يستقبل الغزيون عيد الفطر المبارك في حال لم يشهده قطاع غزة المحاصر منذ 11 عاماً من قبل، فضيق الوضع المعيشي وقلة اليد جعلت منه عيداً مجبولاً بالحزن نوعاً ما.
خصم سلطة رام الله رواتب الموظفين وقطع مستحقات العائلات المستفيدة من الشؤون الاجتماعية إضافة إلى قطع رواتب الأسرى ألقى بظلاله سلباً مما تضرر الاقتصاد وافتقدت الأسواق المشترين.
ويُعاني قطاع غزة من ارتفاع معدلات الفقر والبطالة بشكل ملحوظ خلال السنوات العشر الأخيرة، لكن ذلك لم يمنع المواطنين من التجهز لفرحة العيد بشراء ما يقرون عليه من الكعك والفسيخ والحلوى والمكسرات أو شراء الملابس.
وترى أحد الموطنين "أبو محمد" في مخيم البريج ينصب أرجوحة أمام منزله ليسترزق منها ويرسم الفرحة على شفاه الأطفال والمحرومين، رغم أنه موظف سلطة إلا أنه مخصوم نسبة مرتفعة من راتبه.
ويقول لـ "فلسطين الآن": "إن الأرجوحة ترسم البسمة على وجوه الأطفال خاصة أنها لا تُكلفهم شيئًا فقط نصف شيكل يستمتعون فيها لخمسة دقائق".
وهنا في وسط قطاع غزة، حيث المخيمات التي تبوح بوجع اللاجئ المهجر من بلاده تجد الأهالي على بساطتهم وعفويتهم يفرحون وإن كانت الفرحة منقوصة ليست كالأعوام الماضية.
وفي أزقة المخيم وما إن تمر بحي من أحيائه حتى تشتم رائحة كعك العيد تملئ الأفق، وفي آخر 4 أيام من رمضان قررت الحاجة "أم وديع" أن تصنع كعك العيد والتي وفرت تكلفته من مستحقات الشؤون الاجتماعية التي حصلت عليها.
وتؤكد أم وديع أنه لا فرحة ولا بهجة للعيد دون أن تتزين الموائد بالكعك والحلوى لإكرام العايدين، منوهةً إلى أن ذلك طقس موسمى لا يمكن إغفاله في العيد المبارك.
وبرفقة زوجات أبناءها الثلاثة صنعت الستينية 6 كيلو من الكعك بأشكال وزينة مختلفة، وتشير إلى الطابع الخاص الممزوج بالروح والألفة قبل كل عيد بالاجتماع سوياً لصناعة الكعك بمشاركة الجميع.
وكما البيوت تتزين، تجد الشاب عبد الفتاح الخالدي يزيّن محل البيع الخاص به بأصناف الألعاب تحضيراً للعيد، وتشغيل أغاني العيد لجلب الأطفال للشراء.
ويشتكي عبد الفتاح من ضعف الإقبال من المشترين نظراً لسوء أوضاعهم الاقتصادية لكنه يرى أنه لا مجال في العيد للأطفال إلا أن يشتروا الألعاب ولو رخيصة الثمن.
ويؤكد الشاب الثلاثيني أن شهر رمضان المبارك والأعياد هي المواسم التي يجني بها رزقته طوال العام، وغير ذلك يظل محله خاملاً يقل فيه المشترين.
ومن جانب آخر، يذهب المواطن أبو إبراهيم السيد إلى السوق لشراء سمك الفسيخ لأسرته وبعض الحلوى، بعد أن حصل على 200 شيكل من البنك الوطني الإسلامي.
ويقول أبو إبراهيم لـ "فلسطين الآن" :" إن مطالب عائلتي كثيرة وما يتوفر معي من نقود قليلة لا يوفي احتياجاتهم ولا حتى عيديات لأطفال"، لافتاً إلى أن تلبية الاحتياجات الضرورية التي تضمن سد جوع أطفاله وعائلته أهم من أية مظاهر أخرى.
وبينما يتصبب المواطن أبو إبراهيم عرقاً جراء الحر الشديد، ترى ملامح الحزن على محياه، فقلة ذات اليد وكرامته منعته من سؤال الناس أو الطلب منهم، لكنه يشتكي إلى الله ضيق حاله وأسرته.
في المقابل تنظر إلى إحدى العائلات الفقيرة حيث الأم وثلاثة من أطفاله ذاهبة للسوق لتشتري لهم ملابس العيد بعد أن وصلتهم أموال الزكاة من أهل الخير.
وعند سؤالنا للأم والتي تُدعى "أم كريم" عما يجول في خاطرها قبل العيد، بيّنت أن فرحة لا توصف غمرتها وأطفالها بعد أن حصلوا على المال ليشتروا ما يفرحهم في العيد، قائلةً :" أن نفرح متأخراً قبل العيد بساعات خير من ألا نفرح أبدا".
وتلخص تلك المشاهد حال الغزيين وبساطة أحلامهم في حياة كريمة لا ترتقى إلا بتوفير الحاجات الأساسية ورسم الفرحة عن شفاه أطفالها الذين حرموا من أبسط حقوقهم كباقي أطفال العالم، لكن صرخات آلاف المحرومين تشكو إلى الله ظلم أبناء جلدتنا الذين حابوا الناس في قوت عيالهم وضايقوا غزة وأهلها.