أجواء خريفية بامتياز، أضفت مزيدا من الأجواء الروحانية على القاطنين على قمة جبل جرزيم في نابلس، المكان المقدس للطائفة السامرية أصغر طائفة دينية في العالم، وهم يحتفلون بعيد العُرش، وهو ذكرى اليوم الذي خرج فيه بنو "إسرائيل" من مصر، وتحرروا من عبودية فرعون.
في بيت الكاهن الأكبر عبد الله واصف، يتدلى من سقف الغرفة "العُرش" الذي يضم أنواعا من ثمر الحقل وتحديدا الحمضيات، وفوقها سعف النخيل وأغصان الغار.
يقول "عيد العرش يخلد ذكرى خروج بني "إسرائيل" من مصر والتيه بصحراء سيناء تحت أشعة الشمس الحارقة، حيث وقاهم الله بغيوم تحميهم أشعة الشمس"، مشيرا إلى أن الله تعالى طالب بني "إسرائيل" صناعة العرش عند وصولهم للأراضي المقدسة (فلسطين)".
ويمضي ساردا تلك القصة الموثقة في شريعتهم "الله تعالى طلب من بني إسرائيل صناعة العرش من هذه الأصناف لكي يتعرفوا على مختلف مناطق الأراضي المقدسة، حيث أن هذه المكونات لا تتوفر بمكان جغرافي وحيد".
وتابع "اختيار الله لأربعة أصناف كان من أجل التعرف إلى الأرض، فمثلاً يتم احضار السعف من الأغوار وشجر الغار من الشمال، وثمر الواد ينتشر في كل أرض فلسطين، وهذه العبرة، فالعبادة تحتاج مجهودًا".
ويرمز عيد العُرش أو "المظلة" إلى ذكرى سكن بني "إسرائيل" في المدينة المصرية "العريش" التي سميت نسبة للعّرش، وقد كانوا يسكنون هناك في العرائش، وأيضا ذكرى عمودي النور والضباب اللذين كانا يظللان بني "إسرائيل" في البرية ليلا ونهارا على التوالي.
علاقات طيبة بالمحيط
ويبلغ تعداد أبناء الطائفة أقل من 800 نسمة، وتسكن على قمة جبل جرزيم بنابلس، وبمدينة حولون بـ"إسرائيل".
وعلى مدى مئات السنين عاش السامريون كجزء أصيل من الشعب الفلسطيني، دون أي تمييز مطلقا.
وتوجد في نابلس حي سمّي باسمهم "حارة السمرة"، ما يعكس مدى الانسجام والترابط الذي يعيشه المجتمع الفلسطيني.
ففي منزلها، تستقبل الزميلة الصحفية بدوية السامري المهنئين بالعيد، في مشهد يعكس روح التعايش والالفة بين أبناء الشعب الفلسطيني الواحد.
تقول "نمضي أيام العيد تحت العّرش.. نأكل ونشرب ونستقبل الضيوف، ونسهر في الليل".
ويحتاج السامريون ليومين من العمل الجاد لتعليق العُرش، ويبقى كذلك طيلة أيام العيد السبعة.
تتابع "فعلا عمل العريشة وتعليقها ممتع رغم صعوبته.. لكنها بعد أن تجهز تشعرنا بالأمن والفرحة".
وعن السلوك خلال فترة العيد، توضح بدوية أن أول يوم يكون للخروج إلى الحج على قمة جرزيم وأداء صلاة تستمر مدة ست ساعات متواصلة، وبعد ذلك تبدأ عمليات تبادل الزيارات، إذ يرتدي الرجال اللباس الأبيض وغطاء الرأس ودون أحذية، ويضعون أحزمة على الخصر، ويكون الإنسان طاهر التفكير كما هو اللباس في هذا العيد، وبعد النزول عن الجبل يتوافد أهل حولون للمشاركة في هذا العيد.
الهوية الإسرائيلية
كونهم طائفة أقلية فقد منحوا الهوية الإسرائيلية من دون أن يتنازلوا عن هويتهم أو جنسيتهم الفلسطينية، وهو ما اشترطه عليهم الاحتلال في البداية لكنهم رفضوا ذلك، كما يحملون الجنسية الأردنية أيضا.
لم يسلم السامريون من مضايقات الاحتلال الإسرائيلي لهم، فهو يقسم منطقة سكناهم (جبل جرزيم) حسب اتفاق أوسلو (A ,B,C)، كما تغلق سلطات السياحة الإسرائيلية المنطقة المرتفعة من جبل جرزيم "قلعة العالم" التي يحجون إليها ويؤدون طقوسهم وشعائرهم الدينية، وتقوم سلطات الاحتلال بالتنقيب عن الآثار هناك منذ عشرات السنين سعيا منها لمحو ما يؤكد قدسية جبل جرزيم بالنسبة لبني "إسرائيل" وليس مدينة القدس.
من هي السامرية
وتقوم ديانة السامريين حسب توضيح كهنتها على خمسة أركان وهي الإيمان بوحدانية الله، ونبوة موسى عليه السلام، ويقدسون خمسة أسفارٍ في التوراة، كما ويقدسون جبل جرزيم كقبلةٍ لطقوسهم ومعتقداتهم، ويؤمنون بوجود يومٍ للحساب كذلك.
ويختلف السامريون مع اليهود في عقيدتهم التي تختص بالمكان المقدس، فهم لا يعتبرون القدس قبلتهم، كما يؤكد كهنتهم ومنهم الكاهن حسني السامري على أن لديهم أقدم نسخة من التوراة ويصل عمرها إلى ما يزيد عن 2500 سنة، ويؤمنون أن الكاهن ابن هارون شقيق موسى عليه السلام هو من كتبها.
ويقدس السامريون يوم السبت بشكلٍ خاص، وينقطعون فيه عن العالم أجمع، فلا يغادرون بيوتهم، ويؤدون صلواتٍ خاصة بهذا اليوم.
ويؤكد كهنة الطائفة السامرية على أمرٍ واحد، وهو أنهم كانوا شعباً واحداً قديماً وبعد موت النبي سليمان انقسموا، فباتوا يطلقون على أنفسهم أبناء "إسرائيل"، فكهنتهم يؤكدون على أنهم لم يخرجوا من فلسطين كما فعل اليهود.
ويحتفل السامريون بسبعة أعياد هي الفصح وعيد أكل الخبز العويس وعيد رأس السنة وعيد الحصاد وعيد الغفران وعيد العرش وعيد شموني "فرحة التوارة".
ويعتقد السامريون أنهم يملكون النسخة الأصلية للتوراة، التي يعود تاريخها إلى ما يزيد عن 3600 عام ومكتوبة على جلد غزال، ويؤمنون بخمسة أسفار من التوراة، ويقدسون جبل جرزيم بنابلس.