراع واحتلال، فإن مازن فقها لن يكون آخر الشهداء، ولكن ما يستفز المرء طريقة الاغتيال الوقحة، وخبث مراميها، وتوقيتها، وتتابع عمليات الاغتيال وتوزيعها الجغرافي".
ومضى يقول "خلال سنة واحدة كان عمر النايف في بلغاريا ومحمد الزواري في تونس والآن مازن فقها في غزة...لا لوم إن غضب المرء وصرخ أمام هذا الاستعلاء والصلف والزخم الدموي".
وأضاف "لم أقل أن الرد يجب أن يكون بالضرورة حربا على/من غزة، فإن غزة الحرب قادمة إليها، حصل اغتيال أم لم يحصل، فهي مسألة وقت، ولكن يجب تغيير وسائل حراسة وحماية المستهدفين المعروفين ضمنا، ومراجعة كل المرحلة السابقة من الناحية الميدانية والأمنية".
أسوأ السيناريوهات
أما المختص بالشئون الإسرائيلية د. عدنان أبو عامر من غزة، فقدم وجهة نظره فيما جرى، مشيرا إلى أنه "لدى إقدام إسرائيل على اغتيال فقهاء، فإن تقديراتها تتحسب لأسوأ السيناريوهات، أخطرها أن ترد حماس بقوة، وصولا للحرب".
ولفت إلى أنه "يجوز الافتراض إذن أن تحذير رئيس الشاباك قبل أيام، عن حدث ما قد يبدد الهدوء المضلل، وبسببه أتت المناورات المفاجئة، كان اغتيال مازن .. هنا قراءة ما وراء السطور!".
وفي مشاركة ثانية له، استعان ما نُقل عن والد الشهيد. وكتب "حين تحدى مازن فقهاء الدولة الأقوى بالمنطقة! اقتحمت المخابرات الإسرائيلية منزل عائلته بطوباس، فاتصل عليه الضابط من هاتف والده، وهدده بالقتل!. فرد عليه: إن كنت رجلا، أنتظرك في غزة!".
وحدة خاصة أم عملاء
هذا أيضا كان الشغل الشاغر للكثيرين، فمن قتل مازن؟ هل هي وحدة خاصة إسرائيلية دخلت ونفذت جريمتها وعادت أدراجها، أم من خلال عملاء للاحتلال خططوا ونفذوا بكل دقة؟.
على هذا يجيب الأسير المحرر محمود عصيدة من بلدة "تل" غرب نابلس، فيقول "أنا على يقين بأن المستفيد الكامل والراسم الحقيقي هو الاحتلال الصهيوني وهو صاحب الاستفادة الأولى من اغتيال شخص مثل مازن".
وأضاف "من الممكن أن تكون الأداة هي مجموعة من العملاء والمرتزقة وما زالت في غزة وستكون بقبضة الأجهزة الأمنية في أقرب وقت".
وتوسع بشرحه، مرجحا أن تكون فرقة من "الموساد" قد شاركت بالعملية "ووقتها -والحديث لعصيدة- سيكون المخفي عظيم، وتكون "إسرائيل" كشفت ما لا نعرفه عن الشهيد، وعرفت بخطر هذا الشخص وقررت معركة صعبة، لدرجة أنها فرطت بفرقة خاصة من الموساد مقابل قتل هذا الشخص".
احترافية عالية
على النهج ذاته، سار الصحفي أحمد البيتاوي من نابلس، قائلا إن "عملية اغتيال الشهيد مازن فقها أعادت تسليط الضوء على ظاهرة الخونة.. هذه العملية التي تمت باحترافية عالية، تشير إلى ان شبكات العملاء في غزة لم تفكك بشكل كامل أو أن مخابرات الاحتلال نجحت في تجنيد جدد".
ورجح البيتاوي -وهو أسير محرر ومتابع للشئون السياسية والأمنية- أن يكون عدد المنفذين ما بين 10-15، بين مراقب أول وثاني وثالث ومؤكد رابع وخامس للمعلومة، وبين ممول ومزود بالسلاح ووسائل التنقل، وبين ناقل للمنفذين وأخيرا المنفذين وهم لا يقلون عن ثلاثة".
