يحمل مكنسته السوداء على عربة يدفعها أمامه بيدين أرهقتهما كثرة العمل، ويسير في شوارع مدينته المحاصرة يجمع أكياس القمامة المتناثرة هنا وهناك، ويكنس غبارًا يتطاير مع نسمات هواء ساخنة تلهب حرارة جسده الصائم في شهر رمضان. ولا يتوقف عامل النظافة عادل الملاح (32 عامًا) عن جمع القمامة وكنس شوارع مدينة غزة مع قلة من زملائه، رغم علامات الإرهاق والتعب التي بدت عيهم، وأجواء الحر، والعطش الشديد في شهر الصيام. ويعاني قطاع غزة من نقص كبير في عمال النظافة فبلغ عددهم في غزة المدينة الأكبر في القطاع 380 عاملًا فقط يعملون على فترتين صباحية وليلية. ويقول الملاح– الذي يتقاضى مقابل عمله مبلغًا زهيدًا من المال إن "العمل في شهر رمضان متعب جدًا خاصة مع توافقه مع فصل الصيف، ووجود نقص شديد في أعداد عمال النظافة في مدينة غزة؛ ما يضطرنا لتكثيف عملنا للتخلص من النفايات". ويضيف أنه في "العام الماضي أصبت بضربة شمس، وجفاف شديد كاد يفقدني حياتي، بسبب عملي في ساعات الظهر أثناء الصيام، واتساع المناطق التي كنا نجمع القمامة منها، فأعداد عمال النظافة قليلة جداً ولا تكفي لتغطية مساحة مدينة غزة كاملة". ويحاول الشاب الملاح -الذي تتكون أسرته من 6 أبناء وزوجته- أن يوفر الاحتياجات الأساسية لشهر رمضان، لكن راتبه الزهيد الذي يتقاضاه من عمله لا يكفيه لسد أقل هذه الاحتياجات؛ ما يضطره للعمل مساءً في بيع كماليات الهواتف المحمولة على عربة في السوق المركزي لمدينة غزة. ولا يختلف حال عامل النظافة خالد حسونة (27 عاما) عن سابقه؛ فهو يخرج لعمله مع شروق الشمس، ويعود قبيل انتصاف النهار مجهدًا "يقطر العرق من جبينه لا يقوى على الوقوف على قدميه"، بحسب ما يقول. ويضيف حسونة قبيل مغادرته عمله "عملنا شاق جدًا وأعدادنا قليلة؛ فجمع أكياس القمامة وإيصالها لمكتب النفايات، وكنس الطرقات، يجهدنا كثيرًا خاصة مع ارتفاع الحرارة في شهر رمضان". ويحاول الشاب الغزّي أن يجمع بين العبادة، وطبيعة عمله القاسية في شهر رمضان؛ فهو ما إن يصل إلى البيت يصلي الظهر وينام حتى صلاة العصر، ليستيقظ على صوت تلاوة القرآن الكريم في بيته استعدادًا للإفطار. ويوضح أنه بعدما ينهي صلاة العشاء والتراويح في المسجد يعود لمنزله، ويجمع أسرته الصغيرة المكونة من 4 أطفال بالإضافة لزوجته ويتبادلون أطراف الحديث، ويتلون القرآن الكريم، ويخلدون للنوم بعدها ليبدأ في الصباح يوم عمل شاق جديد. من جانبه، يقول مدير عام الصحة والبيئة في بلدية مدينة غزة عبد الرحيم أبو القمبز إنه تم تقليص ساعات العمل لعمال النظافة إلى 5 ساعات يوميًا بدلًا من 6؛ نظرًا لقسوة ظروف العمل في شهر رمضان. ويشير إلى أن بلدية غزة وزعت إرشادات وتوجيهات لعمال النظافة قبل حلول رمضان ليجنبوا أنفسهم الإصابة بأي مرض، لافتًا إلى أن ساعات العمل تبدأ من الخامسة والنصف فجرًا حتى العاشرة والنصف صباحًا. وعن سبب قلة أعداد العمال، يقول أبو القمبز إن العدد قليل جدًا بسبب نقص الميزانيات التشغيلية للبلديات، فمثلًا في مدينة غزة 380 عاملًا في حين تحتاج إلى 1000 عامل. ويوضح أن هناك نقصًا كبيرًا في الإمكانيات أيضًا، فالعمال يستخدمون العربات اليدوية وعربات تجرها الحيوانات لجمع القمامة؛ ما يزيد من جهدهم، وأن البلدية تمتلك عددًا قليلًا من شاحنات جمع القمامة مما يزيد من العبء على العمال، غير أنه أكد أن البلدية تحاول أن توفر للعمال كافة الوسائل المتاحة.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.