19.46°القدس
19.41°رام الله
18.3°الخليل
25.96°غزة
19.46° القدس
رام الله19.41°
الخليل18.3°
غزة25.96°
الإثنين 30 سبتمبر 2024
4.99جنيه إسترليني
5.27دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.17يورو
3.73دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.99
دينار أردني5.27
جنيه مصري0.08
يورو4.17
دولار أمريكي3.73

اختلاف اللغات بين البشر يؤثر على إدراكهم للألوان

53
53

في خدعة "رقعة الشطرنج"، ترى أدمغتنا أن ثمة اختلافاً في الألوان بين المربع "A" والمربع "B"، رغم أنهما يصطبغان باللونٍ نفسه تماماً

يؤدي تباين اللغات التي نستخدمها كبشر، إلى اختلاف إدراك الألوان - بل والعالم بأسره - بيننا وبين بعضنا البعض.

بوسع العين البشرية - من الوجهة المادية - أن تُميّز ملايين الألوان. لكن إدراك هذه الألوان والتعرف على ماهيتها، يختلف من شخصٍ لآخر.

فبعض الناس يعجزون عن رؤية الاختلافات بين الألوان، وهو ما يُوصف بـ"عمى الألوان". ويرجع ذلك إما إلى خللٍ تعاني منه خلايا مُستقبلة للضوء توجد في شبكية العين وتعمل بشكلٍ أفضل في الضوء الساطع، وتُعرف باسم "المخاريط"، أو إلى عدم وجود هذه الخلايا من الأصل.

لكن توزيع هذه الخلايا وكثافتها يختلفان حتى بين من ينعمون بـ"قدرة طبيعية على الإبصار"، وهو ما يؤدي إلى نشوء اختلافات طفيفة بيننا على صعيد الإحساس باللون نفسه أو إدراكه.

وبجانب الاختلاف القائم بيننا في تركيبنا البيولوجي، يمكن القول إن الإدراك الحسي للون لا يرتبط بما نراه بشأنه بالفعل، بقدر ما هو متعلقٌ بالكيفية التي تترجم بها أدمغتنا هذا اللون وتحوّله إلى شيءٍ ذي معنى. ونظراً لأن عملية إدراك الألوان تتم أساساً داخل رأس كلٍ منّا، فإنها تتسم بكونها ذاتيةً، وتختلف من شخصٍ لآخر، كما أنها تتأثر بالتجربة الشخصية للمرء.

ويمكن أن نضرب هنا مثالاً بمن يعانون من حالةٍ عصبية تُعرف باسم "الحس المرافق" أو "التصاحب الحسي"، وهي تلك التي يدرك فيها المرء الألوان مُرتبطةً بحروفٍ أو أرقام، أي أن كل لونٍ يوحي إليه بحرفٍ أو رقمٍ بعينه.

وغالباً ما تُوصف هذه الحالة على أنها امتزاجٌ بين الحواس، ليصبح المصاب بها قادراً على "رؤية" أصواتٍ أو "الاستماع" إلى ألوان. لكن الألوان التي "يستمع" إليها المصابون بهذه الحالة، تختلف فيما بينهم أيضاً.

ومن بين الأمثلة الأخرى على هذا الصعيد، تلك التجربة الكلاسيكية المعروفة باسم "خدعة رقعة الشطرنج"، التي ابتكرها العالم إدوارد إتش.أديلسون. ففي هذه التجربة ترى أدمغتنا أن هناك اختلافاً في اللون بين اثنين من المربعات المُؤَشر عليها على الرقعة، بالرغم من أن لهما نفس اللون تماماً.

على أي حال، نحن نتعلم منذ اليوم الأول لنا على وجه هذه الأرض، أن نستخدم المفردات اللغوية لتصنيف الأشياء والألوان والمشاعر والعواطف، أي تقريباً كل ما له معنى. وبالرغم من أن أعيننا قادرة على تمييز آلاف الألوان، فإن الطريقة التي نتحدث بها مع بعضنا البعض في هذا الصدد، والأسلوب الذي نستخدم به الألوان في حياتنا اليومية، يعنيان أنه يتوجب علينا تقسيم هذه التشكيلة الهائلة منها، إلى فئاتٍ محددة ذات معنى.

فعلى سبيل المثال، يستعين الرسامون وخبراء الأزياء والأصباغ بقاموسٍ لغويٍ ثريٍ وحافل بالمفردات للإشارة إلى درجاتٍ لونيةٍ وظلالٍ مختلفةٍ للون نفسه أو التمييز بينها، لكن غير المتخصص يستخدم في الغالب مفردة واحدة للتعبير عن كل هذه الدرجات والظلال ذاتها دون أن يدرك فارقا كبيرا بينها.

كما يختلف التصنيف اللغوي للألوان والمسميات التي تُطلق عليها، بالاختلاف بين المجموعات البشرية في الثقافة أو اللغة. فهناك من لا يعرفون للألوان سوى مُسمييْن هما "القاتم" و"الفاتح"، مثل من يتحدثون بلغتيْ الـ"داني" المنتشرة في دولة "بابوا غينيا الجديدة"، والـ "باسا" الموجودة في ليبيريا وسيراليون.