لكن المهم عند البيتاوي يكمن في عملية الانسحاب "وهذه أخطر مرحلة.. هؤلاء على الأغلب لا يعرفون بعضهم، ويتم توجيههم من خلال مشغل إسرائيلي أو محلي، وهو ما يعني توفر أداة اتصال لا يمكن تعقبها محلياً، أو لربما استخدموا طريقة النقاط الميتة..هذا كله يعني وجود عمل منظم وموجهة بطريقة أمنية عالية".
وفي ختام تعليقه الذي نال حظا وافرا من الردود، يعرب البيتاوي عن قناعته الراسخة بقدرة المقاومة والأمن في غزة على كشف الخيوط واعتقال الفاعلين، قائلا "اعتقد أن جميع هؤلاء سيقعون في قبضة المقاومة عاجلا أم آجلا، هكذا علمتنا التجارب السابقة، هؤلاء يمكن أن يطلق عليهم جواسيس المهمة الأولى والأخيرة.. مخابرات الاحتلال في النهاية لا تهتم لمصيرهم لانهم مجرد أدوات ليس اكثر".
وختم "طبعا لا مجال هنا (والكلام موجه للمتشفين المتصيدين بالمياه العكرة) للمقارنة مع الضفة الغربية، فالجواسيس فيها يسرحون يمرحون ويتسامرون ويستجمون ويتكاثرون ويتناسلون.. كما أن العمالة لم تعد بذات الصورة النمطية المعروفة".
"عملية نظيفة"
أما النساء فكانت معظم تعليقاتهن عاطفية متضامنة مع عائلة الشهيد وزوجته، لكن "أم فلسطين"، كما تسمي نفسها ذهبت لتحليل الموقف أمنيا.
وكتبت "الاحتلال أرادها عملية "نظيفة" تبرئ ساحته دولياً ولا تؤدي لتدهور الأمور والوصول إلى نقطة المواجهة الشاملة "حرب جديدة".. كما تجعل المقاومة "مقيدة" وغير قادرة على الرد المباشر.
وتابعت "بتقديري أن النجاح في الكشف عمّن يقف خلف عملية الاغتيال للشهيد مازن ومحاسبته هو الرد الحقيقي (وهذا ليس سهلا) أما الرد العسكري والانتقام فهذا له ظروفه وحساباته، ولم يعد بعد اليوم (بغزة) مرتبطا بالوقت والزمان بعد تغير وسائل وأساليب الاحتلال في القتل".
"المُثقّف_المُشتبك"
وتحت عنوان "المُثقّف_المُشتبك"، قارن الأسير المحرر عبد الرحمن اشتية بين مجموعة من الشهداء باسل الأعرج ونشأت الكرمي ومازن فقهاء.
وكتب "حالة الاحتفاء ببطولة الشهيد باسل الأعرج كونه مُثقّفاً آمن بفكرته وانطلق ينشرها بلسانه وعمله حتى دمائه ، تتطابق وتنسجمُ مع أفواج من النخب المثقفة التي لم تتوقف عن اشتباكها مع المحتل حتى استشهدت".
وأوضح ما يقصده بقوله "من يعرف -مثلاً- الشهيد #نشأت_الكرمي يُدرك ذلك.
ومن التقى أو عايش أو اطلع على سيرة الشهيد #مازن_فُقها يعلمُ ذلك.
هؤلاء عينة من شباب مُثقف كان الواحد فيهم دودة كتب واسع الاطلاع كبير الهمة كثير الهم، عاشوا بين الكتب والعلوم في سكنات الجامعات وأبراش السجون، وأفنوا زهرات شبابهم في ميادين العمل النقابي والجهادي والاعتقالي، ثمّ ماتوا بين البنادق على أرض فلسطين".
وأشار إلى أن "تلك ليست بُكائية ولا رثائية للأبطال.. تلك صورة حية لشباب مُثقف فقهوا أن الحياة أقصر من أن تمضي عادية فاستثمروا أنفسهم، لهم حياة ولمبادئهم نور ولوطنهم تحرير".