التقيت على مائدة مستديرة يوم الاثنين الماضي في إطار دعوة من السفير التركي في القاهرة لعدد محدود من الدبلوماسيين ورجال الأعمال والمفكرين، وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو الذي كان أول مسئول أجنبي يلتقي الرئيس محمد مرسى حيث جاء لتقديم تهنئة الحكومة التركية والتباحث بشأن العلاقات الثنائية. وأوغلو ليس مجرد دبلوماسي، ولكنه مهندس العلاقات الخارجية التركية الأول، فهو مفكر وسياسي ومخطط وصاحب رؤية كانت واضحة ومميزة في كتابه "العمق الاستراتيجي" الذي صدر في العام 2001 واتخذته حكومة أردوغان مرجعا ودليلا لرسم علاقاتها وسياستها الخارجية مع جيرانها، علاوة على محيطها الإقليمي والدولي. التقيت أوغلو للمرة الأولى في أنقرة في العام 2003 وكان وقتها مستشارا لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، وسألته خلال حواري معه في برنامجي التليفزيوني "بلاحدود" سؤالا لم أنسه، حيث قلت له: «ما حقيقة أن الحكومة التركية حكومة أردوغان تتخذ من كتابك "العمق الاستراتيجي" مرجعا أساسيا لرسم سياستها الخارجية؟ أجاب بابتسامة وثقة وتواضع: "هم ما زالوا في الصفحة الأولى". وحينما أراد أردوغان أن يطبق"العمق الاستراتيجي" من خلال صاحبه عين أوغلو وزيرا للخارجية، وبدأ أوغلو مهمته التي أثبت من خلالها أنه ليس مجرد دبلوماسي وإنما مخطط استراتيجي ومنفذ وسياسي محنك، وقد بلغت السياسة الخارجية التركية في عهده طفرة مميزة. غير أن الثورات العربية جاءت ففاجأت الجميع وأربكت السياسيين والمفكرين والمخططين بما فيهم الأتراك، لكنهم كانوا أول من تدارك ما يحدث، وفى خطاب لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وجه كلامه لمبارك قائلا له: «عليك أن ترحل»، وهنا يقول أوغلو: «غضب مبارك كثيرا مما قاله أردوغان وكان أحمد أبوالغيط وقتها وزيرا لخارجية مبارك فأرسل رسالة لي يعترض فيها على ما ذكره رئيس الوزراء التركي، وقال إن العلاقات بين مصر وتركيا علاقات صداقة وطيدة ومثل هذه التصريحات لا تخدم العلاقات المصرية التركية، هنا قمت بالرد عليه في رسالة لم تكن دبلوماسية على الإطلاق وإنما كتبتها من قلبي، وكان مبارك وقتها لا يزال في السلطة، عبرت فيها عن موقف الشعب التركي الذي كان قلبه وعينه متعلقين بميدان التحرير في القاهرة وما يحدث فيه، وكان مما قلته فيها: إن الأمة المصرية أمة عظيمة، لديها حضارة عظيمة، هذه الحضارة صنعها هذا الشعب ولم يصنعها هذا النظام، ونحن لا نقف مع فرد أو جماعة أو نظام ولكننا نقف إلى جوار الشعب المصري الذي صنع هذه الحضارة وهو أكبر من كل الأفراد بما فيهم رئيس الجمهورية". ويضيف أوغلو: " لقد كانت عيون الجميع على ميدان التحرير في القاهرة، ورغم ثورات الربيع العربي التي اندلعت في عدة دول فإن مصر دائما هي القلب المحرك، وكل العيون كانت على مصر، نحن في تركيا كنا نعتبر نجاح الثورة المصرية نجاحا لنا، وإخفاقها إخفاقا لنا، إننا نرى تشابها كبيرا بين مصر وتركيا في نواحٍ كثيرة، كما أن التواصل الروحي والنفسي بيننا قديم، أذكر أنى حينما جئت إلى مصر للمرة الأولى في العام 1998 كنت وقتها أستاذا جامعيا وكنت أتحرك كما أريد وليس مثل الآن حيث يحيط بي الحرس في كل مكان، وضحك، بقيت في مصر ثلاثة أشهر، كنت أحب مصر القديمة، كل يوم جمعة أذهب إلى مسجد عمرو بن العاص أصلى الجمعة، وكان الخطيب هو الدكتور عبد الصبور شاهين، كانت الخطبة طويلة لكنى كنت أستمتع بها كمتعلم للغة العربية آنذاك، وكنت بعد الصلاة أخرج من المسجد فأمشى في الشوارع الخلفية له وأرى الأديرة والكنائس القديمة والحياة التي تعكس التنوع الحضاري في هذه البلاد، الأهرامات مع الكنائس مع المساجد مع خان الخليلي، هذا التنوع هو الذي صنع الحضارة المصرية على مدار القرون الماضية وصنع التسامح والتعايش لدى هذا الشعب، وهذا ما جعل عيون الجميع على مصر وميدان التحرير"(نكمل السبت).
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.