وفي هاتين اللغتين، يمكن أن تُترجم "قاتم" على أنها تعني "بارد"، وتُفهم مفردة "فاتح" على أنها "دافئ". ولذا فإن ألواناً مثل الأسود والأزرق والأخضر تعد بمثابة "ألوان باردة"، أما الألوان الفاتحة بشكلٍ أكبر مثل الأبيض والأحمر والبرتقالي والأصفر فتعد "دافئة"، في هاتين الثقافتين.

أما في ولاية "الإقليم الشمالي" باستراليا، فنجد مجموعةً سكانيةً يُطلق عليها اسم "شعب وورلبيري"، لا توجد لديها مفردةٌ تعبر عن كلمة "لون" من الأصل. وبالنسبة لهؤلاء وأمثالهم من المنتمين لمجموعات ثقافية مماثلة، يتم وصف التعبير عن مفردة "لون" كما نعرفها نحن، من خلال استخدام مفرداتٍ تتحدث عن بنية الشيء المُراد الحديث عنه، والإحساس المادي به، والغرض الوظيفي منه.

اللافت أن غالبية لغات العالم تتضمن خمسة مصطلحات رئيسية للإشارة إلى الألوان، بل إن ثقافاتٍ تتسم بشدة التنوع مثل تلك السائدة بين أبناء قبيلة الهيمبا التي تعيش في سهول ناميبيا، أو الثقافة المنتشرة في الغابات المطيرة الخصبة في بابوا غينيا الجديدة لدى من يُعرفون بـ"شعب برينمو" تتبنى هذه المنظومة خماسية المصطلحات أيضاً.

فبجانب المفردات التي تشير إلى ألوانٍ ودرجات لونية مثل "قاتم" و"فاتح" و"أحمر"، عادةً ما توجد في هذه اللغات مفردةٌ رابعة تشير إلى اللون "الأصفر"، وخامسة ترمز إلى اللونين "الأزرق" و"الأخضر" معاً.

ويعني هذا أن تلك اللغات تفتقر إلى وجود مفرداتٍ تُميز بين اللونين الأخيرين، وتُستخدم فيها مفردةٌ واحدة للإشارة إليهما معاً؛ على غرار نحت مصطلح جديد يصفهما بكلمة واحدة.

استقراء التاريخ هنا يخبرنا بأن الويلزيين والصينيين واليابانيين ساروا يوماً على نفس الدرب، وكانت لديهم مفردةٌ واحدةٌ تشير إلى هذين اللونين. لكن الآن، بات المصطلح الذي كان يرمز للونين يشير في كل هذه اللغات إلى الأزرق وحده، فيما توجد كلمةٌ مختلفة للإشارة إلى اللون الأخضر.

وتتنوع أسباب ذلك، فمنها ما يُعزى إلى تطورٍ شهدته اللغة نفسها من داخلها، مثلما حدث مع اليابانية، أو بفعل الاستعانة بمفرداتٍ من لغاتٍ أخرى، كما هو الحال مع الويلزية.

كما أن هناك لغاتٍ كثيرة في العالم، من بينها الروسية واليونانية والتركية، تتضمن مفردتيْن مختلفتيْن خاصتيْن بالإشارة إلى اللون الأزرق؛ واحدةٌ تصف الدرجات القاتمة منه وحدها، بينما تُستخدم الأخرى للحديث عن الدرجات الفاتحة بشكلٍ أكبر.

من جهة أخرى، يمكن أن تتغير الطريقة التي ندرك بها لوناً ما ونحس به، من مرحلة عمرية إلى أخرى. فاليونانيون، الذين تتضمن لغتهم مفردتيْن للإشارة إلى الدرجة القاتمة من الأزرق وتلك الفاتحة منه - كما أسلفنا - يصبحون أكثر عرضة لأن يشعروا بأن لا فوارق واضحة بين هاتين الدرجتين، إذا ما عاشوا لفتراتٍ طويلةٍ في المملكة المتحدة.

ويعود التغير الذي طرأ على كيفية نظرة الناطقين باليونانية - ممن أقاموا في بريطانيا لفترةٍ طويلة - إلى اللون الأزرق، إلى حقيقة أن معايشتهم اليومية لبيئةٍ ناطقة بالإنجليزية، تجعل أدمغتهم تبدأ في تصنيف الدرجتين الفاتحة والقاتمة من هذا اللون، على أنهما جزءٌ من فئةٍ لونية واحدة.

لكن هذا الأمر لا يقتصر على التأثير على النظرة إلى الألوان وحدها، ففي حقيقة الأمر يمكن أن يؤثر اختلاف اللغات على إدراكنا وتصوراتنا للأشياء في شتى مناحي الحياة.

وفي المختبر الخاص بنا في جامعة لانكاستر البريطانية، نجري تجارب للكشف عن التأثير الذي يُحدثه استخدام لغاتٍ مختلفة والتعرض لها، على كيفية إدراكنا للأشياء التي نستخدمها في حياتنا اليومية.

ففي نهاية المطاف، يحدث ذلك لأن تعلم لغة جديدة يعد بمثابة منح عقل المرء منّا، القدرة على تفسير العالم وترجمة معطياته بشكلٍ مختلف، بما في ذلك الطريقة التي نرى بها الألوان ونعالجها في أدمغتنا.