عَلَى السّريرِ الأبيضِ الذي يحملُ سوادَ الذّكرياتِ، يمكثُ عبقُ الإرادة، ونسماتُ العزيمة، وقلبٌ من الإصرارِ عصيٌ على التّحطيمِ، يدٌ ممدودةٌ موصولةٌ بمحلولٍ يُنذرُ بالمرضِ ويُبشّرُ بالألمِ، قلمٌ يكتبُ عينٌ تقرأُ فؤاد ينبضُ بالنّجاحِ، وقدمانِ متعبتانِ تخطّت حواجزَ الحياةِ وعثراتها رغمَ العجزِ والحِرمانِ.
دقّت ساعةُ الصّفر، وجيءَ بالامتحاناتِ إلى حيثُ المستشفى، لتبدأ معركةٌ جديدةٌ من معاركِ الحياةِ القاسيةِ، وردةٌ تتحدّى شوكَ الصعوباتِ، وتمضِي تبعثُ الأملَ في نفوسِ اليائسين البائسين المستسلمين في وطنٍ مليءٍ بالهمومِ والأوجاعِ، ففاحَ عطرُ النّجاحِ، وانطلقت زغاريدُ الأفراحِ، رغمَ المرضِ والتّعب في زنزانة السّرير الأبيضِ.
بيدين صغيرتين ترسمُ خارطةَ الوصولِ لبرّ الأمان، تجتازُ سؤالًا من بعدِ سؤالٍ، تبتسمُ في وجه كل من ساندَها في محنتها من أهلٍ ومدرساتٍ وزميلاتٍ، كأنّها رسالةٌ شكرٍ أبلغُ من ألف كلمةٍ وكلمةٍ، وكفان يدعوان مليئات برسائلٍ نحوَ السّماءِ، إلى الرّحمنِ الرّحيم.
وجاءَ الحصادُ
وتمرّ الأيامُ وجاءَ وقتُ الحصادِ، وأوتي بالنتائجِ، وكانتْ وردة ضمن قوافل الناجحين، بكتْ فرحًا، بكت أملًا، ثم تبسّمت ونظرت عاليًا، بأن أولى خُطوات الانتصار على المرضِ قد دقّت أجراسُها، فقد حصلت على 70%، رغم كل الظروف العاتية والمريرة التي مرّت بها في حياتِها، وتنقلها في علاجِها، من مستشفى في تل الرّبيع، إلى فحوصاتٍ دوريةٍّ وغير دوريةٍ أنهكت جسدَها النّحيل.
في بيتٍ يعودُ لعائلة بسيطةٍ، تقطنُ المواصي الساحلية غربي محافظة خانيونس، جنوب قطاع غزة، من هذا المكان البسيط، غُرست وردة وتفتّحت أوراق نجاحها، رغم إصابتها بسرطانٍ في العدد اللمفاوية، وقدّمت امتحانات الثانوية العامّة على سريرِ المرضِ في المستشفى، إضافة إلى إصابتها في ورمٍ في قدمها وأجرت أكثر من 20 عمليةٍ، لكنّها تقدّمت في سفينةِ مجدها، وعبرت إلى برّ النّجاةِ والأمانِ.
"عانيتُ كثيرًا، ظروفٌ صعبة، مكوثي في المستشفى لمدة طويلةٍ، تحديتُ من أجلي وأجل أهلي وناسي، كافحتُ من أجل الوصول، رغم مرضي بالسرطانِ وورم في قدمي، إلا أنني أبيت إلا أنجح من أجل أمي وأبي وإخواني، وأن أكون درسًا لكثيٍر من الناس" بدأت وردة الأغا حديثها لـ "فلسطين الآن".
" سأواصل طريقِي وسأحقق هدفي بإذن اللهِ وسأدرس الصحافة والإعلام لأوصل معاناتي ومعاناة شعبي إلى كل العالم، وأكون منبرًا للحق وللمظلومين من أبناء شعبي، وأفضح جرائم الاحتلال الإسرائيلي" تواصلُ وردةٌ حديثها.
رسالةُ أملٍ
" إنني سأقاتلُ حتّى الرّمقِ الأخيرِ في جبهاتِ الحياةِ كافة، في علاجي وفي دراستي، لن تثنيني الجراحاتُ والآلامُ والآهات والأحزان، سأمضي بخطواتٍ ثابتة بإذن الله" تتابعُ.
" رسالتي لكل أقراني، امضُوا في هذه الحياةِ بكل عزيمةٍ وإرادة، قاتلوا، استبسلوا في طريقِ العز والنّجاح، ثابرُوا، وكونوا أقوياء، ولا تنسوني من دعواتكم" تختمُ وردة حديثها لـ "فلسطين الآن".
وتأبى الوردةُ العطرةِ إلا أن ترسلَ أريجَ الأملِ إلى كل الدنيا، لتذكي قلوبَ المعذبين والمكلومين، لتقولَ أن المستحيل لا يوجدُ إلا في قاموس الضّعفاء، فعليكم أن تكونُوا جبالًا راسياتٍ في وجه عواصفِ الحياةِ لا تهزّكم المصائبُ ولا تثبطكم عثراتُ الحياةِ وأوجاعُها.