لا يمكن لأي سيارة أن تدخل إلى مراكز المدن الفلسطينية في الضفة الغربية في هذه الأيام، فقد باتت حركة المواطنين صعبة، فكيف الحال بالمركبات.
هذا الأمر بدأ قبل عدة أيام، وتحديدا في المدن الكبرى مثل نابلس والخليل ورام الله وجنين.. إذ أعلنت البلديات فيها بالتعاون مع بقية المؤسسات وخاصة الشرطة والمحافظة والغرف التجارية عن فتح المجال للمواطنين لنصب "البسطات" في المراكز التجارية الرئيسية، لخلق فرصة عمل للشباب والعاطلين عن العمل قبيل عيد الفطر.
ووفق ما نشرته المجالس البلدية من بيانات، فالأمر جاء بعد مشاورات مع جهات الاختصاص، التي رأت أنه من المناسب تخصيص تلك المواقع الحساسة في الأيام التي تسبق العيد للبسطات التي تبيع الملابس والمواد الغذائية بأنواعها والسكاكر والعصائر والمشروبات، والمأكولات السريعة للمتسوقين الذي غزو الأسواق.
لكنها أوضحت أيضا أن الأمر لن يستمر بعد العيد، إذ ستعود الأمور إلى سابق عهدها، وسيتم إخلاء مراكز المدن منها. وهو ما يشكك به المواطنون، الذين يعبرون عن مواقف متباينة تجاه البسطات.
فمن جهة يراها البعض فرصة لإيجاد مصدر رزق للشباب والمتعطلين عن العمل، خاصة أن ظروف الحياة صعبة وبالتالي تسهم البسطات في تخفيف الأعباء عنهم، فيما ينتقد الجزء الأخر حالة الفوضى العارمة التي تصاحب تلك القضية، وما يترتب عليها من انتشار ظواهر أخرى كانعدام السلامة العامة والنظافة وانتشار القمامة بشكل غير مسبوق في كل مكان، وكذلك ظاهرة التحرش والمشاكل بين الشبان، وغيرها.
مراسل "فلسطين الآن" تجول في مدينة نابلس، ورصد ردود الأفعال من الباعة والمواطنين والمسئولين على حد سواء.
قديم.. جديد
في نابلس، بدت الصورة جلية.. اكتظاظ الأرصفة والشوارع بمئات البسطات المنتشرة في الأسواق والأزقة.
يقول المهندس عدلي يعيش رئيس بلدية نابلس إن "ممثلي فعاليات ومؤسسات نابلس المعنية وهي محافظة نابلس، بلدية نابلس، الغرفة التجارية، ملتقى رجال الأعمال، لجنة التنسيق الفصائلي والشرطة والأمن الوطني، اتفقوا بالإجماع ودون تحفظ أي جهة- على سلسلة إجراءات لتنظيم الأسواق وحركة السير داخل المدينة وفي مركزها التجاري قبيل عيد الفطر السعيد".
ومن ذلك -حسب يعيش- "ضرورة التزام التجار وأصحاب المحلات بالقوانين والتوجيهات، وأهمها المحافظة على النظافة العامة لمركز المدينة وعدم اعاقة حركة المتسوقين خلال هذه الفترة".
كما قرروا السماح بتواجد البسطات في مركز المدينة؛ مع ضرورة التزام أصحابها أيضا بالنظافة العامة لمركز المدينة وعدم اعاقة حركة المواطنين والمتسوقين.. وهو قرار قديم جديد، إذ اتخذ في الأعياد السابقة، وقررنا تطبيقه هذه المرة أيضا".
ويتابع "ساهمت الخطة في توفير بيئة آمنة ومريحة للمتسوقين وأصحاب المحلات التجارية في مركز المدينة بشكل خاص من جهة، وتوفير مصدر دخل مؤقت للعديد من أبنائنا من الشرائح الأقل حظا من جهة أخرى".
وأوضح "تم التشديد بالدرجة الأولى على أن تكون البسطات بعيدة عن الأرصفة المقابلة للمحلات التجارية، وذلك لضمان عدم المساس بمصالح الإخوة التجار، وضمان سلاسة حركة المتسوقين والمشترين من هذه المحلات دون أية عوائق".
