18.08°القدس
17.83°رام الله
17.19°الخليل
23.75°غزة
18.08° القدس
رام الله17.83°
الخليل17.19°
غزة23.75°
الإثنين 30 سبتمبر 2024
4.99جنيه إسترليني
5.27دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.17يورو
3.73دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.99
دينار أردني5.27
جنيه مصري0.08
يورو4.17
دولار أمريكي3.73

كيف تكنس مخلّفاتك العاطفيّة؟

300
300
د. فتحي الشوك

قد يحدث أن تستيقظ يوما ويغمرك شعور بأنّك متعب، مرهق، عاجز عن فعل أيّ شيء وغير قادر على مواجهة تحدّيات يوم جديد، مثقل بوزر يكاد يقصم ظهرك، ينتابك حزن بلا سبب واضح ويدفعك قلق غير مفهوم إلى أن تنغمس في النّوم من جديد، ربّما يكون ذلك مردّه إلى مخلّفاتك العاطفية.

التوتّر وعدم الرّضا والفشل في التخلّص من مشاعر الغضب والإحباط وكلّ التّفاعلات النّفسية الّتي نخوضها كلّ يوم ينتج عنها مخلّفات عاطفية أو معنوية، وهي تتراكم وتتضخّم لتحتلّ مساحة أكبر ليزدحم العقل بها فتكبّله وتحيله إلى عاجز عن مواجهة أيّة تحدّيات جديدة، هي مشاعر سلبية تمتصّ طاقتنا لتفرغنا منها إن لم ننتبه ونحاول تصريفها وكنسها تحوّلنا إلى كائنات بلا طاقة عاجزة عن فعل أيّ شيء. هي مخلّفات عاطفية أو نفسية وهي بنفس خطورة المخلّفات العضوية الّتي يتكفّل الجسم بتصريفها حتّى لا تسمّمه أو تحدث به ضررا، وإذا ما كانت طرق تصريف الجسم لمخلّفاته العضوية معلومة وذات ميكانزمات محدّدة فكيف للنّفس أن تتخلّص من مخلّفاتها؟

حاول أن تنسى

الذّاكرة مشحونة بذكريات مختلفة بعضها مؤلم ومجرّد النّبش فيها يولّد وجعا يتحوّل إلى معاناة عند تكرار ذلك، هي حلقة مفرغة تجذبنا إليها في رحلة تيه ودوران بلا هدف تؤلمنا لكنّها مسبّبة لنوع من الإدمان كسلوك فراشة منجذبة إلى نار سوف تحترق فيها، وللخروج من هذه المتاهة لابدّ من محاولة إشغال العقل بأنشطة مختلفة كالمطالعة أو مشاهدة فلم أو ممارسة الرّياضة أو الانشغال بألعاب فكرية.

عبّر عمّا يختلجك

تتراكم المشاعر السّلبية وتكبر ككرة الثلج لترسب في أغوار أنفسنا، كبكرة خيط لا تدري لها طرفا، تبتدئ القصّة بالكتمان وعدم الإفصاح عن مكنوناتنا ربّما خجلا من الآخرين أو تهاونا بمحصّلاتها ونتائجها. قد نحتفظ ببعض الأسرار الّتي تمنحنا خصوصيّاتنا لكن لا يمكن أن نحتفظ بكلّ شيء داخلنا ولا بدّ من التنفيس والتصريف تفاديا للانفجار، لا بدّ من إخراجها لتصبح أمامك وكأنّك أمام مرآة: تحدّث، بح بذلك لصديق مخلص وإن لم تجد فاسكب ما يرهقك في كلمات على ورق وأتلفه لتذروه الرّياح أو أطلق لصوتك العنان في الخلاء وليكن صراخا أو بكاء، المهمّ أن يتلاشى في الفضاء.

توقّف عن الدّوران للحظة

من العجيب أنّنا لا نبذل جهدا لمعرفة أجسادنا بالقدر المطلوب فنحن لا نستمع إليها بل ولا نعير اهتماما لفهم لغتها. فالجسد، هذا النّظام البديع الرّائع، لم يكن ليختلّ ويعتلّ لولا تدخّلاتنا الفجّة

في زمن التّيه والقلق والتوتّر صرنا كينونات مستنفرة، مندفعة، مستهلِكة،مستهلَكة، فقدنا فيه لذّة ومتعة الحياة الحقيقيّة برغم كلّ مظاهر الرّفاهية المادّية البرّاقة والمزيّفة، عقلنا متورّط في لهيث بلا راحة لتلبية حاجاتنا البيولوجية وقد تخلّى عن وظائفه العليا السّمية ونومنا مضطرب ولا يتيح لأجسادنا الرّاحة المطلوبة أمّا أجسادنا فمنهكة أخذ منها الإعياء كلّ مأخذ لتتحوّل إلى خرق بالية تسكنها أرواح شاغرة، تائهة فقدت بوصلتها في زمن الانهيار القيّمي الشّامل. فجرّب أن تتوقّف عن الدّوران للحظة وحاول أن تفرغ عقلك من أيّة أفكار للحظة، تلك اللّحظة كفيلة بأن تشحنك ببعض الأفكار الايجابية لتمحو بعض ما فيك من سلبيّة.

