من جديد عاد للصدارة، موضوع إقامة محطة تنقية للمياه العادمة، الذي تنوي الحكومة الفلسطينية وبلدية نابلس إقامته في المنطقة الشرقية من المدينة، بعد أن تطورت الأحداث وأصبحت قضية رأي عام، نتج عنها اعتقال الأجهزة الأمنية لمحام شارك في مسيرة رافضة لإنشاء المحطة.
ومنذ شهر تقريبا، يخرج عقب صلاة الجمعة المئات من سكان قرى "سالم" و"دير الحطب" و"عزموط" الواقعة شرق نابلس في مسيرة احتجاجية، رافضة لإنشاء المحطة الممولة من الحكومة الألمانية والاتحاد الأوروبي من خلال بنك التنمية الألماني "KfW"، بكلفة تزيد عن 40 مليون يورو، على مساحة تبلغ 65 دونما.
وكان من المتوقع أن يعمل المشروع على إنهاء المكرهة الصحية والبيئية من خلال مد شبكة صرف صحي شاملة للقرى القريبة من منطقة وادي الساجور، بهدف تغطية مياه الصرف الصحي المكشوفة في تلك المنطقة ليخدم بذلك ست قرى في المنطقة الشرقية بالإضافة إلى 3 مخيمات والجزء الشرقي من مدينة نابلس.
كما أن الأثر الاقتصادي للمشروع كان سيعود بالفائدة على المنطقة برمتها، من خلال إحياء القرى الشرقية والمناطق المحيطة بالمشروع، وتشغيل عدد كبير من الأيدي العاملة من نفس المنطقة، فضلا عن استخدام المياه المعالجة لمشاريع زراعية تنعش المنطقة.
أضرار صحية وبيئية
ويخشى المواطنون في تلك القرى من الأضرار البيئية والصحية التي قد تلحق بهم، فوفقا للأبحاث فإن الانبعاث للغازات وطرق معالجة المياه العادمة بالفسفور ستضر بهم بشكل كبير.
ومن أسباب الرفض كذلك أن المشروع يبتعد عن أقرب منشأة سكنية نحو 100 م، كما أنها تبعد عن الشارع الرئيسي 50 م، ما يهدد التمدد العمراني بالجهة الغربية من القرى الثلاث.
يقول رئيس مجلس قروي دير الحطب عبد الكريم حسين إن قرى سالم ودير الحطب وعزموط محاصرة بالاستيطان من جهتها الشرقية، منوها إلى أن إقامة محطة التنقية ستقضي تماما على التمدد من الجهة الغربية، وإن كان هناك ضرورة لإقامتها فالواجب إنشاءها في منطقة أخرى بعيدة عن المواطنين وأراضيهم الزراعية".
ويوضح حسين لـ"فلسطين الآن": "خضنا سابقا لقاءات متواصلة مع بلدية نابلس والحكم المحلي، وعبرنا خلالها عن رفضنا لإنشاء محطة التنقية، وحصلنا على وعود بدراسة الموضوع وعدم إقرار المشروع دون موافقتنا؛ إلا أننا تفاجآنا بإقرار الحكومة للمشروع".
وأضاف "في مجلس دير الحطب قدمنا دراسة للجهات المختصة صادرة عن ذوي اختصاص، توضح بما لا يدع مجالا للشك بأن "الموقع المقترح من البلدية غير صالح وغير مقبول ولا يعتمد على أساس قانوني في النواحي البيئية والتقنية، وثبت انه غير أخلاقي من النواحي الاجتماعية والاقتصادية، وسيتسبب بأضرار صحية وبيئية خطيرة".
ومنع أهالي المنطقة طواقم البلدية وأجهزة فحص التربة من العمل في المشروع.
تغيير المكان
ويعتبر المعلم في مدرسة سالم دير الحطب الأساسية جواد حنايشة، وجود المحطة في ذلك المكان يشوه المنظر الجمالي للقرى الثلاث كونها تقع على مداخلها، عدا عن تلوث الهواء وانعدام الأمن والصحة، مشددا على "ضرورة إبعاد محطة التنقية للحفاظ على أمن وصحة المنطقة".
ويتساءل حنايشة "ألا يحق لنا كمواطنين أن نتنفس هواءً نقيا خاليا من الجراثيم والميكروبات؟!"، آملا أن يضع كل مسئول نفسه مكان سكان القرى الثلاث ويتحملوا مسؤولياتهم تجاه حقوقهم.