فرصة للرزق
وحسب كثير من المواطنين، فمعظم البسطات تعود لأصحاب محال تجارية، ليس فقط من مدينة نابلس، بل من مدن أخرى يأتون في هذه المواسم للبيع.
البائع رمزي أبو حسام شكر الجهات المسؤولة للسماح له ولزملائه بالعمل على البسطات، قائلا "كان حلا ممتازا، لصعوبة إيجاد عمل بديل خلال هذه المرحلة".
ويتابع "العيد على الأبواب وهذا موسمنا، فلا تحرموا أولادنا من فرحة العيد، فنحن نريد أن نعيش مع أبنائنا بكرامة، فانا مريض سكري وقلب وجريح انتفاضة وقضيت في سجون الاحتلال سنتين ونصف، ولا أستطيع العمل في وظيفة صعبة أو مهنة شاقة.. والحل هو الجلوس أمام البسطة التي اجمع منها بعض المال".
أما الشاب وائل حمدة من مخيم عسكر بنابلس، فيقف على بسطة لبيع القمصان. يقول "منذ عام وأنا لا اعمل. حاولت بشتى السبل الوصول للداخل المحتل لكنني فشلت كالآلاف غيري من الشباب.. وانت تعرف أن هناك التزامات عائلية أقلها توفير عيدية لوالدتي وشقيقاتي.. فكان الحل بنصب بسطة والعمل عليها".
فوضى عارمة
مواقع التواصل الاجتماعي عجت بالآراء المختلفة حول البسطات.. يقول أحدهم "هذا يعد شرعنة للفوضى والفلتان التجاري حتى ولو لفترة مؤقتة، رغم تحديد أمكنة لتواجد البسطات في منتصف الدوار وعلى امتداد سوقه التجاري.. هذا أدى الى انتشار عشرات بل مئات البسطات التي تقف في منتصف الطريق وعلى أبواب المحال التجارية وعلى الأرصفة وحواف حرم الشوارع معيقة حرية الحركة للسيارات والمشاة والمتبضعين خالقة فوضى عارمة طالت مركز المدينة وأفسدت المظهر الحضاري الذي طالما تباهت به المدينة".
يسانده رأي أخر، قائلا "لا أعتقد أن هناك من لا يتعاطف مع باعة البسطات باعتبارهم من "معتري الشعب"، وبالتالي لا بد من توفير مساحة لهم لطلب الرزق، وهذا موضوع لا يختلف عليه اثنان، ولكن يبقى سؤال وجيه ومهم: هل كل من له بسطة هو من المعترين؟ هل تم عمل بحث اجتماعي لمراعاة وضعهم ومنع المتسلقين من اغتنام هذه الفرصة لتحقيق مكاسب لا شرعيه على حساب سوء أوضاع الكثيرين من هذا الشعب".
خروج عن السيطرة
صحفي في نابلس كتبت على صفحته منتقدا ما يجري أيضا، فائلا: "لست أول من يكتب ولن أكون الأخير.. لكن الأمر مقلق جدا.. نحن خرجنا عن أي سيطرة.. ولا اعتقد أن إعادة الأمور لمجاريها سيكون سهلا لعقود!!".
وتابع بلهجة محكية: "الجولة بالسوق الشرقي والدوار وشارع سفيان بترد الروح وبتشوف الحبايب، لكنك تكتشف الفوضى العارمة المتجذرة فينا".
ويصف الحال "اجتياح للمرافق العامة، الشارع مش مبين من كثرة البسطات اللي ما خلت مكان للسائر، فما بالنا بالسيارات!! البياع اللي بيعتقد أنه قد ما فرد بضاعة وأخد مسافة، كان شاطر وذكي.. صناديق الفواكه الضخمة في كل مكان، وللأسف غالبيتها منظره لا يسره، وسعره يدل على جودته.. العصائر والمشروبات تكتوي لساعات بالشمس الحارقة.. كراتين البيض ب5 شيكل، انسلقت من شدة الحرارة.. السمك والفسيخ.. معبي الدنيا.. والله أعلم من وين جايبينه".