منذ فجر الأربعاء الماضي، والمزارع أبو إياد نغنغية -55 عاما- يتواجد برفقة عائلته المكونة من زوجته وأولاده وأحفاده في العراء، بعدما أجبرته قوات الاحتلال على إخلاء خيامهم في خربة "إبزيق" في الأغوار الشمالية، بحجة التدريبات العسكرية.
ليسوا وحدهم، فالمصير ذاته واجهته 15 عائلة أخرى، -في الخربة المهددة بالإزالة من على وجه الأرض في منطقة الأغوار- وهي تعتمد اعتمادا كليا على رعي الأغنام، وانتاج الحليب والجبن في حياتها.
وتتكون "خربة ابزيق" من البدو الرحل الباحثين عن المراعي والماء، ويبلغ عددهم نحو 38 عائلة بدوية يضمون أكثر من 256 فردا، منهم 16 عائلة تقيم في المنطقة بشكل دائم، وما تبقى عبارة عن عائلات متنقلة بحثًا عن الماء والمراعي.
إرباك شديد
يقول أبو إياد لـ"فلسطين الآن" إن "الهمّ الأكبر بالنسبة للعائلات البدوية في الخربة أن تجد مكاناً آمنا تلوذ إليه بعيداً عن الأماكن التي خصصها جيش الاحتلال لإجراء التدريبات العسكرية لقواته، بعد أن أخطرها بضرورة إخلاء مساكنها".
يتابع "لا خيار أمامنا إلا أن ننقل ما يمكن نقله من "فراش" وأغطية، وما تيسر من الطعام والماء، والبحث عن منطقة آمنة نسبيا، حتى نحمي أطفالنا ونسائنا".
الأمر المربك فيما يجري هو جهل المواطنين البسطاء بالمدة التي قد تستغرقها التدريبات، خاصة أنها مناورات تشارك بها قوات أمريكية، وتشمل الأغوار بأكملها، وهي مساحات شاسعة جدا، تشكل 30% من مساحة الضفة الغربية.
وتشكل خربة ابزيق نموذجاً آخر لمعاناة القاطنين في الأغوار الشمالية والوسطى، حيث يسعى الاحتلال إلى إزالتها من على وجه الأرض، في إطار مخططاته الرامية إلى تفريغ منطقة الأغوار من أصحابها الشرعيين، بما يمكن من إطباق السيطرة عليها وتهويدها وجعلها خالصة للمستوطنين.
ويعيش في هذه الخربة نحو 300 نسمة من البدو الرحل الباحثين عن المراعي والماء، والذين استقروا هناك منذ عشرات السنين، وتتعرض مساكنها لعمليات دهم مستمرة من قوات الاحتلال.
"أغنامي.. مصدر رزقي"
أما الراعي محمد خضرية، وهو من سكان الخربة، فلديه مخاوف كبيرة من نقطتين، الأولى: أن يجد مكانا يرعى به أغنامه التي يزيد عددها على مائة، فهي مصدر دخل عائلته الوحيد. يقول لـ"فلسطين الآن": "أعرف أن حياة الإنسان مقدمة على كل شيء، لكنني مستعد أن أضحي بنفسي مقابل أن تبقى هذه الأغنام.. قد تستغرب ما أقوله!! لكن بدونها سنموت جميعا. أنا لا اهتم بالسياسة، إذ أقضي يومي بين الغنم والخراف، انتقل بها من مكان لمكان.. أبحث عن العشب الأخضر والماء".
والأمر الثاني، خوفه من ترك الاحتلال لمخلفات عسكرية مثل القذائف التي لم تنفجر، أو الألغام التي يستخدمها خلال التدريبات. "فقد قتل جار لنا من عائلة النواجعة قبل 9 أشهر وهو يرعى الغنم، عندما داس على لغم".
ظروف صعبة
من جهته، يشير مسئول ملف الاستيطان في محافظة طوباس والأغوار معتز بشارات إلى أن خربة "ابزيق" كغيرها من التجمعات البدوية في مناطق الأغوار، التي تعيش العائلات البدوية فيها حياة بسيطة للغاية، حيث يشكل الخيش والخشب مصدرين أساسيين لبناء مساكنهم وتعتبر الأغنام والزراعة مصدرا لغذائهم ودخلهم.
ويلفت إلى أن القاطنين في الخربة، يعيشون في ظل ظروف تفتقر للحد الأدنى من مقومات الحياة الآدمية، حيث لا توجد خدمات كهرباء ومياه، فيضطرون إلى نقل المياه بالصهاريج عبر جرارات زراعية من مدينة طوباس التي تبعد عنها قرابة 8 كم من الجهة الشمالية الشرقية.
ويلفت بشارات إلى أن سياسة الاحتلال بإخلاء المناطق بذريعة إجراء التدريبات العسكرية بالذخيرة الحية، بدأت قبل نحو عشر سنوات، وسط وجود تخوفات من استمرار هذه السياسة الهادفة إلى اجتثاث الوجود الفلسطيني في منطقة الأغوار.