صحيح أن صناديق الاقتراع في الانتخابات المحلية قد أقفلت، لكنها بالوقت ذاته فتحت نقاشات سياسية ومجتمعية حامية الوطيس، بعدما تبين أن نسبة المشاركة فيها كانت متدنية بشكل ملحوظ.
وبلغت نسبة المشاركة في التصويت بحسب ما أعلنته لجنة الانتخابات المركزية حوالي 54%، غالبيتها في قرى محافظات الضفة الغربية، التي بلغت نسبة التصويت فيها حوالي 74%، في حين شهدت مدن رئيسية عزوفا واضحا من الأهالي عن المشاركة، إذ لم تتجاوز نسبة المشاركة في العديد منها 20%، الأمر الذي يعكس الطبيعة التي صبغت هذه الانتخابات ذات الطابع الخدماتي.
كما أن الانتخابات لم تجر في 181 هيئة محلية، إذ لم تتقدم أي قائمة فيها للمنافسة.
انعدام الأمل
العزوف الذي شهدته المدن الرئيسية عن المشاركة في الاقتراع، أرجعه محللون إلى انعدام الأمل لدى المصوتين من تمكن المرشحين من تقديم الخدمات المرجوة، بالإضافة لقناعتهم بأن في هذه الانتخابات ترسيخا للانقسام القائم وتعميق للجرح الداخلي الفلسطيني، كونها تجري في أحد شقي حكم السلطة الفلسطينية دون الآخر.
كما لعب استنكاف العديد من الفصائل الكبرى وعلى رأسها حركة حماس والجبهة الشعبية دورا بالغا في عزوف الناس عن المشاركة، لقناعتهم بأنها ستكون انتخابات غير نزيهة.
الأدهى حسب المراقبين أن تلك الانتخابات لم تفرز شخصيات فاعلة قادرة على الإنجاز، "وبالتالي فإن كل إفرازاتها كانت ذات طابع عائلي عشائري بحت، لا هم لها سوى منافسة العائلة المقابلة، على حساب البرنامج الخدماتي"، خاصة في القرى.
فالعديد من القوائم التي ترشحت لم تكن تمتلك القدرة على إيصال برنامجها الانتخابي، لدرجة أنها لم تكن تكترث بهذا العنصر الأساسي من العملية الديموقراطية، "لأنها تركن إلى قاعدة المنافسة العشائرية التي أوصلت العديد من المرشحين للفوز فقط لكونه مدعم من عشيرته، وليس كون برنامجه الانتخابي منافس ويستحق الدعم".
وكشفت النتائج تربع القوائم المستقلة غير المدعومة من أحزاب على قمة القوائم الفائزة، إذ حصلت على ما نسبته 65% من العدد الكلي للمقاعد التي بلغت حوالي 1561 مقعدا، في حين حصلت القوائم الحزبية على 35% فقط.
عقاب فتح
مدير مركز القدس للدراسات علاء الريماوي، يرى أن حركة فتح هي الخاسر الأكبر فيما جرى، قائلا إنه "منذ اعلان الانتخابات المحلية ارتفعت الأصوات بالشرعية وعدم الشرعية، أو التمثيل السياسي من عدمه، بالإضافة إلى نقاش حول ما حققته حركة فتح فيها".
ويضيف "المعطيات واجبة الإشارة، أكدت على جملة من المتغيرات الهامة منها: أن حركة فتح فشلت في تشكيل قوائم صرفة لها في كل من مدينة نابلس وقلقيلية، ما مكن محسوبين على التيار الإسلامي من قيادة مجالسها البلدية، كما أنها فشلت في مدن كبيرة مثل الخليل ونابلس والبيرة من إقناع الجمهور بجدوى الانتخابات والمشاركة في الحياه السياسية.
ويشير الريماوي إلى أن كافة المناطق التي فازت بها حركة فتح بفارق مقعد أو تساوت مع قوائم أخرى مثل بيتونيا، الخليل، تعاني فيها من تشكيل مجلس برئاستها أو ستدفع مقابل ذلك ثمنا كبيرا.
ويرى الباحث أن مقاطعة بعض الفصائل الفلسطينية بوزن الجبهة الشعبية وحماس، فرغ العملية من مضمونها، وأعطى مؤشرا على أن فتح تلعب في فضاء ذاتي غير حيوي، إضافة إلى أنها لم تستطع توحيد قوائم ذاتية في معظم المناطق الانتخابية، وفي بعض المناطق المهمة خسرت القائمة الرسمية أمام القوائم المختلفة التي هي من كادرها، ما أشكل على فتح صورة الانتظام التنظيمي.
