لم يجد الغزيون، بعد فشل منظمة التحرير الفلسطينية في التوصل لتسوية سياسية مع الاحتلال الاسرائيلي، وإعلان الولايات المتحدة القدس عاصمة لـ"إسرائيل" والحديث عن إتمام ما تسمى بـ"صفقة القرن" سبيلا للخروج من تلك الأزمات إلا أن يواجهوا ويحددوا مصيرهم بيدهم.
فمع تأزم الواقع المعيشي في قطاع غزة، تزامنا مع استمرار الاحتلال إطباق حصاره على غزة، خرج الغزيون في مسيرات سلمية على الحدود الفاصلة مع الاحتلال الاسرائيلي.. والسؤال الذي يفرض نفسه هل غيرت المسيرات السلمية شيئاً من الواقع المرير لغزة أو أضافت قاعدة جديدة لقواعد اللعبة الدولية الجارية على الساحة في هذه الأوقات؟!
الكاتب والمحلل السياسي أحمد يوسف طرح تساؤلاً شبيهاً على متابعيه في صفحته على الفيسبوك، والذي ورد عليه أكثر من مئتين تعقيبا كإجابة على ذلك التساؤل، حيث توزعت وتناثرت في كل اتجاه منها أن هذه المسيرات اللاعنيفة قامت باستعادة قيم المقاومة الشعبية السلمية، لا سيما الوحدة الوطنية والتكافل الاجتماعي، وكل ما يعيد للقضية الوطنية مكانتها وعدالتها في صدارة الاهتمام الدولي.
كما أكد البعض على أنها "أسهمت في تحقيق الوعي بالقضية وحق العودة، وضخت دماء شبابية في العملية النضالية، معتبرينها حلقة من حلقات النضال الفلسطيني في سعيه نحو الحرية والانعتاق من الاحتلال".
ولم يغفل أحدهم عن أن هذه "المسيرات حددت البوصلة الصحيحة نحو تحميل المحتل وزر الاحتلال، وأن شعبنا لن يُهجّر مرتين، ولن يكون اتجاهنا إلا إلى أراضينا.. لا إلى سيناء ولا الأردن ولا لبنان.. وحينما يتم الضغط على غزة وإغراقها بالأزمات فإن موجة الانفجار لن تكون سوى باتجاه العدو الأول والرئيس".
وأكد "يوسف" على أنها أي -مسيرات العودة- أفشلت صفقة القرن، وأحيت حق العودة من جديد، بالإضافة إلى أنها أعادت القضية الفلسطينية لموقع الصدارة من جديد، مشيراً إلى أن العالم الدولي بدأ يتحدث عن الوضع الانساني الكارثي الذي يعيشه القطاع، ويدعو للعمل على إنهائه؛ وهذا لم يكن من قبل.
ورأى "يوسف" أنه يجب اعتماد مسيرات العودة كنهج ونمط حياة، طالما أن الأوضاع السياسية والمعيشية لم تتغير، حاثاً الشباب على التفكير بأساليب وواجهات وإبداعات جديدة لاستمرار هذا الحراك السلمي، مؤكداً في الوقت ذاته على أن هذه المسيرة "بلا شك فتحت المجال أمام الشباب للتفكير بفعاليات جديدة؛ مثل: التظاهر أمام منافذ قطاع غزة المغلقة (معبر رفح الحدودي، ومعبر إيرز، والمعبر البحري)."
وحول المطلوب في المرحلة القادمة نوه "يوسف" بالقول:" علينا الحفاظ على قواسم الفعل التي تجمعنا، وتشد من وحدة عملنا المشترك في إطار التوافق الوطني، وتقديم نموذج للاحتذاء على إمكانية إدارة المعركة مع الاحتلال بقيادة جماعية؛ لا تهميش فيها، ولا تفرد أو إقصاء".
وبالعودة إلى الأجوبة على التساؤل السابق نجد أن من بينها من شدد على أن "المسيرات بثت الرعب في قلوب العدو الاسرائيلي، وإبقائه في حالة من التوجس والخوف، وتوصيل رسالة مفادها أن أطفالنا مستمرون في المقاومة، ولن نتنازل عن حقنا في فلسطين، ونقلت التفاوض من الجدل حول سلاح المقاومة إلى إنهاء مسيرات العودة."
كما أنها حفزت العقلية الفلسطينية وأعادت إنعاشها، وإكساب الجمهور شعوراً وطنياً تجاه قضيته ومقدساته، وكسرت هيبة الجيش والحدود، خصوصاً لأولئك الذين لم يقتربوا يوماً من هذا السياج أو لم يحتكوا بجنود العدو، لا سيما الجيل الصاعد.
ولم يجهل البعض أن"مسيرة العودة الكبرى وضعت السكة الصحيحة نحو إنجاز حقوق الفلسطينين العادلة، بعد مشوار طويل من التضليل والوهم في مشاريع سياسية خادعة، كما أنها أعطت العالم صورة أخرى مغايرة عن الصورة التي رسمها الاحتلال الاسرائيلي".
وفي سياق بعيد عن الحالة السياسية أجاب أحدهم أن "المسيرات استطاعت أن تحقق التكافل الاجتماعي بشكل واضح من خلال التفريج عن هموم الناس بإيجاد مكان لكل الفقراء والأغنياء لا فرق بينهم؛ الشعب والقيادة في مكان واحد، ونفسٍ واحد، ورغيفٍ واحد".