19.46°القدس
19.41°رام الله
18.3°الخليل
25.96°غزة
19.46° القدس
رام الله19.41°
الخليل18.3°
غزة25.96°
الإثنين 30 سبتمبر 2024
4.99جنيه إسترليني
5.27دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.17يورو
3.73دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.99
دينار أردني5.27
جنيه مصري0.08
يورو4.17
دولار أمريكي3.73

كيف أصبحت التجربة التركية الأنموذج الذي يتعطّش له المواطن العربي؟

31
31
محمد عبد المؤمن

يمر العالم العربي اليوم بأزمات كثيرة تتجاوز كونها اقتصادية إلى تمظهر آخر يتجاوز هذا، وهو حالة انعدام الثقة بين الأنظمة والشعوب، أي أن هناك علاقة تحكم هذا الثنائي غير المتكافئ بنيت على عدم الثقة والفجوة الكبيرة، في الماضي كانت هناك آليات أو أساليب للإلهاء، منها رفع شعار نصرة القضية الفلسطينية وعلى أساسها فرط المواطن العربي في حقوقه السياسية الطبيعية ونقصد هنا الديمقراطية باسم التضحية من أجل فلسطين، فالأنظمة تعد بالنصر الذي لم يأت، بل إن المعركة في حد ذاتها كانت وهمية ومجرد إلهاء.

الوجه الآخر للإلهاء تمثل في طرح ثنائية الأمن والاستقرار أو الفوضى، والمقابل القبول بالوضع الراهن وإلا كان السيناريو الليبي والسوري واليمني ولعل الاستثناء الوحيد في العالم العربي الذي خرج ولو نسبيًا من هذه المعادلة المغلوطة هي التجربة التونسية التي ما زالت صامدة إلى الآن.

كل هذا يمكن أن ندرجه ضمن وصف الحالة، أي تقديم الصورة في البلدان العربية وهي صورة قائمة على ثنائية لم تتغير كثيرًا منذ عقود، وهي أنظمة شاغلها البقاء وشعوب تتوق للحرية والديمقراطية لكنها عاجزة ومتخوفة من سيناريوهات مرعبة تأكد حصولها بعد ثورات الربيع العربي.

تعيش الشعوب العربية حالة انبهار بالتجربة التركية كونها أقرب لهم من الآخر الغربي التي نقلت إليهم بلدًا يحتكم على كل ما يتمناه العربي في بلاده من ديمقراطية وحريات وانفتاح وطفرة اقتصادية تكاد تكون غير مسبوقة انعكست على الشعب رفاهيةً ورخاءً

في مقابل هذا فإن المواطن العربي وبحكم ثورة التواصل التي حصلت في العالم عن طريق الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والفضائيات صار يعيش الأحداث وهو داخلها، بمعنى أنه قادر على أن يكون في خضم أي حدث يحصل في العالم وهو في منزله وفي مكتبه وحتى في المقهى يمسك بهاتفه الجوال.

هذه الثورة التواصلية إضافة إلى كونها قربت العالم إليه، بنت عنده وعيًا جديدًا وجعلته يطمح للأفضل، بل إن مطالبه تغيرت ولم تعد مقتصرة على تحقيق الأساسيات بمقياس الواقع الذي يعيشه إلى ضروريات بمفهوم كوني، هي الأمن والديمقراطية والحرية بما فيها الحريات الفردية وأيضًا الرغبة في النهوض بالوطن ونزع عباءة التسليم للواقع كون حال العرب هو دائمًا من سيئ إلى أسوأ.

من هنا من الطبيعي أن يبحث العربي عن نماذج يرى فيها طموحاته ومطالبه، النموذج الأول هو العالم الغربي وقد كانت النخبة المثقفة التي درست في الغرب أو اطلعت وانفتحت على هذا الواقع الوردي من خلال العيش لفترة في الغرب أو الاطلاع على التجارب التي حصلت هناك خاصة في فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة والتضحيات التي قدمت حتى وصلت هذه المجتمعات بعد ذلك إلى ما وصلت إليه من مصالحة بين الدولة والمواطن وأن الفرد هو مواطن وليس رعية.

