أينما تصوب عينيك، تزداد جمالا وتكحلا بما ترى، وحين تلتفت يمينا أو يسارا، تتخيل للحظات أنك أمام لوحة فنية شكلتها يد فنان، لكن في الحقيقة أجمل من ذلك، فالجبال الشاهقة، والبيارات اليانعة، والربيع البديع، مناظر فائقة الجمال، تحتضنها بلدة عين قينيا غرب مدينة رام الله، ويعكر جمال هذه المناظر، اغتصاب مرتفعات الجبال، من قبل مستوطنتي، دوليب وتلموند الإسرائيليتين.
غابات جميلة طبيعية، تتجول وتستمتع فيها، وصوت جريان مياه ينابيعها العذب، فواد الدلب وواد المطر من أشهر وديانها، اللذان لا يتوقفان في الصيف أو الشتاء، إلا أن الرائحة الكريهة تعكر الأجواء، وتقضي على كل الجمال والطبيعة، فعلى نقيض الجمال والطبيعة المقابل لها الغابات الإسمنتية التي تكسو العاصمة السياسية رام الله، وأهمها حي الطيرة وضاحية الريحان، اللتان تبثان سموم مياههما العادمة علي ينابيعها العذبة التي كانت مصدر المياه الوحيد للقرية.
محاولات يائسة
يروي عضو بلدية عين قينيا نصر الملح حكايتها، فيقول: "كانت الينابيع العذبة مصدر لحياتنا اليومية إلى عام 2010، حتى بدأت بلدية رام الله بضخ المياه العادمة إلى الينابيع مما أدى إلى تلوثها، بعد أن كانت مصدرا للمياه لرام الله زمن الحكم الأردني، وبعدها تم إمداد البلدة بالمياه القطرية، ونحن في صراع مع الاحتلال على المياه".
ويضيف الملح لـ"فلسطين الآن": "حاولنا كثيرا منع تلوث ينابيع المياه، التي كانت المصدر الوحيد للبلدة، وأيضا تمنع بلدية رام الله وضاحية الريحان، بلدية عين قينيا، من مد خط ناقل إلى خطوط المياه العادمة الرئيسية لمحطات التنقية، وتغرم كل من يضخ المياه العادمة إلى هناك، مما يضطر المواطنون نقل المياه العادمة إلى بيتونيا بتكلفة 150 شيقل للنقلة الواحدة، وهنا أصبحنا نعيش مرارة تلوث المياه، وتكبد خسائر المواطنين في نقلهم للمياه العادمة، بالتزامن مع عدم توقف ضخ المياه العادمة على أراضينا".
يضيف الملح: "يأتي الزوار والسواح إلى بلدتنا بالآلاف، فهي المصدر الأول للمياه في الضفة الغربية، فقريتنا بجمالها ووفرة مياهها، جذابة للسياحة والاستمتاع بالمناظر الطبيعية الجميلة، وتنصل وزارة السياحة من اعتمادها مزارا سياحيا، بحجة أن أراضيها مصنفة، مناطق ج".
خسائر فادحة
رغم وجود محطتين لتنقية المياه العادمة، إلا أن بلدية رام الله وضاحية الريحان، لم تلتزما بتشغيلهما اليومي، مما يجبر المياه العادمة أن تندفع نحو القرية بكميات كبيرة، فتغمر أراضي القرية، مكبدة أصحابها خسائر فادحة، إضافة إلى تفشي الأمراض في أوساط الحيوانات والماشية.
المزارع يعقوب جودة يتحدث: "تكبدنا خسائر مادية كبيرة، بسبب اندفاع المياه العادمة بشكل كبير اتجاه مزارعنا، وغمرها بالمياه العادمة، وتلف المحاصيل".
بدوره يفيد عضو بلدية عين قينيا كايد الخطيب والذي يعمل في قطاع الزراعة بشقيها النباتي والحيواني: "فقدت عدد من رؤوس الأغنام بسبب اندفاع المياه العادمة بشكل كبير علينا، إضافة إلى تفشي الأمراض المزمنة في قطعان الأغنام والمواشي، حتى الحياة للبرمائيات انقطعت داخل المياه، فقد كنت دائما أسمع صوت الضفادع في المياه الجارية المندفعة من داخل الينابيع العذبة، وحل مكانها الرائحة الكريهة".
ويشير الخطيب لـ"فلسطين الآن": "ناشدنا وزارة الصحة مرار وتكرار بدون فائدة، وبعد خسائرنا المتكررة، بسبب اندفاع المياه العادمة، نتيجة عدم تشغيل محطات التنقية، جاءت وزارة الصحة، وقامت بفحص المياه العادمة، وأفادتنا بنتيجة أن المياه غير ملوثة لأنها معالجة داخل محطات التنقية، على النقيض تماما ما يترجم على أرض الواقع، وتكبدنا للخسائر الفادحة".
عين قينيا وجهة نظر للآلاف من المواطنين الفلسطينيين، من مختلف مناطق الضفة الغربية، للاستمتاع بمناظر الربيع البديع، وينابيع المياه العذبة التي لوثتها المياه العادمة، لم يبق من هذه الينابيع إلا عينًا واحدة أو اثنتين متلوثتين بنسبة قليلة.