غيّر بيئتك المحيطة من حين لآخر

غالبا ما نتواجد ي بيئة تطغى عليها الأفكار السّلبية، فبعض الأشخاص قد يكونون سلبيين إلى درجة امتصاص ما بقي فيك من ايجابية وكذلك بعض الأماكن في مدن الضّجيج والضّباب ولا يستثنى في ذلك مقهى أو ملهى أو مكان عمل حيث الرّوتين والبيروقراطية. اقض وقتا في مكان هادئ، كن وحيدا أو مع شخص يبحث عن الهدوء، استمتع بالبحر وهو يحاورك واستنشق نسيما عليلا تحت سفح جبل وامنح لعقلك إجازة مؤقّتة وامنع نفسك من أن تبتلعك طاحونة الشّيء المعتاد، سافر إن أمكن لك ذلك ولا تترك متاعبك تسافر معك.

اعرف جسدك

من العجيب أنّنا لا نبذل جهدا لمعرفة أجسادنا بالقدر المطلوب فنحن لا نستمع إليها بل ولا نعير اهتماما لفهم لغتها. فالجسد، هذا النّظام البديع الرّائع، لم يكن ليختلّ ويعتلّ لولا تدخّلاتنا الفجّة وممارساتنا المتناقضة مع الفطرة والقوانين الطّبيعية والمصيبة أنّنا نصنّفها من حاجاته مع أنّه لم يطلبها ونحن من فرضناه عليه قسرا وتعسّفا. فالجسد لم يطلب نظاما غذائيا مختلّا يجعل من نسب الكوليسترول ترتفع حتّى تتراكم وترسب في الأوعية متسبّبة في الذّبحات الصدرية وانسداد الشرايين وهو طالما احتجّ على ذلك بالألم إنذارا ولا من مجيب.

والجسد لم يطلب نيكوتينا أو كحوليات أو مخدّرات ونحن من أدخلناها عليه عنوة وأسقطناه في الإدمان، وهو ليس مسؤولا عن الإباحية أو السّلوكيات المنحرفة وليس هو المتّهم في جميع الوضعيات بل هو الضّحية وهو من يتحمّل الضّرر والتّبعات. اعرف جسدك لتعرف متطلّباته الحقيقية واعلم أن لجسدك لغة حاول أن تعبّر بها، فالمظهر اللّائق المناسب وملامح الوجه وكيفية الوقوف والجلوس والمشي وحركة اليدين هي رسائل ذات مضمون والوجه الطّليق المبتسم يعطي إشارات إيجابية للآخرين تجعلهم يرجعون الصّدى بإشارات ايجابية تعود إليك بالإيجابية.

اعرف نفسك

وتبقى تلك أمّ المسائل، اعرف نفسك: من أنت؟ أين أنت؟ كيف أنت؟ أسئلة وجودية لا بدّ من طرحها قد لا تجد لها إجابات ضافية لكنّ الخوض فيها وحلّ بعض طلاسمها قد يجنّبك الكثير من المشاعر السّلبية المبهمة الّتي هي نتيجة لتهرّبنا من طرحنا للأسئلة الصّعبة لترسب في أعماقنا وتتحوّل إلى شبه ثقب أسود يلتهم كلّ طاقتنا الايجابية ويحوّلنا إلى كتل من السّلبية. حاول أن تعرف نفسك فإن ذلك طريق إلى معرفة ربّك ومعرفته ممدّة لك بطاقة لا تنفذ.

ولمواجهة تراكم المخلّفات العاطفية حتّى لا تتحوّل إلى معرقلة وقوّة جذب إلى الخلف ،ممتصّة للطّاقة عليك أن تكيّف توقّعاتك بحيث تكون واقعية وقابلة للتحقّق، حاول أن تتعاطى مع معطيات اللّحظة المعاشة بمزيد من التركيز لتضمن فرصا أكبر للنّجاح، وبإمكاننا أن نضع لأنفسنا أهدافا على المدى القريب والبعيد فتحقيق الأهداف مهما كانت بسيطة تعيد الثّقة إلى النّفس ويمنحها قوّة دفع لإنجاز أهداف أخرى أصعب، يمكنك أن ننتقد ذاتك دون احتقارها أو السّقوط في جلدها، لتجرّب كيف تحترمها ولتتقبّل ماضيك مهما كان مرّا، لا فائدة في اجتراره ولتدعه يمر والمهمّ أن لا تكرّر الأخطاء وتعتبر، حاول كسر الرّوتين وفعل الأشياء بشكل مختلف، كن مبادرا ولتتيقّن من قدرتك على الفعل والإضافة وساعد الآخرين فمهما كانت أوجاعك فبإمكانك إزالة بعض أوجاعهم وأحسن فإنما في الحقيقة تحسن إلى نفسك.

وتذكّر دوما أنّه مهما تعرّضت إليه من مصاعب فالحلول موجودة والقادم يمكن أن يكون أفضل فدوما ما ينتهي العسر باليسر. "أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)"(سورة الشرح).