لم يكن يتوقع أحد أن تبلغ المسيرات والتي كانت قبلتها ووجهتها المقاطعة في رام الله وبهذه الهتافات المدوية والتي انطلقت من حناجر هذه الجماهير حيث أسمعت كل من في المقاطعة . ولعل الخطير في الأمر أن هذه الجماهير والتي انطلقت هتافاتها بسقفٍ عالٍ والتي كان من أهمها إسقاط اتفاق أوسلو ثم هتاف يسقط يسقط حكم العسكر والذي تم استعارته من جماهير ميدان التحرير حيث أثار توجساً وامتعاضاً وخوفاً عند البعض حيث سارع (هذا البعض) إلى الإشارة أن كل شيء في إمبراطوريتنا قائم على القسط والميزان وأن الشعب متخمٌ بالديموقراطية وأن مؤسساته القيادية والسياسية وغيرها تم اختيارها على أساسٍ ديموقراطي . إن هذا الهتاف من تلك الحناجر قد دفع ثمنه أصحابها منذ أيام عندما تكسرت عصيّ العسكر على جماجمها كما حاول العسكر إخفاء هول وحجم ما حصل عندما كسّرت كاميرات واعتدي على صحافيين واعتُقِلَ مراسلون . إن العسكر في كل حواضر الدنيا لهم مهمة واحدة هي حماية حدود الوطن من أي اعتداء وحماية المواطن في ليله ونهاره فيعمل آمناً مطمئناً وينامُ قرير العين ذلك لأن العيون الساهرة تُأمِّنُ له حركته وسكنته في كل الأوقات . أما وطننا الحزين الذي كان آمناً يوماً ما فقد تحول إلى حالة فريدة من العسكرة فقد غابَ كلُّ شيء إلا مشهد العسكر الذين يتابعون كل شيء ويلاحقون كل شيء ويراقبون كل شيء. إن الإنسانَ في وطنه خائف في بيته .. خائفٌ إذا زار أحداً أو زاره أحد فهو لا يجرؤ الحديث إلا عن الراتب وعن أسعار البندورة والخيار أين وصلت .. بل خائف في بيت الله الذي تطمئن به القلوب فهو دائماً يتلمَّسُ حوله لعل أحداً هنا أو هناك يكتب شيئاً حتى إمام المسجد الذي عودنا على الجُرأةِ وقولِ الحق فالخطب (المعلبة) جاهزة وإذا أمَّ فالآيات هي هي سورة الزلزلة والقارعة وفي صلاة الفجر خواتيم البقرة وآل عمران لئلا يزل لسانه فيقرأ براءة أو الكافرون أو المنافقون ، ثم بعد ذلك يتحدث البعض أن العسكر قد أتخَمونا بالأمن والأمان . إن هذا الزفير وهذه الصيحات التي انطلقت قبل يومين يجب أن تؤخذ بالحسبان وألا تستقبل (بالهروات) ولا بالاتهام ولا باللمز من أن هناك جهاتٌ مدسوسة هي من حرك الوضع ، إن عناصر الاشتعال كلها موجودة غلاءٌ فاحش ، تأخر في دفع الرواتب ، اعتقال سياسي ، فصل وظائفي ، بطالة واسعة ، عدم القدرة على شراء الضروريات ، إضرابات عن الطعام في السجون ، قمع وكبت سياسي ، ملاحقة ومتابعة وتنسيق أمني لا يصب في مصلحة الناس ، تطهير عرقي ، فإذا لم تكن فتحاويا أو يسارياً موالياً لا وظيفة لك وربما لا مكان لك في هذا الوطن ثم بعد ذلك يتغنى البعض بأن ديموقراطيتنا (سكر زيادة) . إن السلطة إذا أصرت على هذا النهج وعلى عدم التغيير غير آبهةٍ بما يحصل حولها فعليها أن تنتظر ما هو أبعد من ذلك ، أما إذا تداركت نفسها وأعلنت صراحةً عن خطواتٍ سريعة من أجل تنفيس الشارع المحتقن والمتأجج فيمكن لها أن تتدارك نفسها . إن الشعب الفلسطيني شعبٌ حر تعودَ على الحرية والعزة والكرامة وأظنه لن يبقى طويلاً يتلقى الإهانات إلى ما لا نهاية.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.