حتى الآن لا يبدو معروفاً ما يجري في كواليس نقاشات تشكيل الحكومة القادمة، ولا ما تم التوافق حوله بشأن تشكيلتها وخصوصاً رئاستها، ومع ذلك فإن التسريبات التي تطالعنا بها يومياً وسائل الإعلام لا تبعث على تفاؤل حقيقي، كونها تظهر أن السجال الدائر الآن يهدف للتوافق فقط حول الأسماء المقدمة من كل طرف. وللأسف، فإن ما يجري على الأرض منذ توقيع الاتفاق وحتى الآن لا يشي بأن الحكومة القادمة ستكون المفتاح السحري لحل الإشكالات المنتظرة، فالمجلس التشريعي ما زال معطلاً بقرار سياسي، والمعتقلون السياسيون في الضفة ما زالوا على حالهم، والاستدعاءات للمقرات الأمنية متواصلة وفي تزايد، وكأن حلّ كل هذه القضايا مرهون بتشكيل الحكومة. كفلسطينيين، وبعيداً عن القناعات الحزبية، أعتقد أن لا الأسماء ولا توزيعها الجغرافي ولا خلفياتها الفصائلية تهمنا بقدر ما يعنينا برنامج تلك الحكومة حتى لو كانت مؤقتة، كما يعنينا بالدرجة ذاتها ألا تفرض عليها شخصيات معروف أن نهجها واستراتيجيتها يقومان على رهن القرار الفلسطيني للمال السياسي، وعلى رأس هؤلاء سلام فياض، ذلك أن الرؤية السياسية والاقتصادية وحتى الأمنية للرجل لا تفضي ولن تفضي إلا باتجاه المزيد من الانتكاس الوطني. وهو ما يعني أن أية حجّة للتمسك به رئيساً للحكومة القادمة أو حتى وزيراً لماليتها لن تكون مقبولة أو مستوعبة، فأن يفرض على الشعب وقواه السياسية شخص غير مرغوب به ولا يتمتع بأدنى رصيد شعبي أو ثقل سياسي من باب أن تجاوزه غير ممكن فهذا يعني أن لدينا مشكلة كبيرة ومستعصية، وهي لم تبدأ الآن بل منذ أن تم فرضه وزيراً للمالية أيام أبي عمار. أما إن كانت الفصائل كلها غير قادرة على استثنائه لمجرد أن وجوده هو ضمان تدفق الأموال إلى خزينة الحكومة فهذا مؤشر خطير يقودنا للتشاؤم حول مستقبل البرنامج الوطني برمته الذي صار محاصراً في حدود حكومة تحت الاحتلال! ليس اكتشافاً جديداً ولا سراً القول إن مشروع فياض يتقاطع في محاور عدة مع مشروع السلام الاقتصادي لنتنياهو، وإن تأملاً بسيطاً في حديث نتنياهو أمام الكونغرس الأمريكي عن إنجازات فياض الاقتصادية يجعلنا ندرك أين يقف الأخير من المشروع الوطني، وهو أمر لا يجوز غضّ الطرف عنه حتى لو كنا نتحدث عن حكومة مؤقتة لحين إجراء الانتخابات، مع أن اختزال الحكومة والمصالحة كلها في هذا الهدف ما زال غير مستوعب أصلاً، بل ينذر بعقبات مركبة تلوح في الأفق. كنا نقول سابقاً إن المصالحة التي تجيء على حساب ثوابتنا ليست مطلوبة، أما اليوم فنقول إن الحكومة القادمة وما بعدها إن بقيت أسيرة الحاجة لمراعاة الاعتبارات الدولية لدرجة قد تدفعها لأن تسيء لشعبها وتهين وعيه فستكون حكومات تعطيل للمشروع الوطني، وهي ستنجح فقط إن غلّبت استجابتها للإملاءات الخارجية على مراعاة مصالح شعبها، وهذه المصالح لا تنحصر فقط في تأمين الرواتب وتسيير عجلة الحياة اليومية، فنحن قبل كل شيء ما زلنا نعيش تحت الاحتلال. ونرجو أن تنظر الفصائل الفلسطينية كلّها وعلى رأسها فتح من نافذة أوسع من ثقب الرواتب وأموال المانحين، ومن حدود دويلة الضفة العرجاء، خصوصاً وأن مجمل التطورات الأخيرة المتضادة من خطاب نتنياهو ورسائله للسلطة وحتى فتح معبر رفح تؤكد على عبثية جميع مساراتها المنتهجة لتحصيل الحقوق الفلسطينية!
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.