18.08°القدس
17.83°رام الله
17.19°الخليل
23.61°غزة
18.08° القدس
رام الله17.83°
الخليل17.19°
غزة23.61°
الإثنين 30 سبتمبر 2024
4.99جنيه إسترليني
5.27دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.17يورو
3.73دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.99
دينار أردني5.27
جنيه مصري0.08
يورو4.17
دولار أمريكي3.73

ولادة الأفكار النافعة

4
4

- تتجدد الذكريات التي تحكي ميلاد الشخصيات العظيمة والأفكار الجليلة، والتي تبعث فينا الهمة والعزيمة على مواصلة الجهد بعد الجهد في سبيل توليد الأفكار النافعة مهما واجهنا من تحديات.

- لم يكن ميلاد الحبيب صلى الله عليه وسلم كأي ميلاد بل كان تجديداً لبعث الروح في البشرية بعد تصحر وموات وعطش امتد قرابة الستمائة عام بعد بعثة عيسى عليه السلام، وقد انحرفت البشرية فعبدت كل شيء سوى الله الخالق.

- يعتذر الكثيرون عن إعمال عقولهم لابتكار كل جديد مفيد بأسباب تتعلق بأزمات قائمة وهواجس قادمة؛ فيركنون إلى الروتين الحياتي المعتاد، وهم يرون ما في اعتياده من كلفة، لاسيما إن كان فيه ما فيه من أخطاء ومنكرات وبدع ومفاسد.

- يتصور البعض أن الأفكار النافعة يمكن أن تنتج عن حالة استرخاء ذهني نفسي في أجواء رومانسية مثالية، والحقيقة تثبت عكس تصورهم هذا، فالعقل البشري لا يُستَفَز للإبداع إلا في الظروف الصعبة والأزمات الخانقة، ولن يكون هنالك قيمة لأي إنتاج فكري لا ينتج عن حاجة ولا يتجاوز التحديات.

- تعيش البشرية اليوم في ظروف تجعل الفرصة مواتية أكثر من ذي قبل لتوليد أفكار ومعانٍ جليلة، فالثغرات الحياتية في الجانب السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وعلى مستوى الفرد والجماعة، والذكر والأنثى، والكبار والصغار، والحكام والمحكوم؛ كل ذلك مما يحتاج إلى مصانع لا تتوقف عن توليد الأفكار الإيجابية لخدمة البشرية وإدارة أزماتها.

- تحتاج عملية توليد الأفكار إلى مجرد لحظات صفاء وهدوء بعيداً عن المشتتات والصوارف الكثيرة (نسبيا) ولعل في لحظات سجودنا ودعائنا في الليل أو النهار ما يفتح الله تعالى لنا به الأبواب المغلقة.

- كلما كانت النية متوجهة في سبيل توليد أفكار نافعة، والعزيمة متحفزة، والغاية واضحة؛ كلما ساعد ذلك على التسريع في استثمار الفرص، وكلما ضمرت النية نامت الفكرة وتم تعطيل مصنع الأفكار النافعة.

- ما نراه من مكر وكيد وخبث ودهاء في كل زمان إنما يؤكد لنا بأن مصانع توليد الأفكار الخبيثة والمبادرات العفنة والمشاريع والبرامج والبدائل القبيحة لا تتوقف، وأن لها من يدعمها ويستفيد منها (ومكر أولئك هو يبور).

- في حديث النبي صلى الله عليه وسلم (إِنَّ اللهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا) رواه أبو داود بسند صحيح، ما يثبت تجديد ميلاد الأمة الإسلامية بين الحين والآخر، ولهذا الميلاد صور شتى تتطلب منا شراكة واعية في صناعته، ومن صور هذا الميلاد:

١. ولادة الشخصيات ذات البصمات المميزة.

٢. ولادة المبادرات والبرامج والمشاريع الإيجابية.

٣. ولادة الحركات والمجموعات وفرق العمل ذات الآثار العلمية أو السياسية أو الجهادية أو الإغاثية أو الدعوية التربوية والمنضبطة في غاياتها وبرامجها بضوابط شرعية.

٤. ولادة الفرص المميزة من رحم الآلام والمخاضات الصعبة.

٥. ولادة الحلول المبتكرة للأزمات والمشكلات المستعصية.

- تحكي أخبار ميلاد بعض أولي العزم من رسل الله تعالى ما في الميلاد من شدة وما تبع الشدة من رخاء؛ ففي ميلاد نبي الله موسى عليه السلام أزمة ومخاض صعب تجاوزته أمه بحسن ثقتها بربها سبحانه، حين ألقته في اليمِّ بتوجيه من الله تعالى، فكان ذلك بداية المنحة بعد المحنة، وكذا حكاية ميلاد عيسى عليه السلام بلا أب في مخاض نفسي متعب للبتول مريم رحمها الله، وما نتج عنه من فرَج بعد حرج، ومثلهما ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم وما عاناه من يُتم مركب وما نتج عن هذا اليتم من بركات.

- الأمة التي يمارس أبناؤها التفكير الإيجابي لتوليد أفكار نافعة أمة حية، والأمة التي تستورد أفكارها من أعدائها أو حتى من حلفائها أمة مستهلكة ميتة.

- فرقٌ بين مولدات الأفكار المصلحية التي لا تنفع إلا أصحابها، وبين مولدات الأفكار المجتمعية أو الوطنية أو العالمية، والتي من شأنها إنقاذ البشرية ورفعتها وخدمتها.

- حالة الكبت وأجواء الاستبداد التي تعيشها بلاد المسلمين لا تشجع مطلقاً أبناءها على توليد الأفكار النافعة، ويبقى الإغلاق سيد الموقف إلا بانفراج عام، أو أن تهاجر المولدات العظيمة إلى بلاد تحترم إنتاجها، وهذه خسارة لا تعدلها خسارة.

- لا قيمة للأمم والشعوب التي تحتفي بميلاد عظمائها ما لم تحقق ميلاداً متجدداً وانطلاقاً مؤكداً لأفكار وطاقات وإبداعات أجيالها.

- لما احتاجت الدعوة إلى انطلاق من سرِّيتها وكمونها ولدت فكرة الدعوة الجهرية، ولما احتاجت إلى نصرة وحماية ولدت فكرة الهجرة للحبشة، ولما احتاجت إلى أفق جديد ولدت فكرة رحلة الطائف، ولما احتاجت إلى التحول من دار الدعوة إلى دار الدولة ولدت فكرة الهجرة إلى المدينة، ولما احتاجت إلى تمكين المجتمع الوليد ولدت فكرة بناء المسجد والمؤاخاة ووثيقة المدينة، ولما احتاجت إلى إثبات قوتها وحماية شوكتها ولدت فكرة الغزوات، ولما احتاجت إلى نشر دعوتها وبسط منهجها ولدت فكرة رسائل الملوك وإرسال الرسل والسفراء واستقبال الوفود .. صحيح أن ما سبق من ولادات لم تكن مجرد اجتهادات بقدر ما هي وحي من رب الأرض والسموات؛ إلا أنها السنن التي نتعلم منها في تغطية الاحتياجات.