إذا امتلكت عشرة دنانير، فأنفق تسعة منها على الإعلام، واستبقِ واحدا لبقية المطالب؟! هذا ما قالته فيما أحسب الانتخابات المصرية الأخيرة. النسب التي حصل عليها المرشحون عدا محمد مرسي هي نسب قررها الإعلام سلفًا. أو قل شارك في تقريرها بحجم أكبر من العوامل الأخرى. والتراجع في الأصوات التي حصل عليها مرشح الإخوان محمد مرسي قررته وسائل الإعلام مسبقًا. الإعلام في الانتخابات خطير، بل خطير جدًا، وقد يتفوق في تأشيراته الخطيرة على (المال)، وعلى تأثيرات الحزب والتنظيم، لاسيما حين تكون الكتلة (السائبة) غير المنظمة كبيرة، أو هي الكتلة الأكبر كما هو واقع الحياة في مصر. جل من أعطوا محمد مرسي، أو أحمد شفيق، ينتمون إلى قواعد حزبية منظمة سلفًا، فمرسي أعطته كتلة (الإخوان) التصويتية، عن قناعة تنظيمية، وما أخذه شفيق من أصوات هي أصوات الحزب الوطني المنحل الذي يمثل كتلة تصويتية، تعمل في الظل، خوفًا من الثورة، وعبّرت عن تماسكها في صندوق الاقتراع، يضاف لها الكتلة القبطية التي تتخوف تقليديًا من الإسلاميين. وهذا الأمر لا يصدق على صباحي وأبو الفتوح فأبو الفتوح مرشح مستقل، استفاد قليلاً من كتلة السلفيين التصويتية، وأكثر ما استفاده كان بنتاج التأثير الإعلامي الذي قدمه كمرشح ثورة، وكمستقل، وكمرن مع الليبرالي واليساري. والأمر نفسه يمكن أن نقوله مع صباحي الذي استفاد قليلاً من الكتلة الناصرية واليسار عمومًا وحجمهم التصويتي قليل، واستفاد أكثر من تأثيرات الإعلام الذي قدمه كمرشح ثورة، وكمرشح تقدمي ووطني. بناء على هذا التحليل نقول إن الإعلام هو الذي قرر النسب والأحجام بشكل أكبر مما قررته العوامل الأخرى، وبالذات العامل الحزبي، لذا يجدر بمن يريد الرئاسة أن يكون سخيًا على الإعلام، وأن يكون حاضرًا في الإعلام، ولم يعد كافيًا الوجود في العمل الاجتماعي، أو الديني، والركون إليهما بدون إعلام قوي يدخل إلى كل بيت، ويؤثر على كل من يستمع إليه وبالذات الفئات السائبة التي لا تملك أيديولوجيا حزبية مسبقة. من سيقرر نتيجة المرحلة الأخيرة المعروفة (بالإعادة)؟ هل ستقرر النتيجة الثورة؟ أو الحزب؟ أو التاريخ؟ أو الدين؟ أو العامل الخارجي؟ من سيقرر نتيجة الإعادة كل ما تقدم وغيره، غير أن الإعلام يقف في مقدمتها لأننا لا نتحدث عن عمل حزبي مستقر كفرنسا وبريطانيا، وإنما نتحدث عن صوت ناخب يتغير كل ساعة، كل دقيقة، حتى في لحظات الوقوف أمام الصندوق، لذا لا يملك أحد توجيه هذا الصوت المتغير غير الإعلام الذي لا يفارق الناخب، ولا يتركه للآخرين. لقد وضع الإعلام الإخوان في خندق الدفاع، وقصف كتلتهم التصويتية بكل وسائل الدمار الشامل، ولم يتمكنوا من الخروج من حالة الدفاع إلى الهجوم، ولم يكن لإعلامهم قوة وقدرة على الخصوم، وهو أمر لا يجدر البقاء عليه في مرحلة الإعادة إن أرادوا الفوز بكرسي الرئاسة، وهم في حاجة عاجلة للمراجعة، ووضع إستراتيجية بديلة، وأحسب أنهم يمتلكون ذاتيًا البديل الفاعل، حين يقررون تقديم الإعلام في المعركة.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.