9.44°القدس
9.33°رام الله
8.3°الخليل
16.41°غزة
9.44° القدس
رام الله9.33°
الخليل8.3°
غزة16.41°
الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
4.59جنيه إسترليني
5.15دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.84يورو
3.65دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.59
دينار أردني5.15
جنيه مصري0.07
يورو3.84
دولار أمريكي3.65

خبر: "أسماء.. والأمل الأخير" قصة لمن كان له قلب

كانت تسير إلى بيتها وبراءة الأطفال في عينيها، تتراقص بخطواتها ووتتمايل، تحلم بمستقبل نسجت خيوطه أحلامها الكبيرة، وفجأة...تسارعت الخطوات وبدت كل قدم تحاول اللحاق بالأخرى، جوٌ عاصفٌ، ورياحٌ شديدةٌ، وأتربةٌ تسد الأفق، اقتربت من باب البيت، الباب مفتوح على غير عادته، دخلت وأغلقت الباب ونادت، أمي..، أمي..، أمي..، لم تكن يوماً بحاجة لهذا النداء، فالأم دوماً في انتظارها، ترى ما الذي تغير؟!، اقتحمت غرفة تلو الأخرى وهي تصرخ، تفجرت الدموع وقتل الأمل بعد شهادة الشهود، الأم "خُطفت". هذه القصة الأليمة، انفرد موقع "فلسطين الآن" بنفض الغبار عنها وإخراجها إلى العلن، بعد أن كانت لسنوات طي الكتمان لا يعلم بها أحد. "أسماء" (28 سنة)، فتاة ولدت في دولة الكويت لأبٍ فلسطينيٍ من غزة، وأمٍ فلسطينيةٍ من الضفة الغربية، فقدت والدتها في بداية حرب الخليج عام 1990م، فأخذ والدها يبحث عن أمها في كل مكان، وبعد أن حفيت قدماه علم أن القوات العراقية اختطفتها من الكويت. لـ "أسماء" عم في العراق، بحث مع والدها عن والدتها كثيراً دون جدوى، فكل الطرق أقفلت، والبوابات أوصدت، حتى جاء شخص وأخبرهما أنه سيخدمها في القضية، فجعل من الأمل "هباءً منثورا" عندما أخبر العائلة بأن "أم أسماء" توفيت في العراق. بعد أن فقد والد أسماء الأمل في عودة والدتها طلقها غيابياً، ورجع إلى الكويت ليأخذ ابنته ويذهب بها صوب أخوالها في الأردن، وبقي لعدة أشهر ثم انتقل وابنته إلى غزة حيث أهله. في الطريق بين الأردن وغزة، لم تكن أسماء تفكر في شيء إلا في والدتها، فهي لم تصدق حتى اللحظة ما جرى، أهو حلم أم علم؟!، لماذا حدث ذلك؟! وكيف حدث؟! المهم أنها وصلت إلى بيت أهل والدها وهي في الثامنة والنصف من عمرها. لم يمكث والدها على هذا الحال طويلاً، فتزوج وأنجب ثلاثة من الأبناء، ولكنه بعد فترة بسيطة من الزمن أصيب بمرض الفشل الكلوي، وسرعان ما توفي وهي في الرابعة عشر من عمرها، فمكثت عند جدتها وزوجة والدها. أصبحت "أسماء" وحيدة في هذا العالم، "من قال أن العالم رحب، والأرض واسعة؟!"، العالم ضيق وضيق جداً والأرض واسعة لمَ في داخلها لا لمن عليها، من يعوض الأحباب؟!، أين الحضن الدافئ والقلب الحنون؟!. [title]تحدي الصعاب[/title] مع كل جرعات الأسى والمحن، كان لابد للأمل من شعاع، أخذت على نفسها عهداً أن تجد وتجتهد، لن تركن بعد اليوم لأحد، فهي من ستصنع المستقبل، فواصلت تعليمها وجعلت مرارة الأيام وقوداً يدفعها نحو التقدم والنجاح، حتى نالت درجات عليا في الثانوية العامة. بعد أن ابتسمت لها الأيام قليلاً في فترة الثانوية، وظنت أن الأسى مر ولن يعد، وأن الأيام المقبلة أيام رخاء وسعادة ورفعة، عادت الأيام لتجثم على صدرها من جديد، "كيف سأدرس الجامعة؟!". كانت عقبة الجامعة عقبة كبيرة في طريق أسماء، حتى أتتها الأخبار السارة من الأردن بأن شخصاً ما حجز لها مقعداً في إحدى الجامعات الأردنية، سارعت بالسفر، وأقامت عند خال لها كان هو الأفضل من بين أخوالها. بدأت حياة أسماء تتحسن، وبدت الدماء تدب في عروقها من جديد، فهناك حضن دافئ يضمها، وخال لم يتخل عنها كالبقية، ولكن...