كان شهر أكتوبر الماضي صعبا جدا على عائلة حمارشة القاطنة في بلدة يعبد جنوب جنين، ففي بدايته اعتقل الاحتلال نجلهم الأصغر أنس، ابن السبعة عشر ربيعا، وفي نهايته لحقه شقيقه الأكبر عمر.
ومع هذا، فالسجن والاعتقالات ليست غريبة على الأسرة الصابرة المجاهدة، فالأب هو الأسير المحرر القيادي في حركة حماس عدنان حمارشة، الذي أمضى حتى الآن ما مجموعه 12 عاما في السجون الإسرائيلية على فترات عدة، وكذلك الأم ريم حمارشة، عانت من ويلات السجون، إذ أمضت ثمانية أشهر بعيدة عن عائلتها، وترافق حينها اعتقال الوالدين معا، وكان ذلك عام 2014.
صدمة كبيرة
تقول الأم أم عمر "لم يكن غريبا اقتحام الجيش الإسرائيلي ليلة السابع من الشهر الماضي بيتنا، فنحن معتادين على ذلك.. لدرجة أن زوجي عدنان حمارشة -الذي يعاني من اعاقة حركية بسبب إصابته بجلطة خلال إحدى اعتقالاته قبل عدة سنوات-، جهز نفسه، هنا كانت لمفاجأة أن الضابط الاحتلالي المسئول أبلغنا أن المطلوب للاعتقال هذه المرة هو ابننا الصغير أنس".
تتابع "هذه المرة اختلفت عن سابقاتها، ليس في الهدف فحسب، بل بطريقة الاقتحام الهمجي للمنزل والاعتداء على من فيه.. إذ جرى الاعتقال بطريقة وحشية، حيث قيَّده الجنود وعصبوا عينيه وهددوه بالعقاب ثم فتشوا غرف المنزل التسعة ومهجع أنس بشكل خاص وحقيبته المدرسية".
مرض خطير
تتابع الأم -والدموع تترقرق في عينيها- "ما يُؤرِّقنا ليس غياب أنس وهو في الثانوية العامة، هذه المرحلة الحساسة في حياته، بل أيضا بسبب حالته الصحية الصعبة، فهو يعاني مع مرض نادر أصابه منذ صغره يُعرف بـ(بيرثيز) أي تآكل رأس الفخذين، جراء عدم وصول التغذية اللازمة، ويحتاج لرعاية صحية دائمة تتمثل في العلاج الطبيعي والفحص الأسبوعي".
وتعد هذه المرحلة بالنسبة لأنس حرجة للغاية، فهو يعيش تحت تهديد المرض الذي قد يقوده "لشلل كامل أو جزئي" إذا استمر دون رعاية صحية، وتخشى العائلة من وجود "مُقعد" آخر في المنزل بفعل الاحتلال، كما تخشى ضياع مستقبل نجلها الذي يستعد لتقديم اختبار الثانوية العامة.
تحقيق صعب
وخضع أنس منذ لحظة اعتقاله لتحقيق قاس بمعتقل الجلمة (شمال فلسطين المحتلة)، بتهمة رشق حجارة على المستوطنين قرب بلدته، وبأنه خطر على أمن المنطقة.. وجرى تمديد توقيفه عدة مرات عبر محكمة عسكرية صورية، ومنعت عائلته ومحاميه أو أيا من المؤسسات الحقوقية والإنسانية من زيارته.
وتشير الأم إلى أن الاحتلال كان على دراية كاملة بمرض أنس، وقد أفصحوا عن ذلك عندما جاؤوا لاعتقاله.. "لذا هو يتحمل كامل المسؤولية عن أية تبعات لاعتقال نجلنا ومضاعفات لمرضه، لأنه بحاجة ماسة لعلاج طبيعي وتركيب جهاز في رجله، إضافة لحاجته لطعام خاص ليساعد على نمو العظم".
اعتقال عمر
لم تكد تصحو العائلة المكونة من سبعة أنفار -أكبرهم الزميلة ليلى حمارشة مراسلة فضائية الأقصى- من صدمة اعتقال أنس، حتى فوجئت ظهيرة الثامن والعشرين من أكتوبر باعتقال الاحتلال لابنها الأكبر عمر، خلال عودته من عمله. إذ نصب الاحتلال حاجزا مفاجئا على الطريق الموصل لجنين، وأوقف السيارة التي تقله وجرى نقله لجهة مجهولة، دون إبداء الأسباب.
تقول الأم "في خضم انشغالنا بمتابعة وضع أنس، وخوفنا على حالته من التدهور، جاءنا اتصال بأن الجيش قد اعتقل عمر.. لم يكن بوسعنا فعل شيء، سوى أن ندعو الله لهما بالحرية والثبات، وأن يلتم شمل العائلة من جديد، لكن ما يخفف عنا أن عمر خاض سابقا تجربة الاعتقال".
