قبل 18 عاما من الآن كان هاني عامر وعائلته على موعد مع حدث غير مسرى حياتهم شكلا ومضمونا، سكن عامر في قرية مسحة شمال سلفيت وترعرع في منزله الذي بناه والده بعد تهجيره من قرية كفر قاسم عام 1948، وقبل اقتراب مستوطنات "القنا"، عليه وبناء جدار الفصل على هذه الارض.
ما حدث مع عائلة عامر أن سير الجدار شمل منزلهم فاحاطه بجدار من جانب وسلك حديدي من جانب آخر، وأصبح دخول أبنائه وزواره مرهون بمزاجية الاحتلال، وحراس المستوطنة الذين أغلقوا البوابة الحديدية الصفراء التي اصبحت المدخل الوحيد للمنزل.
مع مرور الزمن واستمرار التضييق عليه كتب هاني عبارة اصبحت ايقونة للنضال في مسحة، جملة "أهلا بكم في دولة هاني عامر" لم تاتي من فراغ فالمواجهة مع الاحتلال التي يعيشها يوميا دون وجود أي دعم له، جعلته معزولا تماما عن بقية سكان القرية، فاصبحت مواجهته للاحتلال امرا مفروضا عليه ولكن بدستور وجب عليه أن يضعه لنفسه، حتى لا يفقد أي من ابنائه بعد استفراد الاحتلال ومستوطنيه بالعائلة.
"انا قاعد في البيت وانا ميخذو من ابوي، حياتنا اتحولت لجحيم، ميمنة المنزل كانت مشتلا يأٌمه كافة التجار، وبوابة المنزل كانت مساحة رحبة لنا للذهاب والقدوم إلى القرية، اليوم أبنائنا يواجهون المحتل بمزاجيته بمجرد نيتهم الذهاب إلى المدرسة أو العودة إلى المنزل منها، مساحة الارض التي كنت املكها 23 دونم لم يبقى منها إلا دونم واحد الذي تمكنا من الحفاظ عليه بسبب المنزل المبني عليه"، يقول صاحب المنزل المعزول هاني عامر.
خسارته من الارض، وضيق الحياة لم يتوقف منذ قدومهم، فالمطعم الذي عمل به سابقا أٌغلق بسبب عدم القدرة على استقبال الزبائن، كما أن المشتل الزراعي الذي كان مصدرا لرزقه سٌرقت كمية كبيرة منه وتحطم الاخر في ليلة هاجمه فيها جنود الاحتلال.
منزل عامر جزءا من 73% من اراضي القرية المصادرة للجدار والاستيطان، ووصلت الخسارة الاقتصادية فيها أكثر من 90% بسبب مصادرة الاراضي المزروعة بالزيتون ، صمود ابو نضال شكل ايقونة بسبب مقدرته على مواجهة المستوطنين الذين لم يتوقفوا عن مهاجمة عائلته بكافة السبل لتهجيره من الارض.
يقول عامر:" يهاجمون المنزل والعائلة باستمرار، بالحجارة وبالكلام البذيء، أسطح المنزل مساحة واسعة لحجارة ابنائهم الذين يلقون بالحجارة بشكل مستمر على أبنائنا، أضف إلى ذلك استهدافهم لزجاج النوافذ وزجاج الحمامات الشمسية، فاضطررنا إلى احاطة كل شيء زجاجي بسلك حديدي يحميه من التحطيم".
ولم يتوانى الاحتلال عن تقديم العروض المالية المغرية لهاني عامر، ولغيره ممن أراد ان يصادر أراضيهم من القرية، وكان تسلل العروض على عامر بالشراء منه بشكل مباشر، أو أن ينتقل إلى أرض داخل القرية، أو أن يقبل بحاله الحالي، وهو الحال الذي حوله إلى أسير في منزله مع عشرة من أفراد عائلته، يواجهون المُر أطفالا وكهولا في كل مرة يريدون فيه الخروج من المنزل، ما أدى إلى عزلهم عن الحياة الاجتماعية الطبيعية.
وتعتبر مسحة القرية الاكثر تضررا من الجدار الذي اقيم في محافظة سلفيت، هذا الجدار ظهرت آثاره على الحياة الاقتصادية للسكان والأهم حرمهم من الوصول إلى مساحات واسعة من أراضيهم الزراعية.
"لجأنا إلى محاكم العدل العليا واعترضنا على قضايا المصادرة، إلا أن المحاكم الاسرائيلية اعتبرت ان الحصانة العسكرية فوق كل اعتبار فخسرنا القضية واستمر بناء الجدار"، يقول رئيس المجلس القروي نضال عامر.
ويضيف:"ما تتعرض له القرية من خلال عزل القرية وخاصة عزل هاني عامر، كان له تأثير كبير جدا على السكان على كافة الاصعدة، هنا تحولت الحياة إلى جحيم ليلا ونهارا، نحاول ان نقف نحن كلجنة شعبية ضد هذه الممارسات و نحاول استمرار الفعاليات ضد هذا العزل"، يقول منسق اللجنة الشعبية ضد الجدار نصفت الخفش.
ويضيف الخفش:" الاجراءات الاسرائيلية على اراضي هذه القرية شاهد حي على عنصرية الاحتلال الذي يحكم على اسرة كاملة ان تعيش داخل سجن في منزلها، وقامت بعزلهم عن اهاليهم داخل القرية، منزل هاني عامر تحول إلى نقطة مراقبة بكافة الوسائل التكنولوجية".
حالة عامر واحدة من العديد من اهالي قرية مسحة من الذين فقدوا أراضيهم، إلا ان المواجهة المجردة التي يعيشها السكان هناك جعلت من الصمود أمام تمدد الاستيطان والجدار أمراً مستحيلا فمنهم من سلم بالأمر الواقع، ومنهم من يرى ان الاستمرار في رفع القضايا دوليا او المواجهة المباشرة سبيلا لا بد منه.