تتناثر على التلال القاحلة في المساحة الممتدة من القدس إلى البحر الميت خيام بدو وأغنام تجول حولها لتعطي السكان والزائرين لمحة عن شكل الأرض المقدسة في العصور القديمة. تبدو المخيمات بما تحويه من حظائر للماشية وصهاريج مياه وجرارات زراعية أكثر شبها بعزب بدائية. لكن التراث البدوي يتلاشى تدريجيا حيث تزيل سلطات الاحتلال المخيمات لإفساح المجال لتوسع المستوطنات "ذات الطابع الحضري". ويقول بدو فلسطينيون إنهم يجبرون على التخلي عن كثير من أساليب حياتهم التقليدية التي تعتمد على الأرض والماشية والخيام. وأصبحت جميعها أهدافا للقيود الصهيونية. وقال محمد قرشان وهو من أبناء عشيرة الجهالين التي تسكن في منطقة الخان الأحمر "أسلوب حياتنا يعتمد على القدرة على التنقل والعيش في خيام متناثرة على مساحات كبيرة من الأرض وتربية الماشية وهو ما نحب أن نعمله". واستطرد "السلطات الإسرائيلية لا تفهم أسلوب حياتنا". كان قرشان يجلس أمام خيمته المقامة على دعائم خشبية بينما يغطي أرضيتها الصخرية بساط كثيف. وتزعم حكومة الاحتلال أن خيام البدو مقامة بشكل غير قانوني ولم تحصل على تصاريح وتكون أحيانا عقبة في سبيل التخطيط الحضري. وفي المناطق الأبعد في الضفة الغربية المحتلة يقوم جيش الاحتلال بإجلاء البدو ويقول إنهم :"يتجولون في مدى مناطق للتدريب بالذخيرة الحية". ويقول منتقدون إن هذه :"مجرد مبررات لسرقة الأرض"، والبدو في المرتفعات الواقعة إلى الشرق من القدس ليست لديهم مياه جارية ولا شبكة كهرباء ولا منشآت طبية ولا صرف صحي في مجتمعات الخيام التي يعيشون فيها. إنهم يعتمدون على النيران في الخلاء وصهاريج المياه. ويتجول الماعز والخراف والأطفال الحفاة تحت الشمس المحرقة في شهور الصيف أو شهور الشتاء القصير والقارص. وينحدر أبناء عشيرة الجهالين من نازحين جاءوا أصلا من قرية قرب بئر السبع بعد احتلال فلسطين عام 1948م. وتقول وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين إن ما يقرب من (17) ألف بدوي يعيشون في الضفة الغربية المحتلة. ويكافح معظمهم قيود الاحتلال المفروضة على حرية تنقلهم وحرية وصولهم إلى المراعي التي تقع فيما يعرف بالمنطقة (ج) حيث تحتفظ سلطات الاحتلال بسلطة على التخطيط وتقسيم المناطق. ويعيش عشرات آلاف من البدو الآخرين في (إسرائيل). ويشكون كذلك من التمييز ويقولون إن المسؤولين "الإسرائيليين" يريدون :"إخراجهم من أرضهم ويدفعونهم للعيش في مناطق حضرية تتعارض مع عاداتهم". وتفوح رائحة القمامة في قرية الجبل على أطراف مستودع القمامة في أبو ديس. ولا تتوقف الضوضاء التي تحدثها سيارات نقل القمامة التي تحمل المخلفات من القدس القريبة لتفرغها في الأرض الفضاء. ونقلت قوات الاحتلال قسرا حوالي (1050) فلسطينياً من بدو الجهالين إلى هذه المنطقة أواخر التسعينيات بعد أن أخرجتهم من أرض ضمتها لمستوطنة "معاليه أدوميم". "وتم تعويض الرعاة ماليا عن نقلهم من الأرض بموجب أحكام قضائية وبتوصيل شبكات الكهرباء والمياه". لكن حياتهم كبدو انتهت وتعين عليهم بيع معظم ما لديهم من ماشية. ووافقت حكومة