وينوه إلى الخطر الذي سيتعرض إليه الأهالي من إنشاء هذه المحطة التي ستبعث غازات ضارة بصحة الإنسان وربما تخلق لهم أمراضا جديدة على حد تعبيرهم.
أما الشاب ليث عمران أحد سكان قرية دير الحطب، كتب على صفحته الشخصية "فيسبوك"، أن مشروع محطة التنقية عبارة عن تهديد للقرى الثلاث، على الرغم من تقنيتها العالية، إلا أنها تسبب روائح كريهة ما يؤدي إلى أمراض مختلفة.
ويضيف "المانع الوحيد هو أن هذه المنطقة هي المتنفس الوحيد للقرى الثلاث، إذ أنها تحاط القرى من الشرق والشمال والجنوب بالشارع الالتفافي ومستوطنة "ألون موريه".
مشروع استراتيجي
من جهتها أكدت بلدية نابلس أن المشروع يعد استراتيجيا بامتياز، فقد نجحت البلدية باستقطاب بنك التنمية الألماني والاتحاد الأوروبي لتمويل المشروع بمبلغ ودفع ثمن الأرض.
وحسب مسئول محطات التنقية في بلدية نابلس المهندس سليمان أبو غوش "فالمشروع معلن عنه منذ سنين طويلة، ومن المفترض أن يقام على أراض تملكها البلدية مساحتها 70 دونما، تقع ضمن المخطط الهيكلي لبلدية نابلس"، لافتا أن البلدية عوضت أصحاب الأراضي بالكامل.
ويوضح أبو غوش لـ"فلسطين الآن" أن المشروع يشمل إقامة شبكات صرف صحي لقرى بيت فوريك بالكامل، استكمالا بقرى سالم وعزموط ودير الحطب، إضافة إلى مناطق شرق نابلس لربطها مع الشبكات الحالية بعضها ببعض.
وأشاد بأن محطة التنقية على مستوى عال من التقنية ومراقبة من حيث الروائح، وأجزاء كبيرة منها ستكون مغطاة، على الرغم من أن المحطة الغربية التي أقيمت قبل نحو 10 سنوات، أثبتت عدم وجود روائح، وهي عبارة عن منتزه.
ويؤكد أبو غوش أن بلدية نابلس أخذت بعين الاعتبار توصيات سلطة جودة البيئة، وتوصيات الحكم المحلي وسلطة المياه بتطوير محطة التنقية ومع ذلك تم رفض المشروع من الأهالي.
رفض جماعي
وكانت البلدية قد تسلمت قبل عدة أشهر رسائل رسمية من المجالس القروية في بلدات دير الحطب وسالم وعزموط شرق المدينة، تتضمن رفض هذه المجالس القاطع لإقامة مشروع محطة التنقية الشرقية.
وقالت إن "ذلك سيحرم الأجيال القادمة من فرصة إنهاء كارثة بيئية وصحية خطيرة، تشكل تهديدًا مباشرًا على صحة الأهالي بتلك المناطق، وتهدد باختلاط المياه الجوفية بمياه الصرف الصحي".
دراسات علمية
ونقل عن مدير سلطة جودة البيئة في مدينة نابلس أمجد الخراز قوله إنه "في حال توفر مشروع ما، فإن سلطة البيئة تقوم بدراسة احتمالية وجود آثار بيئية سلبية، وتجري دراسات بناءً على ذلك الاحتمال لوضع إجراءات تخفيفية للحد من ذلك الأثر".
ويضيف الخراز "هناك موافقة بيئية تصدر عند اتخاذ قرار ببدء أي مشروع، إذ يحكمه شروط أهمها التقيد بدراسة الأثر البيئي.. نحن نتحدث عن خطة إدارة بيئية متكاملة، نأخذ بعين الاعتبار المشاكل التي من الممكن حدوثها، لنجعل الأثر البيئي في حده الأدنى إن وجد".
ويشير الخراز إلى أن الدراسة تأخذ بعين الاعتبار الجانب الاقتصادي والجانب الصحي وجانب إعادة التدوير، إذ أن هناك 12 جهة مختصة تراجع تلك الدراسة، مؤكدا أن التكنولوجيا المستخدمة في المحطة هي تكنولوجيا حديثة، حيث سيتم استخدام فلاتر بيولوجية من اجل امتصاص الروائح بشكل فعال.
وينوه على أن للمحطة آثارا إيجابية، حيث هي الحل الجذري لكل المياه العادمة في المنطقة، كما تساهم في تأمين مردود مائي للعديد من الأمور كري المزروعات.