19.46°القدس
19.41°رام الله
18.3°الخليل
25.96°غزة
19.46° القدس
رام الله19.41°
الخليل18.3°
غزة25.96°
الإثنين 30 سبتمبر 2024
4.99جنيه إسترليني
5.27دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.17يورو
3.73دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.99
دينار أردني5.27
جنيه مصري0.08
يورو4.17
دولار أمريكي3.73

كيف تتحلى بعقل "مرن" يقودك إلى الابتكار والتجديد؟

3
3

العمل بشركة "ألاينس" للمطاط أشبه بخلية نحل في مصنعها بمدينة هوت سبرينغز في ولاية أركنسو الأمريكية. فمنذ ابتكر مؤسسها ويليام إتش سبنسر الأربطة المطاطية عام 1923 من البطانة الداخلية لإطارات السيارات من نوع "غوديير"، مستخدما إياها في حزم الجرائد، أدركت الشركة التي توارثتها أسرته بعد ذلك الأهمية التجارية لهذه الصناعة.

من وقتها، تعددت منتجات الشركة، وباتت تخدم قطاعات مختلفة، منها الصحة والسفن، ناهيك عن الاستخدامات الرياضية، والصناعات العسكرية.

وتدخل المنتجات المطاطية للشركة بكثافة في السوق العالمي لسرطان البحر، الذي يدر أرباحا ضخمة.

ويقول جيسون ريزنر، مدير العمليات الاستراتيجية للشركة: "في البداية كانت تُستخدم مشابك خشبية لضم مخالب سرطانات البحر التي يتم اصطيادها لأغراض استهلاكية حتى لا تتعارك فيما بينها بمجرد تخزينها في أحواض السفن، ما يجعلها تصل إلى المستهلك تالفة."

ويضيف: "غير أن تلك المشابك كانت تضر بلحم سرطانات البحر، وتصيبه بالعدوى، وبالتالي لزم ابتكار وسيلة جديدة". وكانت تلك الوسيلة هي الرباط المطاطي الذي بات يحافظ على السرطانات سليمة لحين وصولها للمستهلك".

كما تدخل تلك الحلقات المطاطية البسيطة في استخدامات أهم من سرطانات البحر، إذ تساهم في الحفاظ على حياة هواة القفز بالمظلات، باستخدامها في طي ونشر المظلات، وتيسير انبساطها في الهواء. ولا تكاد تلك الحلقات المطاطية تختلف عن الأدوات المكتبية المطاطية المألوفة، وأربطة الشعر.

ولا سبيل لشركة ألاينس لمواصلة النجاح إلا بالابتكار الدائم ومواجهة المنافسة التي بدأت تفرضها المنتجات التايلاندية والصينية، وبالتالي تعمد الشركة لتوظيف أشخاص مبتكرين يعكفون على التجارب في هذا المجال والخروج باستمرار بأفكار غير مسبوقة.

ولا تتوقف الحركة الذهنية الدؤوبة داخل مقر الشركة، وتجاذب الأفكار، ويعد تبني العاملين للمرونة إطارا أساسيا لتفكيرهم.

والتفكير نوعان، نوع تحليلي يعتمد على التسلسل والتتبع المنطقي، وآخر يجد غايته في المواقف التي تتجاوز الأطر وتبادر إلى الجديد.

والتفكير المرن ليس أمرا مبتدعا، بل عرفه الإنسان منذ أحقاب عدة، ومع ذلك يقول المؤلف والفيزيائي لينارد ملادينوف إنه آن الأوان كي يتبنى الكثيرون هذا الفكر "المطاطي" لمواجهة عالم دائم التغير.

يركز ملادينوف في كتابه "التفكير المرن في عالم دائم التغير"، على الوسائل المطلوبة لهذا التفكير، والتي يقول إنها بمتناولنا جميعا.

ويقول ملادينوف إن التفكير المرن يعمل على توسيع المدارك وانتهاج آلية "من أسفل لأعلى" في التفكير بدلا من البدء من القمة وصولا إلى التفاصيل، كما في التفكير التحليلي.

ويضيف أن هذا النمط المرن يتسم بالرغبة في الإبداع، وجموح الخيال، وتوالد الأفكار، والخروج عن الفكر المألوف.