، يبدو أن السعادة أقسمت اليمين أن لا تدخل دارها، فخالها الطيب ذو الحضن الدافئ والقلب الحنون انتقل إلى رحمة الله تعالى بعد عام تقريباً، فرجعت وحيدة كما بدأت، وتجرعت سنين من الحرمان، وسكنت مع بعض الطالبات في السكن الجامعي، وكان بعض أهل الخير يصرفون عليها، وأحياناً كثيرة لم يكن لديها مصروف. [title]بصيص أمل[/title] في ظل هذه الأجواء الصعبة والمعيشة المضنية، جاءت البشريات من الكويت كالصاعقة في قوتها، كالزمهرير في حر الصيف اللاهب، "أم أسماء" لم تمت، لم تمت. اتصلت أمها بطريقة ما بإخوانها في الأردن، وأخبرتهم بأنها كانت معتقلة في العراق، ثم أفرج عنها بعد الحرب، وبعد أن عادت إلى الكويت اعتقلت، فلا أوراق ثبوتية لها تثبت أنها فلسطينية أو حتى كويتية، كل شيء ضاع مع الأيام. وبعد فترة من الاعتقال، عقد ضابط كويتي معها صفقة يخرجها بموجبها من السجن مقابل أن يتزوجها، فوافقت مضطرة على ذلك وأنجبت منه طفلاً، وبعد مدة ليست بالطويلة تركها، واقتصرت العلاقة بينهما على إرساله لها بعض النقود كي تبق على قيد الحياة. تذوقت أسماء حلاوة الفرح كما لم تتذوقها من قبل، فأمها "الحضن الدافئ، والقلب الحنون" عادت من جديد، لم تنم الليالي الطوال، بل كانت ترسل مع نسائم الفجر مراسيل شوق وحب لأمها، وكانت بعض الاتصالات عبر الجوال تطفئ نار اشتياق ما تكاد تنطفئ. [title]حياة صعبة[/title] بعد تلك الأخبار السارة، ركزت أسماء في دراستها قليلاً، وأعانتها بعض النقود التي كانت ترسلها لها والدتها من الكويت بعد أن تقتطعها من فمها، وعمها الذي كان ينزل إلى الأردن من السعودية في أوقات متفاوتة، وكان من المفترض أن تنهي أسماء دراسة الهندسة الميكانيكية خلال خمس سنوات، لكن الظروف الصعبة والضربات القاصمة التي تعرضت لها جعلتها تنهي دراستها في 7 سنوات. بعد أن أنهت دراستها في الأردن عادت قبل فترة بسيطة إلى قطاع غزة، وبقي التواصل مع والدتها عبر الهاتف، ولكنها فرحة لم تدم للمرة الألف، فوالدتها أصيبت بمرض السرطان الخبيث، وتخش الموت في أي لحظة دون أن تلمح طرف قرة عينها أسماء. "أم أسماء" حالياً مريضة بمرض السرطان، ولا تستطيع أن تخرج من الكويت ولا يوجد لها أي إثبات شخصية سواء فلسطينية أو كويتية، أو حتى أي إثبات أنها على قيد الحياة أصلاً، انقطعت بها السبل ولم تعد هناك طريقة لترى ابنتها. حاولت بعض الأطراف من خلال سفير الكويت في الأردن أن تساعد البنت وتلم شملها على أمها عن طريق سفرها إلى الكويت، إلا أن الرد كان دائما بالرفض، ولا يوجد لأسماء إمكانية للسفر إلى الكويت إلا إذا تزوجت من شاب كويتي. [title]الى من له قلب[/title] إنها صرخة لكل مسئول..، صرخة من عائلة مكلومة، محرومة، مشتتة، صرخة من بنت لم تر والدتها منذ 20 عاماً، فالأيام تنقضي، ويقترب خطاف الموت من "أم أسماء" كل دقيقة بل كل ثانية، وأملها قبل موتها أن ترى ابنتها، وابنتها تحلم بلقائها والنظر إليها حتى لو كان النظر إلى أمها آخر مشهد تراه هي الأخرى في حياتها. إنها مناشدة بحق الدين والإنسانية، مناشدة خص بها أهلها دولة رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية، وكل من له قلب رحيم في هذا الوطن الكبير، فتحقيق حلم أسماء وأمها لم يكن يوماً ما جزءاً من الخيال، هي مناشدة لتتفتح الأزهار من جديد، وتغرد العصافير بعد أن اعتزلت التغريد حزناً عليها. [title]تنويه/ يحتفظ موقع "فلسطين الآن" باسم "أسماء" الكامل وعنوانها لمن يقدر على مساعدتها ولم شملها وأمها.[/title]