الاحتلال في عام 2006 على خطة أخرى لإعادة توطين نحو 20 تجمعا بدويا آخر بينهم حوالي (2400) من عشيرة الجهالين من التلال الصخرية القريبة إلى موقع أقرب إلى مستودع القمامة. وقال داود الجهالين من سكان الخان الأحمر وهو أحد التجمعات المقرر نقلها :"أفضل الموت على العيش في منطقة مغلقة مملوءة بالقمامة". ويشير محامون إلى أن الخطة التي تأجلت طوال سنوات قد تنفذ في أي وقت. ويضيفون أنه لم تجر استشارة السكان البدو ولم يعرض عليهم أي تعويض. وقال شلومو ليكر وهو محام صهيوني يمثل البدو :"إنها خطة جرت المصادقة عليها بالفعل ونخشى من أنها قد تنفذ إذا لاحت فرصة سياسية". وقدم البدو التماسا لوقف الخطة ودفعوا بأن الموقع المقترح لنقلهم لا يصلح لسكن البشر. وزعم جاي انبار وهو متحدث باسم ما تسمى الإدارة المدنية إن البدو "يعيشون في المنطقة بطريقة غير مشروعة ودون خطة للبناء". وأضاف "نقلهم إلى منطقة مستودع القمامة أحد الخيارات. ندرس الوضع البيئي للمنطقة ومستويات التلوث في الهواء. الفكرة هنا هي نقلهم إلى مكان يقيمون فيه بصورة قانونية" حسب قوله. وتقول وزارة البيئة الصهيونية إنه من المقرر إغلاق المستودع الذي يستقبل يوميا ما يزيد على ألف طن من القمامة العام المقبل في إطار خطة عامة على مستوى البلاد لإغلاق مستودعات القمامة لأغراض بيئية. وعدت جماعات حقوقية تهجير البدو جزء من خطة سياسية أكبر تستهدف بناء (3900) وحدة جديدة للمستوطنين على مساحة من الأرض يطلق عليها اسم (شرق 1) وهو الاسم الذي تطلقه الإدارة على مساحة ما يقرب من ثلاثة آلاف فدان شمال شرقي القدس وإلى الغرب من مستوطنة "معاليه أدوميم". وقال ليكر "الغرض الوحيد من نقل تجمع البدو بالنسبة لـ(إسرائيل) هو إخلاء المنطقة من الفلسطينيين لإفساح المجال لبناء مزيد من المستوطنات". لكن "خطة الإسكان التي تستهدف إقامة تواصل حضري يهودي بين معاليه أدوميم والقدس" مؤجلة بسبب اعتراضات قوية من الولايات المتحدة التي حذّرت من أنها ستقوض فرص إقامة دولة فلسطينية تتوافر لها مقومات البقاء. ويعيش نحو (311) ألف مستوطن في الضفة ويعيش (200 )ألف آخرون في أراضٍ في القدس الشرقية جرى ضمها (لإسرائيل) في خطوة لا يعترف بها المجتمع الدولي. وتعتبر المستوطنات غير قانونية بموجب القانون الدولي وهو ما تنازعه (إسرائيل). ومعاليه أدوميم هي ثالث أكبر مستوطنة ويعيش فيها نحو( 38) ألف مستوطن. وقال مسؤول صهيوني رفض الكشف عن اسمه :"نريد أن نبني في "شرق 1" لكننا قررنا تأجيل ذلك خشية أن يؤثر على عملية السلام". وأوضحت"جماعة السلام الآن الإسرائيلية" المناهضة للاستيطان إن البنية الأساسية لمشروع "شرق 1" التي اقترحتها وزارة الإسكان ووافقت عليها الحكومة وتشمل مركزا للشرطة وشبكة طرق وإنارة للشوارع أنشئت كلها بالفعل. وتقول جمعية "عير عميم" الإسرائيلية الحقوقية إن نقل البدو مجرد مرحلة من مراحل خطة ستدمر أي إمكانية في المستقبل لإقامة دولة فلسطينية تتمتع بتواصل جغرافي عن طريق عزل القدس الشرقية عن بقية الضفة الغربية.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.