وفي لقاء بالجمعية الملكية للفنون بلندن، وصف ملادينوف التفكير المطاطي بأنه ليس حكرا على الفنانين والكتاب، بل صالح لكل المهن، وأنه بمثابة رصيد لدى المرء يمكن تطويره.

وأضاف: "نعمل جميعنا على الخروج بحلول لمواجهة المشكلات الخطيرة أو رغبة في تحقيق المزيد في عالمنا المتغير. والدماغ البشري لديه تلك القدرة".

ويقول ملادينوف إن الفكر يتدرج بين التحليلي والابتكاري، "فالتفكير المنطقي التحليلي مفيد جدا في حل مشكلة سبق أن تعرض المرء لمثلها، عندها يمكن اللجوء لوسائل وأساليب مجربة للتعامل مع الموقف. أما المستجدات، فتستدعي فكرا مطاطيا، وليس اتباعا للقواعد".

ويصف ملادينوف شركتي أوبر وغوغل كنموذجين بارزين على الابتكار ومواكبة التطور، ويقول إن "الفكر المطاطي" كان قاسما مشتركا بين فنان عصر النهضة ليوناردو دافينشي ومبتكرو لعبة "بوكيمون غو"؛ إذ كانوا جميعا يتحلون بالقدرة على استحداث الجديد، والسير في الطرق غير المطروقة سابقا، دون أن يهابوا الفشل.

وكان ليوناردو دافينشي، الذي اشتهر بتعدد مواهبه، يتوقف كثيرا خلال رسمه للوحته الشهيرة "العشاء الأخير" ليمنح قريحته فرصة للابتكار، ما أثار ضيق معاصريه.

ويقول ملادينوف في كتابه إن مبتكري لعبة بوكيمون تجاهلوا المعتقد السائد بأن الألعاب يجب أن تُلعب ونحن جلوس، وبدلا من ذلك "طوَّعوا التقنيات المتاحة تطويعا جديدا لابتكار فكر لم يعهده مصممو الألعاب من قبل".

ويضيف المؤلف: "الشركات المبتكِرة في مجال التقنيات تضع في مكاتبها أرائك للموظفين للاستلقاء عليها والنظر في السقف دون أن يخشون مرور المديرون بهم، أو تعنيفهم، إذ يعون أهمية الوقت الذي تُحتضَن فيه الأفكار الوليدة".

وينصح ملادينوف الراغبين في الاستفادة بهذا النمط من التفكير بتخصيص الوقت لأحلام اليقظة، والحديث إلى الأغراب خارج دائرة التعامل اليومي وتدريب العين على استيعاب غير المألوف من الفنون، والإصغاء لمفاهيم وأفكار مضادة تماما لقناعات المرء قبل التفكير في منطق المخالفين ودوافعهم.

ويقول أولي كامينغز، المسؤول الرفيع بشركة "نيورول" لشغل الوظائف العليا على الإنترنت، إن ثمة طلبا متزايدا على أصحاب الفكر المرن، ويشير إلى "توجهين يشهدهما السوق: أولهما يتعلق بتوظيف الشركات عمالة متنوعة المدارك لضم ذوي الفكر المختلف تجنبا لعقلية القطيع، وثانيهما زيادة الطلب على المتمكنين رقميا".

وتؤكد لوسي بايبر أهمية تلك السمات لسوق العمل من واقع خبرتها كمديرة للابتكارات الدولية بشركة "إنتريبيد للرحلات"، والتي سبقتها بالعمل في مجالات الأفلام والإعلان وحقوق النشر وغيرها.

وتقول بايبر إن مرونة التفكير "أساسية على كافة الأصعدة. فمن واقع جهدي في ابتكار العلامات التجارية، والمشروعات يمكنني القول إن المطلوب هو الخروج بتصور من العدم".

وتقول إنها أدركت حينما انتقلت في العشرينيات من عمرها من بريطانيا لأستراليا ضرورة تغيير حياتها وآفاق عملها، ما تطلب مجازفات محسوبة، والتنقل بين مجال وآخر، وكان تحليها بفكر مرن هو ما ساعدها على التأقلم والتكيف.