حالة الانبهار هذه لم تأت صدفة أو من تلقاء نفسها، كما أنها لم تقتصرعلى التجربة السياسية والاقتصادية فقط بل تعدتها إلى تحول التجربة التركية إلى أنموذج للعربي بما تحمله من دمج بين التطور المادي والقيمي

هذه التجربة أي الانبهار بالغرب وإن صنعت نخبة مثقفة إلا أنها لم تصنع طبقة سياسية منفتحة على المبادئ الغربية النظرية منها على الأقل، بل وجدنا من كانوا يهللون للفكر والحرية والديمقراطية الغربية هم من حكموا شعوبهم بعد ذلك بالقمع، أي أنهم لم يستسيغوا هذه المبادئ إلا نظريًا، لكن عند تسييرهم للدول تخلوا عن كل هذا واختاروا عقلية قدر الحاكم أنه لا يخرج من القصر إلا إلى القبر.

اليوم تعيش الشعوب العربية حالة انبهار بتجربة أقرب لهم ومن وجدانهم من الآخر الغربي، وما نعنيه هنا التجربة التركية التي نقلت إليهم بلدًا يحتكم على كل ما يتمناه العربي في بلاده من ديمقراطية وحريات وانفتاح وطفرة اقتصادية تكاد تكون غير مسبوقة انعكست على الشعب رفاهية ورخاء، أي أن معادلة الأمن والاستقرار مرتبط بالتخلي عن الحريات أو جزء منها نسف وحل مكانه الإيمان بالذات وبالقدرات الداخلية وأيضًا وهو معطى مهم جدًا التمسك بالهوية والتاريخ والحضارة والاقتناع بل اليقين كون الغرب ليست له أفضلية وأن الشعوب والبلدان إذا آمنت بقدراتها حققت ما ترنو إليه.

حالة الانبهار هذه لم تأت صدفة أو من تلقاء نفسها، كما أنها لم تقتصرعلى التجربة السياسية والاقتصادية فقط بل تعدتها إلى تحول التجربة التركية إلى أنموذج للعربي بما تحمله من دمج بين التطور المادي والقيمي، وهنا علينا أن نعرج على مسألة مهمة وهي كيفية تقديم تركيا لتجربتها للخارج.

صورة الدولة التي تكون في خدمة مواطنيها الدولة التي تعلي من شأن الإنسان، أي أنها في النهاية حالة ارتواء من قيم بات يجد أنها فقدت عنده في واقعه العربي الرديء للأسف

هنا علينا أن ننتقل إلى مشهد وصورة مهمة جدًا وإن كانت ليست الوحيدة انتقلت بين تركيا المعاصرة وتركيا الحضارة العثمانية من خلال الدراما، فحالة الإعجاب الذي وصل حد التماهي والتفاعل العاطفي مع شخصيات درامية من قبيل تلك التي عرفها المواطن العربي في مسلسل "قيامة أرطغرل" أو المسلسل الذي تمت دبلجته للغة العربية تحت عنوان "حريم السلطان" أو المسلسل الذي شد ملايين العرب ونقصد وادي الذئاب لها ما يفسرها، لأنها تتجاوز لحظة المتعة الدرامية إلى بحث العربي عن واقع مفقود وقيم لم يعد يجدها.

وهذا يتوضح أكثر في الرواج الكبير لأعمال أخرى معاصرة مثل مسلسل "العهد" أو "المحارب" أو "المجهولون"، فمعها يجد المواطن العربي صورًا معبرة ومؤثرة عن التعلق بالوطن والتضحية في سبيله، وأيضًا صورة الدولة التي تكون في خدمة مواطنيها الدولة التي تعلي من شأن الإنسان، أي أنها في النهاية حالة ارتواء من قيم بات يجد أنها فقدت عنده في واقعه العربي الرديء للأسف.