12.23°القدس
11.99°رام الله
11.08°الخليل
16.42°غزة
12.23° القدس
رام الله11.99°
الخليل11.08°
غزة16.42°
الإثنين 23 ديسمبر 2024
4.59جنيه إسترليني
5.15دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.81يورو
3.65دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.59
دينار أردني5.15
جنيه مصري0.07
يورو3.81
دولار أمريكي3.65

خبر: لا تمنوا على الناس عباداتكم

كنا نعتقد أيام المدرسة أننا في سجن عسكري ونتأفف ونعترض عندما تقرعنا وتنذرنا المعلمات إذا غبنا عن الدوام بعد إحياء ليلة القدر، وكانت حجتهم الدائمة «الصحابة انتصروا في بدر وهم صائمون»، وكان جوابنا بأصوات خافتة غير مسموعة «هؤلاء الصحابة وليسوا نحن»!!، وتربينا بعد ذلك على شعارات كبيرة، لم نكن نعيها تماما في ذلك الوقت، عن رهبان الليل وفرسان النهار، وعلى قصة عمر رضي الله عنه الذي كان لا ينام بالليل حتى لا يضيع حق الله، ولا بالنهار حتى لا يضيع حق الرعية. ومع الزمن يتعلم المرء شيئا من فقه العبادة أنها زاد المرء لنفسه، ولكن اختبار الانتفاع الحقيقي بذلك الزاد الروحاني يكون في معاملة الناس. فماذا سيستفيد الناس وكيف ستعمر الأرض لو قام الموظف الليل كله ثم نام في وظيفته، وأبطأ وتكاسل في انجاز معاملات الناس؟! إن العامة قد يسبون عليه وعلى سلوكه وعلى السبب الذي عطله عن عمله، فصاحب الحاجة على حق، وحقه مقدم عند الله فهو سبحانه يغفر التقصير في حقه، ولا يغفر ما كان في حق البشر حتى يغفروا هم. لقد أدرك ذلك الصحابي القائم على ثغر من ثغور الإسلام، وكان يصلي من الليل فتحمل السهام في جسده لاستغراقه في صلاته، ولكنه قطعها وأيقظ صاحبه عندما رأى أن استمراره في صلاته قد يهدد حصنا من حصون المسلمين، وقد جاء في الحديث أن أحب الخلق الى الله أنفعهم لعياله، ولم يقل أكثرهم تقوى أو صلاة أو صياما. فالناس لن تتبعك لتعرف يقينا أنك صائم أو مفطر، ولكنها قد تتبين من خلقك الكريم وقلبك الواسع وثغرك الباسم وسياقتك الهادئة وتقديمك لهم في الدور وإفساحك لهم في المسجد أنك تقي وورع، فالقلوب خافية ولكن الأخلاق سافرة ظاهرة للناس وبها يعرفون مكنونات القلب. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن في الجنة غرفًا، يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله لمن أطعم الطعام، وأفشى السلام، وصلى بالليل والناس نيام»، فكان أول سببين لدخول الجنة حسن معاملة الناس بالإطعام والسلام وواحد فقط للعبادة والصلاة التي تعود على نفس الإنسان بالتأهيل النفسي الذي يظهر في أعماله العملية في واقع الحياة. فقد أمر الله نبيه بالقيام (قم الليل إلا قليلاً) وكان لهذا الأمر العبادي ما بعده (قم فأنذر) فقيام الصلاة كان التمهيد والخطوة الأولى لقيام العمل والدعوة والجهاد. فقام الرسول حتى تفطرت قدماه، ولكن القيام ظهر مع الناس أخلاقا بالصبر والمرحمة والمحبة وخفض الجناح، وكانت له شهادة الأعرابي الذي بال في المسجد فنهره الجمع إلا رسول الله الذي وعظه في رفق، حتى دعا له على سجيته: «اللهم ارحمني وارحم محمدا، ولا ترحم معنا أحد أبدا». العبادة ما لم تظهر خلقا وعملا مع الناس فهي منقوصة القبول والأجر، وصلاتنا إن لم تجعلنا نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر فهي مردودة في وجوهنا كخرقة بالية، فإقامة الصلاة بمعناها الحياتي الواسع تحول المجتمع كله الى مسجد نتعامل فيه بنفس أخلاق المسجد، وهذا هو الفهم الشمولي لعطية الله لهذه الأمة على لسان رسولها عندما قال: «جُعلت لي الأرض مسجدا»، فالأرض كلها مسجد، ومن جانب المحراب يبدأ السير والعمل.