إذا كانت قرارات الرئيس محمد مرسي الأخيرة قد فاجأتنا في مصر، فإنها صدمتهم في إسرائيل. آية ذلك أن الإذاعة العبرية ذكرت صباح الاثنين 13/8 أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أبلغ مقربيه بأن قرارات الرئيس المصري التي أقال فيها أبرز قيادات المجلس العسكري. تعد (في النظر الإسرائيلي) أسوأ من خلع الرئيس السابق حسني مبارك.. أضافت الإذاعة العبرية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي أوقف النقاشات الجارية حول إيران في الوقت الراهن، وتفرغ لدراسة الآثار المترتبة على قرارات الرئيس مرسي، وفي ذات الوقت فإنه طلب توصيات عاجلة بهذا الصدد من جانب أجهزة الاستخبارات والمستشرقين المختصين بالشئون العربية والمصرية. في نفس اليوم أيضا قالت الإذاعة العبرية إن نتنياهو عبر عن يأسه وحنقه على الرئيس المصري، وقال إنه فيما يبدو فإن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان سيكون بمثابة "نكتة" إذا ما قورن بالرئيس مرسي، الذي تشير الدلائل إلى أن مصر في عهده لن تتوقف عن تصدير المفاجآت الخطيرة ــ ومما أشارت إليه إذاعة الجيش الإسرائيلي يوم الاثنين أيضا أن نتنياهو حانق على وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، لأنها طمأنته بأن الرئيس مرسي لن يتدخل في تصميم السياسة الخارجية، وأنه سيتركها للعسكر، وهو ما تبين عدم دقته. ونشرت صحيفة "إسرائيل اليوم"على لسان الدبلوماسي والمستشرق الإسرائيلي بوعاز بسموت قوله إن قرارات مرسي الصاعقة أفقدت إسرائيل أوراقها المؤثرة في صنع القرار المصري. وبثت التلفزة الإسرائيلية الثانية صباح الاثنين تعليقا للخبير الإسرائيلى آمنون إبراموفيش قال فيها عن الرئيس مرسى، إن ذلك الرجل قصير القامة بحزمه وبروده سيحرق أعصاب قادتنا. وهم مجبرون على التأقلم مع الوضع الجديد في مصر، الذي لا تعرف مفاجآته القادمة. لا تحتاج هذه الشهادات إلى تعليق سوى في نقطتين، الأولى انها تكذب ادعاءات بعض «الخبراء» المصريين الذين تسرعوا في التعليق على قرارات الرئيس المصري، وادعوا أنها تمت في ضوء تفاهم إقليمي ودولي، بما يوحي بأنها مرتبة بين الرئاسة المصرية وكل من الولايات المتحدة وإسرائيل. الثانية ــ التي هي الأهم ــ أن القرارات إذا كانت صدمت وأثارت الانزعاج في إسرائيل إلى تلك الدرجة فذلك معناه أنها تمضي في الاتجاه الصحيح، وأنها تخدم تأسيس النظام الجديد في مصر الذي يسقط عار مرحلة "كنز إسرائيل الاستراتيجي". الانطباع الأولى عن القرارات أنها استقبلت بارتياح مشهود، وأنها مفاجأة سارة حقا لا يعيبها سوى شيء واحد يتمثل في الغموض الذي أحاط بملابساتها، الأمر الذي فتح الباب واسعا للتكهنات والاستنتاجات والشائعات أيضا، لكن آخرين أضافوا إلى الارتياح دعوة إلى الترقب والانتظار، ومنهم من قال لي إن القرارات من الجسامة بدرجة قد تفتح الأبواب لردود أفعال من جانب أصحاب المصلحة في إفشال جهود الانتقال إلى الدولة الديمقراطية التي من أجلها قامت الثورة. ونبهني أحدهم إلى أي القرارات وهي تحسم ذلك الانتقال المنشود فإنها تضع آخر مسمار في نعش النظام السابق، الأمر الذي قد يستنفر كل فلوله لكي يخوضوا معركتهم الأخيرة بكل بما يملكون من نفوذ كامن وقدرات مالية وفيرة. جدير بالذكر في هذا الصدد أن جريدة الوطن نشرت القرارات في عددها الصادر صبيحة الاثنين 13 أغسطس تحت عنوان كبير باللون الأحمر وصف ما جرى بكلمتين هما "رسميا.. إخوانية". واعتبرت القرارات بمثابة خطوة "استباقية" لتظاهرة 24 أغسطس التي دعت إليها بعض العناصر المخاصمة للإخوان، ووصفت التظاهرة في أحد عناوين الصحفة الأولى بأنها "ثورة 24". الشاهد أننا رحبنا بالحدث ولكننا لم نفهم ملابساته. وإذا كان البعض قد تحدث عن القرارات بحسبانها خطوة استباقية لتظاهرة 24 أغسطس التي تسوقها بعض المنابر مدعية أنها "ثورة" فإن آخرين ربطوا بين توقيت صدورها وبين فاجعة قتل 16 ضابطا وجنديا في رفح، وما اكتنف الحادث من تراخ جسيم كان ينبغي أن يحاسب أرفع المسئولين عنه. وأضاف البعض أن الحادث الذي جاء كاشفا عن التراخي والإهمال فجر العلاقة بين رئيس الجمهورية ورئيس المجلس العسكري، التي كان يشوبها بعض التوتر المكتوم جراء تنازع الاختصاص بين الرأسين. وذهبت إحدى الروايات إلى أن مشادة وقعت أخيرا بين الرئيس والمشير بسبب ذلك التنازع. يظل ذلك الغموض إحدى الثغرات التي لم تنجح إدارة الرئيس مرسي في علاجها، الأمر الذي يؤسس لفجوة بينها وبين الرأي العام الذي من حقه أن يفهم ومن واجب السلطة أن تخاطبه. لأن الناس بعد الثورة صاروا شركاء أصليين، بعدما فرض عليهم أن يعيشوا طويلا كمتفرجين وممتثلين. ذلك أن حقوق المواطنين ينبغي أن تختلف اختلافا جوهريا عن حظوظ الرعايا.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.