الحاضر الملفت
وبرغم مقاطعة حماس الكبيرة للانتخابات، إلا أنها كانت الحاضر الملفت في بعض المواقع، يقول الريماوي "ما فوت على قوائم فتح الانتصار الواضح".
لكنها -أي حماس- أمام اختبارات مهمة أبرزها: أن الجماهير في نابلس لم تقبل سلوك مقربين منها بالتحالف مع فتح التي أراد الجمهور عقابها عبر نسب متدنية في الانتخاب.
كما أن إحجام حماس عن المشاركة في البلديات أوقع الجمهور في أزمة تقديم الأفضل، ما أورث الحالة استمرار مؤسسات مهمة ضعفا كبيرا، "وهنا لا أناقش صوابية المشاركة من عدمه، كما أن حماس والجبهة الشعبية لم تتمكن من وقف إجراءات السلطة المنفردة، ما يعني أن الحالة تبشر بسنوات طويلة من الانقسام العميق.
نابلس.. نموذجا
الأنظار اتجهت صوب مدينة نابلس، فهي حسب المتابعين أقل مدينة شارك سكانها بالانتخابات، بنسبة وصلت لأقل من 20%، فقد أدلى نحو 14735 مواطنا بأصواتهم من أصل 71410 مسجلا في قوائم لجنة الانتخابات، وهو ما رآه البعض "رسالة احتجاج على الوضع الفلسطيني واستمرار الخلافات الداخلية إلى جانب نظام الانتخابات ذاته".
وجرت الانتخابات في نابلس بمشاركة ثلاث قوائم، إحداها حملت اسم قائمة "الشباب المستقلين" وضمت كفاءات شابة، وأخرى حملت اسم "نابلس الموحدة" وضمت شخصيات مقربة أو محسوبة على حركتي فتح وحماس، وثالثة ائتلافية من فصائل يسارية باسم "نابلس تجمعنا".
وأسفرت الانتخابات عن فوز قائمة "نابلس الموحدة" بـ11 مقعدا، ومقعدين لكل من منافسيها.
يقول رئيس قائمة نابلس الموحدة المهندس عدلي يعيش -الذي سيشغل قريبا منصب رئاسة البلدية كون قائمته لديها الأغلبية- إن فكرة الوحدة انتصرت بحصول قائمته على ثقة 75% من المقترعين، معربا عن تقديره لحالة الإحباط التي يعاني منها المواطن في نابلس وفي غيرها من المواقع، نتيجة لحالة الانحدار القيمي والأخلاقي وعوامل أخرى.
ودافع يعيش عن فكرة قائمته قائلا "هي اندماج لثلاث قوائم، كانت ستدخل المجلس بنسب مختلفة، فلماذا ندخل مختلفين!! أليس من الأولى أن نتفق لمصلحة البلد وندخل المجلس موحدين لخدمة نابلس!!".
وأضاف "لا شك أن البعض لم يعجبه ذلك، فحاول جاهدا تثبيط المواطنين والتقليل من أهمية هذا الإنجاز، والدعوة للمقاطعة عبر الفيسبوك وغيرها من الوسائل، لكننا انتصرنا على أولئك بفكرتنا المخلصة التي تدعو للوحدة، والتي ستكون نموذجا لبقية المواقع، أننا نستطيع أن نعمل سويا".
قانون الانتخاب
أما محللون فأرجعوا السبب لنظام القائمة النسبية المغلقة الذي يجبر الناخب على اختيار قائمة كاملة، وقد يكون غير مقتنع ببعض شخوصها.. لذا علت الدعوات بتغييره بعد أن جُرب أكثر من مرة وأثبت أنه لا يفي بالغرض.
ويرد الكاتب سامر عنبتاوي على كلام يعيش، بأن تشكيل قائمة "نابلس الموحدة" لم يعبر عن وحدة حقيقية "إنما جاء التوحد كرافعة لطرف وكحماية لطرف آخر"، مشددًا على أن الوحدة تقتضي جلوس مكونات نابلس على طاولة واحدة والاتفاق على آلية لفرز مجلس متوافق عليه من الجميع.
ولفت إلى أن قواعد حركتي فتح وحماس بدت غير راضية عن تشكيلة القائمة، وأن كل منهما شعر بأن فصيله ظُلم بهذه التشكيلة، وكان البعض غير راض برئيس بلدية من الفصيل الآخر، وهذا أدى إلى حجب الأصوات وأحيانا اختيار القوائم الأخرى.