وتضيف بايبر أنها لا تكف عن دفع نفسها لمجالات جديدة مقتدية بشعار هو "السعي الدؤوب نحو التميز"، وهي العبارة التي لا يكف فريقها عن تكرارها، بينما يقتدون بها هم أنفسهم.

وتقول: "أسعى كل مرة لتحقيق معدلات عالية للإنجاز، ولا أكف عن تجربة الجديد، وهو أمر نستطيع جميعا فعله".

وتتابع: "أحيانا أندفع مع أول فكرة، ومؤخرا أخذت في تعلم الموسيقى مجددا - أتعلم الغيتار وأعزف البيانو، وأسعى لاستخدام ملكات لم استخدمها منذ فترة".

كما تقول إنها تسعى لإيجاد الوقت خلال اليوم "للتأمل الفراغي" بالتوقف خلال اليوم لفعل أشياء من قبيل التفكير الذي ليس له هدف مسبق، وتقصد بالفراغ ما أصطلح الرسامون على تسميته من المساحة المحيطة بالشيء الرئيسي في اللوحة، فقد قرأت عن فائدة الفراغ في العمل كأن تتوقف لتسرح بخيالها بين الفينة والأخرى.

لكن ألا يؤدي التوقف للربط المستمر بين الأشياء لجعل الحياة أكثر صعوبة وعدم القدرة على اتخاذ قرارات؟

تقول ستايسي بدويل، عالمة الأعصاب بجامعة برمنغهام سيتي: "على العكس، قد يتمكن هؤلاء الأشخاص من اتخاذ قرارات بشكل أيسر من غيرهم، فالقدرة على الخروج بتصورات عديدة للنتائج دون خبرة سالفة أو مؤثر راهن قد ييسر من بعض القرارات الحياتية، ومن الإقدام على المخاطر، إذ يمكن تصور النهاية المحتملة".

وتقول إن التفكير المرن ساعدها في حياتها المهنية، وتضيف: "العمل كباحثة يتطلب القدرة على التفكير المجرد وتعديل التصورات. ولكي أتمكن من الخروج بأفكار ونظريات جديدة وتفسيرات لظواهر مبهمة، يلزمني القدرة على تجاوز الحاضر والتفكير خارج البيئة المألوفة".

ومع ذلك، يحذر لينارد ملادينوف من الاعتماد الكلي على ما يصفه بالتفكير "المطاطي"، ويقول إن البشر بحاجة لملكات التفكير المختلفة؛ التحليلي منها، والمرن بحسب الظروف.

ويضيف ملادينوف: "لو كان دماغك يفكر 100 في المئة بشكل مطاطي دون القدرة على وضع الأفكار في إطار محدد، لانتهى بك الأمر لعدم إنجاز أي شيء، إذ ستتلاحق عليك الأفكار الواحدة تلو الأخرى، دون علاقات منطقية تربطها وبالتالي لن تحرز شيئا".

ويعزي جيسون ريزنر مدير استراتيجيات بشركة "ألاينس" للمطاط، الفضل لأصحاب الفكر المرن في الابتكارات التي أحرزتها الشركة، قائلا: "التفكير الخلاق يدفع شركتنا للأمام، فقد تمكنا من تحقيق أشياء لا تصدق، ولم يكن هذا ممكنا دون الفنيين والمهندسين ذوي الخبرة".

ويدلل على قدرة شركته على التكيف والابتكار بالقول: "نصمم معدات التصنيع على أساس المنتج المستهدف، فقد قمنا مثلا بتطويع ماكينات لتعبئة رقائق البطاطس، لاستخدامها في إنتاج المطاط".

ويقول ريزنر إن تصور الجديد لا يتوقف في شركته فيما يتعلق بسوق المأكولات البحرية.

ويوضح قائلا: "يقوم العمال سنويا بربط مليارات السرطانات البحرية يدويا، ما يلحق بهم إصابات بالرسغ، ويكلف الشركات الكثير على سبيل التعويضات، ويؤدي لاستبدال العاملين بآخرين جدد باستمرار".

ويضيف: "رأينا الشركات تفشل عاما بعد آخر في ابتكار ماكينات تغني عن عملية ربط السرطان يدويا. واليوم نسعى، لا لتزويدهم بالأحزمة المطاطية فحسب، بل لاختراع ماكينة لربط تلك الأحزمة بالسرطان آليا".