انتقام متواصل
وترى عائلة حمارشة أن اعتقال أصغر أبنائها وطفلها المريض أنس وبعده عمر يندرج في سياسة العقاب الدائم الذي تقوم به قوات الاحتلال بحقها.
فالأب اعتقل 18 مرة وقضى ما مجموعه 12 عاما بالسجن، وأصيب بالشلل خلال الاعتقال الأخير قبل ثلاث سنوات، كما اعتقلت زوجته ونجله البكر عمر، ولكثرة اقتحام المنزل لم تصلح العائلة بوابته الرئيسية، التي يفجرها الاحتلال دوما خلال اقتحامه للبيت.
شلل الأب
عدنان والد الأسيرين عمر وأنس، أسير محرر يعاني من الشلل النصفي نتيجة تعرضه لجلطة في الرأس، عانى بشدة من الاعتقال الإداري، وقبل الإفراج عنه في بداية العام الحالي صنف كأقدم أسير إداري في سجون الاحتلال.
بدأت قصته مع الاعتقالات في عام 1988، والثانية عام 1994، وحكم عليه بالسجن أربع سنوات وأفرج عنه عام 1999 وأعيد اعتقاله بعد 3 شهور، وتم تحويله للاعتقال الإداري لمدة 6 شهور، وبلغ مجموع سنوات اعتقاله 12 عاما، كان آخرها عام 2016.
وفي عام 2014 اعتقل هو وزوجته ريم حمارشة في اليوم ذاته، أثناء عودتها من الأردن على معبر الكرامة، وحكم عليها بالسجن ثمانية شهور.
ذكريات التحقيق
ويستذكر الأب ما جرى معه خلال التحقيق في شباط 2014، إذ يقول "تعرضت لسلسلة جلطات على الدماغ، ونقلت للمستشفى لمدة يومين، ومن ثم أعادوني للتحقيق رغم سوء حالتي الصحية، وبعد وصولي بساعات أعادوني ثانية للمستشفى، وبقيت يوما فيه، ثم أعادوني للتحقيق وأنا بحالتي: شبه مشلول وشبه فاقد للبصر لمدة أربعين يوما، ولما لم تثبت أية تهمة ضدي أعادوني للاعتقال الإداري لمدة 6 أشهر".
وقد تسبب الاعتقال وحرمانه من العلاج، بإصابته بإعاقة حركية في نصفه السفلي، وفقدان في التوازن، وازدواجية في الرؤية، ما تركه حبيس كرسي متحرك حتى اليوم، وما زال محروماً من السفر لتلقي العلاج.
ويخشى حمارشة أن يعيد الاحتلال مع طفله أنس السيناريو ذاته بتركه بلا علاج حتى يتفاقم وضعه الصحي لا قدر الله، لكون الاحتلال يعرف مسبقاً التبعات الصحية الناتجة عن حرمانه من العلاج.
اعتقال الأطفال
وما يواجهه أنس "غيض من فيض" مما يعيشه الأطفال الأسرى داخل سجون الاحتلال، وفق أمينة الطويل الباحثة بمركز أسرى فلسطين للدراسات الذي أطلق تحذيرات من مغبة استمرار اعتقال الفتى أنس حمارشة بسجن الجلمة المخصص للكبار، وطالب بالإفراج عنه.
وتقول الطويل إن إسرائيل تجاوزت كل المقاييس الإنسانية والقوانين الدولية باعتقال الأطفال والتحقيق معهم دون أدنى حقوق لهم كمرافقة أحد الوالدين أثناء التحقيق والاحتجاز بالأماكن المخصصة للأطفال وإجازة اعتقال من هم دون سن 14 وعرضهم على محاكم عسكرية، علاوة على التعذيب الجسدي والنفسي وممارسة الضغوط عليهم للابتزاز وانتزاع الاعتراف منهم بالترهيب.
وأشارت الطويل إلى أن 350 طفلا فلسطينيا أسيرا موزعين على ثلاثة سجون إسرائيلية ومراكز توقيف، وأن خمسين منهم أو يزيد يعانون من أمراض جسدية ونفسية، وآخرين اعتقلهم الجنود بعد إصابتهم، "وظلوا ينزفون دون تقديم الإسعافات لهم، وبعضهم استشهد".
ومنذ هبة القدس في أكتوبر/تشرين الأول 2015 نفذت إسرائيل -حسب الطويل- ثلاثة آلاف حالة اعتقال بحق الأطفال، ومئتي حالة خلال أحداث الأقصى الأخيرة في يوليو/تموز الماضي.