يوفر شهر أيلول/سبتمبر، والثالث عشر منه، من كل عام، وعلى مدار العقد الأخير على الأقل، فرصة للبكاء والعويل على فرصة ضاعت، وأهدرت، ومنصة "لفشة غل" على فشل اتفاق أوسلو، أو إعلان المبادئ، أيًا كان اسمه. وهي فرصة تجيد الجهات المتنفذة في قيادة الشعب الفلسطيني استغلالها جيدًا، بهدف تكريس بقائها ووجودها، والحاجة لوجودها.
يميل مؤيدو السلطة الفلسطينية في رام الله، ومن يسير في فلكها، إلى المسارعة دائمًا إلى تحميل دولة الاحتلال المسؤولية، خصوصًا حكومة بنيامين نتنياهو، بعد الحديث بنوع من الحنين المشوب بالأمل الضائع، الذي مثلته محادثات إيهود أولمرت – محمود عباس، التي يكاد بعض أقطاب السلطة يجزمون بأنها كانت ستفضي للحل المنشود لو أن أولمرت لم يجد نفسه وراء القضبان. في حين تجد معارضي السلطة، سواء من فصائل اليسار أو الفصائل الإسلامية، يرفعون عقيرتهم بالاحتجاج على "سوء التقدير وقصر نظر القيادة" التي وقعت في وهم أوسلو، ولم تتمكن من رصد ما ينصبه من كمائن للشعب الفلسطيني كله. وبالتالي فإن هذه القيادة تتحمل، طبعًا وحدها، بحسب آراء هؤلاء، التبعات المترتبة على هذا الفشل، وهي المطالبة دون غيرها بالتكفير عن ذنوب أوسلو وكبائره.
صحيح أن هناك فرقًا بين من وقعوا على الإعلان، وبالتالي حجم المسؤولية المترتبة عليهم، وبين من "رفضوا"، لكنهم في الوقت ذاته لم يترفعوا عن قطف بعض ثمار الاتفاق في مراحله الأولية، وقد كانت هناك بعض الثمار لهذا الاتفاق، فجة الطعم، أكلها بالأساس الأقربون "للصحن"، فيما حظي الآخرون ببقايا أو جوائز ترضية. لكن بيت القصيد، هو أن الجميع تراضوا في نهاية المطاف وشاركوا في الانتخابات التشريعية الفلسطينية الأخيرة، قبل أكثر من 11 سنة، التي جرت وفق مقاسات اتفاق أوسلو الأصلي، دون أن يكون ذلك مصدر حرج لأي طرف منهم. خلاصة القول، ورغم الفارق بين مسؤوليات وحجم مسؤوليات الأطراف الفلسطينية المختلفة، عما آلت إليه الأمور ووضع الشعب الفلسطيني، فقد آن الأوان لوقف مهرجانات البكاء، وندب الحظ، أو الحنين للأمل الضائع في أوسلو، والانتقال لمرحلة جديدة يبدأها الشعب الفلسطيني بإلغاء الاتفاق والعودة إلى مسار حركة تحرر وطني جامعة، هدفها الأول التحرير قبل السلطة والتنسيق الوطني وبناء الوطن بدلًا من التنسيق الأمني.