ضربت "أم نضال فتاش" من محافظة سلفيت في شمال الضفة الغربية مثال يحتذى في قدرة الفلسطينيين على تخطي كافة العراقيل والعقبات التي يضعها الاحتلال في طريقها، وتكشف قصتها عن نموذج لأم متميزة أقدمت على ما يخطر ببال أحد من أجل حماية مستقبل نجلها الأسير. القصة بدأت فجر الأربعاء الماضي 23/5/2012، حين كان نجلها نضال يلملم أفكاره ويضع لمساته الأخيرة على مشروع تخرجه الذي سيناقشه ظهر ذلك اليوم أمام لجنة المناقشة في جامعة النجاح الوطنية بنابلس، لينال على إثره درجة البكالوريوس في الجرافيك ديزاين. دقائق بعد ذلك، وإذ بجنود الاحتلال الصهيوني يحيطون بمكان سكنه بمدينة نابلس، ليتحول في لمحة عين إلى أسير ويقاد إلى معسكرات الجيش ومنها إلى أقبية التحقيق. وما إن أدت العائلة صلاة فجر ذلك اليوم حتى صدمت بالخبر، كيف لا وهي تعد الساعات التي تمشي بطيئة حتى تذهب إلى الجامعة وتشارك نجلها فرحته بالتخرج بعد معاناة استمرت لـ4 سنوات. لكن لا يمكن أن تضيع كل تلك الجهود سدى، ولا يمكن للاحتلال أن يسرف الفرحة ولو أنه خطف صاحبها.. ومن هنا بدأت أم نضال -وهي مديرة مدرسة في سلفيت تبحث عن حل سريع... تقول :"علاقتي بابني تتجاوز العلاقة العادية بين الأم وابنها.. فأنا أتابعه في كل كبيرة وصغيرة وأقدم له الرشد والنصيحة -إن طلبها-، وتحديدا في مشروع تخرجه". وتضيف "عادته أن يعود إلى المنزل كل يوم خميس ويبقى حتى صباح الأحد، ويغادرنا للجامعة ليعود في نهاية الأسبوع وهكذا.. غير أن انشغاله بمشروعه الختامي دفعه لأن يغيب عنا ثلاثة أسابيع .. لكن حبل التواصل لم ينقطع، فقد كنت على اتصال دائم معه وأطلع على تراكم خبراته وجهده في إنجاز عمله عبر "الفيس بوك" والهاتف". وتمضي قائلة :"لذا، قررت الانتصار لأبني واتخذت القرار أن أقف أمام لجنة المناقشة بدلا عنه.. تشاورت مع زملائه الخريجين وهيئة التدريس وكانت النتيجة أن أتقدم أنا لمناقشة مشروع التخرج نيابة عنه.. ونقل عنها قولها بعفوية وصدق: "لقد عزّ عليّ أن يذهب تعب ولدي هباءً وخاصة انه كان قد علق لوحاته قبل بيوم في القاعة المخصصة للنقاش في الجامعة وكان كل شيء جاهز". تقدمت الأم بكل ثقة وثبات، ولمدة حوالي عشرين دقيقة عرضت شرحاً عن لوحات ابنها وأجابت عن أسئلة اللجنة التي أعلنت في النهاية قرارها بنجاح الطالب نضال عز الدين فتاش. نضال وهو من مواليد عام 1990، كان يحب الفنون والأمور العملية، فالتحق بكلية الفنون وأبدع في مجال تخصصه. ويبقى أن نقول أن ما قامت به أم نضال هو تعبير ليس بالغريزة فحسب، بل وبإرادة عن الإصرار الفلسطيني بشكل عام، وعن قوة المرأة الفلسطينية وإرادتها الاستثنائية بعيداً عن الحالة البكائية، رافضة الدور التقليدي المعتاد لأم الأسير الباكية والمتحسرة. وعلى الصعيد الوطني، فقد بعثت أم نضال برسالة للاحتلال والعالم أن المرأة الفلسطينية على قدر التحدي بكل إشكاله مهما كانت التحديات والمعوقات.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.