نسمع في الفترة الأخيرة شكاوى عديدة من بعض الأهل بأن ابنهم لا يرغب بالذهاب للمدرسة وأن ابنتهم قد ملَّت من رؤية معلميها، وهناك من يشكو بأن ابنهم يكره الصف والمدرسة وأن المعلم/ة سيئ/ة.
لا يغيب عن أحد منا ان أوضاع المدارس عامة في مجتمعنا العربي قابلة للنقاش، وخاصة في أعقاب التغييرات التي تحصل داخلها، وكثير منها يسوء حاله. فلو سلطنا الضوء على الأسباب لذلك تحو اتجاه ما نجد عدة اتجاهات وتشعبات تحصل منها:
الجيل التكنولوجي الجديد الآخذ بالازدياد، واتساع "تكنولوجيته".
تهميش مكانة وشخص المعلم.
المنافسات بين المدارس التي تأتي على حساب الطلاب.
تغيير المناهج بمزاج كل وزير جديد.
تقليل دور الأهل بالتربية ومكانتهم داخل البيت بالسنوات الاخيرة.
وإذا أردنا الخوض بموضوع حب المدرسة ومنبعه، فلنا أن نركز على دور الأهل بالبيت من خلال سيرورة التربية التي يخوضونها مع أبنائهم، وهو ليس السبب أو المنبع الوحيد وإنما هو أحد أهم منابع حب المدرسة والدراسة لدى الطلاب وعلاقتهم بها، ترعرعنا على أن "العلم نور" والدراسة خطوة للنجاح وأن المكوث بالمدرسة لهو أمر هام وضروري ومثري للعقل ويُغني الروح بما "لذَّ وطاب" من معلومات تؤهلنا للعلا والتطور بحياتنا مستقبلا. في السنوات الأخيرة نحن نشهد جيلا من الأهل واعيا ومطالِبا بحقه بمعرفة ما يدور بين أروقة المدارس من منطلق حرصهم على أبنائهم,
ومن الجدير بالذكر بأن هذا الحق وهذه المطالب في بعض الأحيان تضر بعلاقة الطالب بمعلميه ومدرسته، فشهدنا مواقف عديدة لمعلمين تعاملوا بالعنف الجسدي والكلامي والنفسي مع بعض الطلاب سواء كان الأمر مقصودا أم لا ، وبالمقابل شهدنا ردود فعل من بعض الأهل أقل ما يمكن وصفها بأنها أعنف مما بدر من المعلمين والتي فاقمت المشكلة.
ساخوض هنا بنوعية واحدة من المصاعب: في حال أن ردة الفعل من الأهل كانت عنيفة فبكل الحالات وخاصة أمام أبنائهم، الأمر الذي يؤثر كثيرا على استمرارية ونوعية العلاقة بين أبنائهم والمدرسة عامة، والمعلمين خاصة.مثال: إذا عاد الولد من المدرسة حزينا او غضبانا او محبطا، وحدَّث أهله بأن المعلمة صرخت بوجهه, عاقبته او لم تشركه بلعبة معينة هو يحبها، فنرى أن سرعان ما يثور الأهل ويتصل أحدهم بالمعلمة صارخا بوجهها، إن ما حدث سيء وعواقبه وخيمة وإن لا بد من المُساءلة والمحاسبة، بينما نوع آخر من الأهل يلعن الساعة التي تجرات تلك المعلمة بالتصرف هكذا مع ابنهم ويبدا بالتمتمة ونعت المعلمة بأوصاف نحن بغنى عن ذكرها، وبعضهم يتهمها بعدم المهنية وعدم الإسانية وبأنها لا تستحق وظيفتها بالمدرسة, وينتظر ليوم الغد صباحا ويدخل المدرسة باحثا عن المعلمة والمدير/ة ليتحاسب معهم، في كلا الحالتين وحالات شبيهة, سواءا كان هناك لبس بالموضوع ام لا, فان الحديث الصاخب العنيف والتصرف الغاضب يحدث أمام الطلاب بينما لا يعي الأهل مدى تاثيره السلبي عليهم.
وبعد حل المعضلة وتوقيع السلام بين الطرفين ينسى غالبا الطرفين ذاتهم بان هناك من شاهد وامتلأ قلبه بمشاعر أصعب من ذي قبل ولا بد بأنه حائر بما سيحدث، وفي جميع الحالات:
ماذا سيفهم الأولاد؟
فهم الطفل ان الغضب شيء طبيعي وهذه ردة فعل مقبولة وأن التمتمة على الغير ونعتهم بما يسمح به اللسان والوجدان هو أمر شرعي وعادي. ويحدث أن يستغرب الأهل لاحقا، لماذا يسب ابنهم غيره، أو أحد إخوته أو معلمته أحيانا, ويتفاجئون بأن ابنهم قد يغَضب ويحزن ويحبط من كل موقف شبيه مما حدث سابقا, ويثير انتباههم بان ابنهم أصبح كثير الشكوى بكل صغيرة وكبيرة بالمدرسة حتى دون أدنى محاولة منه أن يتعامل مع الأهل بفطنته. وكأن الأمر جديد على الأهل ولم يسبق لهم أن واجهوه في السابق.
قد يطول الشرح والتحليل والتفسير بهكذا مواقف، وأنا على يقين بأن البعض قد يخالفني الرأي مدافعا عن الأهل، وبعضهم عن المعلمين، ونقول "جل من لا يسهو" وكلنا بشر نخطئ ونصيب. ومع ذلك وجب التحكم بألفاظنا وسلوكنا وتفسيرنا للأمور، ما دمنا نخوض تلك السيرورة التربوية بالبيت التي تنعكس كثيرا نحو الخارج وتكون مرآة لنا، وخاصة الأهل. المدرسة أشبه بان تكون البيت الثاني الحاضن للطلاب، وإن أردتم السير بمعادلة رابحة لجميع الأطراف، اعتمدوا الحوار الليِّن بالبيت واسألوا كثيرا كي تصيبوا الهدف, وقروا المعلمين والمدرسة وحثوا على احترامهم وحبهم وحب الدراسة والطريق، عندها السيطرة على الفعل وردوده والمشاعر ستكون خير طريق.
"أنتم من يبدأ بغرس قيم حب العلم والدراسة والمدرسة بابنائكم ابناء المستقبل المملوء بطموح الخير"