لم يستسلم الشاب محمود أبو دغش (25 عاماً) لمرض هشاشة العظام الذي أصابه منذ الصغر، ولا للعملية الجراحية التي حولته مقعدا لا يتحرك إلا على كرسي بعجلات، فقرر تحدي أوضاعه بكل ما يقع بين يديه من اقلام وألوان ليرسم ألواحا متعددة بخامات مختلفة حتى تمكن من استكمال تشكيلة هيئته لافتتاح معرض للفن التشكيلي.

وافتتح المعرض الذي اختار ابو دغش أن يسميه بالمعنى الذي بثته هذه اللوحات في نفسيته "حياة" في مدينة البيرة، حتى يتسنى لكل من أراد أن يشاهد هذه اللوحات من ذوي الاحتياجات الخاصة وغيرهم كونها مهيئة بممرات لذوي الاحتياجات الخاصة، وكونها في منتصف المدينة.

وعلى مدار ثلاثة أيام لاقى المعرض رواجا كبيرا بين زملائه الفنانين من ذوي الاعاقة وغيرهم، وفتح محمود أفقا لكل من فقد الأمل في التميز بتحديه للعديد من المعيقات التي واجهته.

أخبار ذات صلة

أبو عبيدة: بطولات مجاهدينا شمال القطاع نموذج ملهم لكل أحرار العالم

إعاقتي لن توقف تقدمي في الحياة

واندمج اسم لوحته "حياة" مع اسم معرضه وتفاصيل مر بها في مسيرته، وتحدث أبو دغش لـ"فلسطين الآن" ‏قائلاَ:"ولدت ومعي مرض هشاشة عظام، أجريت العديد من العمليات الجراحية، حتى وصلت الصف الأول الثانوي، أجريت عملية لم تنجح واقعدتني على هذا الكرسي، أنا مقعد تماما منذ اكثر من سبع سنوات الآن، ولكني رسمت لوحاتي التي عكست قراراتي ان لا يُوقف تَوَقُف اقدامي عن الحركة تقدُمي في الحياة".

وأضاف قائلا:" اليوم يتحقق حلم راودني على مدار سنوات، كنت اتطلع لهذا اليوم دائما الذي أتمكن فيه من عرض لوحاتي بدلا من ابقائها مكدسة فوق بعضها في حجرتي".

وبدأ محمود جولاته التفقدية على اللوحات قبل افتتاح المعرض بساعتين، تحرك على كرسيه من لوحة إلى آخر، وتأكد من تناسق اللوحات المتجاورة في المعرض، ينظر لعيون المارة بانتظام ممن اعطوه بوادر الاعجاب أو عدمه.

التنقل بين لوحات محمود أعطت تسلسلا قصصيا لم يروه بالكلمات، عبر عنه بالريشة والقلم،

وظهر ذلك واضحا في لوحتين تجاورتا في المعرض، الأولى كانت له قبل الاصابة بالمرض في عمر لم يتجاوز العامين، لَوَنَها محمود بألوان مختلفة بتناسق مُبهج وألوان مفعمة بالنشاط كالبرتقالي والأحمر، مستخدما الألوان المائية، أما الصورة المجاورة رسم مُقعدا على كرسي بعجلات في صف مدرسي، مستخدما حبر الأقلام الجافة فيها.

لوحات على مستوى عالي

تجاربه الفنية في الوسط لاقت اعجابا من فنانين ومن وزارة الثقافة، التي قدمت له دعما لإيمانها بأن لوحاته ستعكس صورة الفنان الفلسطيني دُوليا بغض النظر عن وضعه الصحي، فحضر افتتاح معرضه الثاني وزير الثقافة الدكتور ايهاب بسيسو، وعدد كبير من الفنانين الذين أبدو اهتماماً بالغا بلوحاته، وطالبوا بوضع خطة للوحات محمود للتنقل إلى مختلف المحافظات.

تقول مديرة الفن التشكشلي في وزارة الثقافة حنان حرز الله: "منذ عام بدأنا مع محمود، تحلى بكل الأخلاق الفنية وتَحَملَ مسؤولية اهتمام الوزارة به، اتقن معرضه الأول، واستخدم كل ما قدمناه له من أدوات، وها هو اليوم يبرهن مسؤوليته العالية بما يُقدم له، وانتج لوحات على مستوى عالي، وانتقى مواضيع تهم المواطن الفلسطيني".

وتضيف:" أولى محمود اهتماماً بالغا بالمرأة الفلسطينية، فعبر عن احلام النساء الفلسطينيات، فرسم الكوفية والنكبة وحلم العودة، وتمكن من رسم الرموز الوطنية مثل الشيخ احمد ياسين باستخدام أبسط الأدوات المختلفة، أهمها قلم الحبر الجاف الذي أبدع به إلى أقصى حد".

يأمل محمود أن تكون هذه البدابة فقط بالنسبة له، ويسعى إلى نقل لوحاته التي تعبر عن الروح الفلسطينية وعن روح الفنان ذو الاعاقة إلى معارض دولية، ويؤكد بمقولته التي رفعها شعارا له عن ضرورة الاستمرار وعدم فقدان الأمل قائلاً:" استمر في تحقيق أحلامك رغم كل المُعيقات واصنع لنفسك عالمك الخاص".

وتشير بيانات الجهاز الفلسطيني للإحصاء المركزي أن أعداد ذوي الإعاقة وصلت إلى حوالي 113 ألف فرد، أي 2.7% من مجمل السكان منهم 75 ألف في الضفة الغربية، يشكلون 2.9% من مجمل السكان في الضفة الغربية، وحوالي 38 ألف في قطاع غزة، أي 2.4% من مجمل السكان في قطاع غزة، كما بلغت نسبة الإعاقة بين الذكور 2.9% مقابل 2.5% بين الإناث.