عندما يتتابع الفقد يتتابع الألم ويتضاعف وتزداد أوجاعه وتكاليفه، لأيتام قطاع غزة الذين فقدوا عصب الحياة وشريانها الأب، لتتفاوت سنوات معاناتهم في غياب المعيل والسند في تكاليف الحياة، ليأتي توقف المانحين عن تقديم كفالاتهم ومساعداتهم لهؤلاء الأيتام فقدًا جديدًا ويتمًا آخرًا في حياتهم بعد أن كانت تسد رمقًا يسيرًا من معيشتهم وتكاليفها.

توقف كفالات الأيتام في ظل الحصار الشديد المتواصل على قطاع غزة وانعدام فرص العمل واشتداد أزمات الضرورات الحياتية كالكهرباء، جعل مهمة رعاية الأم الأرملة لأبنائها الأيتام صعبة جدًا زادت عبأها وهمومها في توفير مستلزمات حياتهم المعيشية والتعليمية والصحية والعلاجية.

قطع يفاقم المعاناة

الأرملة أم أحمد التي ترعى ستة من الأيتام منذ سبع سنوات من سكان مدينة رفح جنوب قطاع غزة، تحدثت لـ"فلسطين الآن" والهموم والغموم تملأ نفسها، وهي تحمل هم معيشة أبنائها بعد أن فقدوا والدهم وسندهم ومعيلهم.

وتعد مشكلة التعليم وإكمال مشواره حتى الجامعة أكبر هاجس يطارد أم أحمد في ظل انقطاع الكفالات عنها وعن أبنائها منذ أكثر من ثلاث سنوات كما أفادت، خاصة وأن أبناءها من المتميزين في دراستهم ويحصلون على درجات متفوقة، وترعى اثنين منهم في الجامعة وثالث سيتقدم للثانوية العامة هذا العام، مما يشكل عبئًا كبيرًا عليها.

وطالبت الأرملة "بالنظر إلى أبنائنا بعين العطف والرحمة في ظل الظروف التي يعيشها القطاع والحصار، حيث توقفت الكفالات منذ فترة طويلة ونحن بحاجة ماسة إليها من أجل تعليم أبنائنا وسداد حاجاتهم الصحية والمعيشية والعلاجية"، مؤكدة أن انقطاع الكفالات أثر عليها بشكل كبير جدًا أمام تكاليف الحياة المعيشية وتكاليف الدراسة الجامعية.

كما وناشدت بضرورة إعادة هذه الكفالات للأيتام ومساعدة الشعب الفلسطيني خصوصا قطاع غزة الذي يعيش في حصار وأزمات وحروب في ظل فقدان الأب والمعيل وانعدام فرص العمل، متسائلة "من لهؤلاء الأطفال والشباب في ظل هذه الظروف؟، ومن لمساعدة الأم الأرملة التي ترعى هؤلاء الأبناء؟".

وتطرقت أم أحمد بنداء إلى الدول المانحة والمؤسسات الداعمة ألا تتوقف كفالاتها خصوصًا عندما يصل اليتيم إلى عمر 18 عامًا، مشيرة أن اليتيم في هذه الفترة يكون بأمس الحاجة إلى الكفالة في تأمين مستقبلة ودراسته الجامعية ومتطلباته المعيشية.

5 آلاف كفالة توقف برفح

ومن جانبها أوضحت مديرة قسم الأيتام بالجمعية الإسلامية برفح سعاد أبو طاقية بأن عدد الأيتام في مدينة رفح يزيد عن 3 آلاف يتيم يقابلهم مثلهم من النساء الأرامل، مشيرة أن الأعداد دومًا في ازدياد.

وأفادت أبو طاقية أن حوالي 5 آلاف كفالة قطعت وتوقفت منذ أكثر من ثلاث سنوات عن أيتام مدينة رفح، كانت تقدم لهم من قبل جهات مانحة وتساعدهم على تخطي مصاعب الحياة وتخطي مسيرتهم التعليمية ورسالتهم المعيشية والأخذ بأيديهم لبر الأمان.

وعدت أن "توقف الكفالات وتوقف الجهات الداعمة عن دعم الأيتام والأرامل كقطع شريان الحياة عن الإنسان أي يؤدي به إلى الموت، فكم من أم أيتام بنت آمال تدريس أبناءها على هذه الكفالات والآن هم في منتصف الطريق، فلا هم يكملون ولا هم يجدون من يقف إلى جانبهم".

وأضافت "من أمهات الأيتام من وفرت لأبنائها سكنا تؤويهم في حين لم يكن لهم سكن أصلا، واستدانت الكثير من الأموال فمن أين تسد هذه الأموال؟، أم يجرجر بها إلها المحاكم ويؤخذ بأيدي الأيتام إلى الهلاك والضياع؟".

وتابعت متسائلة: "لا ندري اليوم بأي ذنب توأد هذه الكفالات وهل هي سياسة ممنهجة لتجويع هذا الشعب وتشديد الحصار عليه؟، ولماذا تستهدف هذه الفئة التي أصبحت تشكل شطر المجتمع الذي هو أصلا محاصر ومجوع وتغيب عنه فرص العمل والكثير من الخدمات الحياتية اللازمة؟، وإلي تذهب أمهات الأيتام خاصة في ظل عدم وجود فرص عمل لهذه الأم التي تعاني مع هذه الأسرة؟".

وطالبت العالم بأسره وكل الجهات المانحة التي كانت تدعم هؤلاء الأيتام واليوم تتوقفت أن تعود لدعمها بنظرة يستحقها الشعب الفلسطيني المرابط على أرض المقدس، وناشدت كل من توقفوا عن دعم الأيتام والأرامل أن يعودوا في دعمهم "لأن الأيتام والأرامل في منتصف الطريق وهم بحاجة لمن يدعمهم ليكملوا الطريق".

وختمت بقولها: "إذا كان الشعب الفلسطيني محاصر والشعب الغزي محاصر فإن الأيتام أشد حصارًا لأنهم فقدوا عمود الحياة وهو الأب وأصبحت الأم تقوم عليه من جميع الجوانب، فمن يدعم الأم لتصل بأبنائها وبناتها إلى بر الأمان؟".