المذكورة أعلاه هى السيدة نجلاء على، زوجة رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسى وأحمد هو ابنه الأكبر. والتسمية ليست من عندى، ولكننى وقعت عليها ضمن عناوين الصفحة الأولى لإحدى الصحف التى صدرت صباح الخميس الماضى 21/6 (قبل إعلان نتيجة فرز الأصوات). وكان العنوان الذى أبرز على أرضية حمراء كالتالى: ماذا ستفعل الست أم أحمد فى القصر الجمهورى؟ ــ فى الإجابة على السؤال ذكر التقرير المنشور على إحدى الصفحات الداخلية ما يلى: قريبا قد تدخل السيدة الأولى الجديدة إلى قصر الرئاسة وهى ترتدى الخمار. وربما ترفض مصافحة رؤساء الدول الأجنبية مكتفية بإيماءة برأسها أو بانحناءة قصيرة، دون أن تطيل النظر إلى الضيوف. وتظل طوال المراسم وهى تنظر أسفل قدميها. وبالطبع «وقتها» سيتلقى الرئيس الضيف قبلها قصاصة ورقية من موظف كبير فى إدارة المراسم، ترسم له خطوط التعامل مع السيدة الأولى «لا تنظر إليها، ولا تقترب منها لتهمس فى أذنها، ولا تصافحها». وفى التعليق على هذه الصورة ذكرت الصحفية صاحبة التقرير ان أكثر المتشائمين فى طول مصر وعرضها لم يكن يتوقع حدوث هذا السيناريو الكوميدى. سؤال الصفحة الأولى ليس بريئا ولكنه مسكون بالتحقير والازدراء، كأن صاحبه أراد أن يقول لماذا تدخل أمثال السيدة أم أحمد إلى القصر الجمهورى (لاحظ أنه استنكف عن ذكر اسمها الأصلى)، فى تعبير ليس فقط عن العجرفة والاستعلاء الطبقيين وإنما أيضا عن تدنى الأداء المهنى، الذى لا يعرف حدودا للنقد والهجاء، ويبدى استعدادا مدهشا لاستباحة، الآخر المختلف، لمجرد انه مختلف ولا يعجبنا. النموذج الذى بين أيدينا ليس حالة فردية، ولكنه يشكل ظاهرة فى الخطاب الإعلامى المصرى، الذى ترتفع فيه بعض الأصوات منادية باحترام الآخر، لكن عند الاختبار الحقيقى نفاجأ بمثل ذلك الاستعلاء والاحتقار الذى يحط من شأن الآخر ولا يرى بديلا عن اقصائه ومحوه من الوجود إذا أمكن. فى الكلام نبرة استشراقية متعالية، تتعامل مع المتدينين بقرف شديد، وكأنهم من قبيل «الجَرَب» السياسى والاجتماعى الذى يتعين العلاج منه، ولا تعتبر أن مظهرهم ومسلكهم فقط هو المشكلة، وانما ترى أن المشكلة الحقيقية فى أنهم موجودون على ظهر البسيطة. حين ظهرت صورة السيدة نجلاء على بخمارها أو حجابها فى بعض الصحف، لم ترحمها بعض تعليقات شبكة التواصل الاجتماعى. التى ترددت فيها لغة الاستشراق والاستعلاء الطبقى. وقالت إحداها عن قرينة الرئيس أنها لا تشبه نساء مصر ــ وبدا التعليق مضحكا ومحزنا ــ لأن صاحبته لم تدرك أن مظهر كل الأمهات المصريات يكاد لا يختلف فى شىء عن الصورة التى ظهرت بها السيدة نجلاء فى وسائل الإعلام المصرية. ليس الأمر مقصورا على التعالى الطبقى، ولكن الأسوأ منه هو الكراهية الدفينة التى تعتبر المتدينين خصوما أبديين لا سبيل إلى الالتقاء معهم فى أى نقطة. فهم عند البعض ولدوا أشرارا مشوهين عقليا ونفسيا، وسيظلون كذلك إلى يوم الدين، ولا أمل يرجى منهم إلا إذا تخلصوا من «عاهة التدين» التى ابتلوا بها. نشرت إحدى المجلات الثقافية (فى 20/5) حوارا مع إحدى الأديبات سئلت فيه عن إمكانية «التوافق» مع التيارات الإسلامية، فردت قائلة: أنا ضد التوافق مع ما هو ضد العقل، ولا استطيع التوافق مع فكرة مثل جماع الوداع الذى اخترعوه ــ وحين أغلقت الباب فانها اعتبرت التدين ضد العقل، وسخرت من المتدينين بالترويج لكذبة خائبة، الأمر الذى أرجو ألا يبرر لبعض المتعصبين من المتدينين أن يرموا الليبراليين واليساريين بالكفر وتقنين الدعارة والشذوذ الجنسى! استطيع أن أفهم خلفيات تلك الظواهر المرضية التى عبأت النفوس بالمرارات، وجعلت كل طرف لا يرى فى الآخر إلا أسوأ ما فيه. لكننى أزعم أن الجميع أصبحوا مطالبين الآن بتجاوز تلك المرحلة البائسة بعدما استرد الشعب وطنه من غاصبيه، وتعين عليهم أن يصطفوا معا للنهوض بالبلد وإعادة بنائه من جديد. إن ممارسة الاستعلاء الطبقى أو الفكرى والاستسلام للمرارات والاحقاد الدفينة لا يعد جريمة فى حق الآخر فحسب، ولكنه بالدرجة الأولى جريمة فى حق الوطن الذى هو أحوج ما يكون الان لطاقات كل ابنائه بلا استثناء. فى هذا الصدد فليس مطلوبا من أحد أن يتنازل عن رأيه أو موقفه، ولكن المطلوب أمران، أولهما احترام الآخر، وثانيهما إدارة الخلاف على قاعدة من النزاهة والشرف. ذلك أن الأمم تبنى بأخلاق الفرسان، وعزائم المخلصين، ولا تبنيها تخرصات المتقولين أو مرارات الكارهين.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.