وتابع "رغم ما شاب العملية الانتخابية، خاصة في نابلس من ارهاصات سبقت الانتخابات وخلالها أدت إلى عزوف كبير عن المشاركة، ورغم ما قيل وسيقال، إلا أن القانون يقول بنجاح من حصد الأصوات بغض النظر عن حجمها "لذلك فأن لدى بلدية نابلس الآن مجلس منتخب لمدة 4 سنوات سيحمل حملا ثقيلا وغير مغطى بقاعدة شعبية واسعة ما يصعب المهمة.. ولكن في النهاية هو مجلس منتخب يواجه ملفات صعبة عليه ايجاد حلول منطقية ومعقولة بعدم وضع المواطنين كحقل تجارب وبشمولية وتعقل، وهذا يحتاج إلى حاضنة شعبية تراقب وتوجه وتحاسب".
لكنه رأى أن ما يدعو للتفاؤل هو التنوع في تشكيلة المجلس المنتخب "ما يسمح بنوع من الرقابة المتبادلة ومناقشة كل القرارات، ووجود معارضة إيجابية"، داعيا كذلك للاستعانة بالخبراء والتعاون مع المجتمع المدني للخروج من أزمات المدينة.
منافع شخصية
وعلق كثيرون من نابلس على قلة نسبة المصوتين، فقال أحدهم "الناس استخدمت أسلوب راقي لإيصال رسالة واضحة للقوائم بأنه لا ثقة بكم طالما قوائمكم مبنية على مصالح وأجندات انتهازية، ومهما كان هناك وعود أهل البلد زهقوا".
وعلق آخر "لأنهم كانوا سابقا في البلدية وما عملوا شيء، غير بناء العمارات المخالفة وتزفيت شوارع لأقاربهم ومعارفهم والنفايات في الشوارع لا رقيب ولا حسيب .. مصالح شخصية".
وقال ثالث "لم نعد نثق بأحد والمرشحين مجربين من قبل، وإلي بجرب المجرب عقلو مخرب,, ثانيا نظام الانتخابات يجب أن يتم التعديل عليه ويكون الانتخاب ليست قوائم وتجبر الناخب أن ينتخب قائمة بكل الأسماء,, يجب أن يكون الانتخاب فرديا".
وبالموقف ذاته يعلق شخص آخر "عزوف الناس عن الانتخابات هو عدم رضاهم من تشكيل القوائم، وجزء لا بأس به من شخصياتها المتكررة.. والأسوأ شعورهم الحقيقي بوجود كعكة يراد تقسيمها، أو أن الناس كفرت بكل شيء يتعلق بالوطن في هذه الأوقات وخصوصا ونحن مكانك سر".
في حين أرجعها البعض ذلك لـ"عدم شفافية العمل الديمقراطي والتفرد الحزبي ونظام القوائم بالإضافة إلى إحباط الممارسات السياسية لطموح الشعب وطمس ثقافته الوطنية والاحتيال السلطوي ضد مبادئ الشعب".
نتائج تفصيلية
وأصدرت لجنة الانتخابات المركزية الاثنين، بيانات تفصيلية حول الفائزين بالمقاعد التي حصلت عليها القوائم، وذلك طبقًا للنتائج الأولية للانتخابات المحلية للعام 2017، التي أعلنتها مساء الأحد.
وأوضحت اللجنة أنه بخصوص الهيئات المحلية التي جرت فيها الانتخابات وعددها 145 هيئة وعدد مقاعدها 1552مقعدًا، تبين أنه وفقًا لتبعية القوائم الحزبية: حصلت القوائم المستقلة غير التابعة لأحزاب على 65% من عدد المقاعد، وقوائم حركة فتح على 27.6%، والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين على 2.77%.
فيما حصلت قوائم ائتلاف بين عدة أحزاب على 2.77%، والمبادرة الوطنية الفلسطينية على 0.58%، والاتحاد الديمقراطي الفلسطيني على 0.45% والتحالف الديمقراطي على 0.32% وجبهة النضال الشعبي الفلسطيني على 0.26% وحزب الشعب الفلسطيني على 0.19% من عدد المقاعد.
ووفقًا للنوع الاجتماعي، فقد شكلت النساء الفائزات 19.8% من العدد الكلي للفائزين، بينما بلغت نسبة الرجال الفائزين 80.2%.
وبحسب الفئة العمرية: فقد بلغت نسبة الفائزين من الفئة العمرية 25-35 عامًا 16.5% من عدد الفائزين، أما الفئة العمرية ما بين 36- 45 عامًا فقد شكلوا 25%، في حين وصلت نسبة الفائزين الذين تتراوح أعمارهم ما بين 46-55 عامًا إلى 33.8%، كما أن 24.7% من الفائزين قد تجاوزوا سن 55 عامًا.